على هامش المهرجان الوطني للفيلم التربوي في نسخته 16 بفاس
لعل أهم ما ميز المهرجان الوطني للفيلم التربوي في نسخته 16 بفاس الذي انطلقت أنشطته السبت 29 أبريل الماضي، هو معاينة لجنة التحكيم لأفلام خرجت عن النظام المألوف، وغادرت المؤسسة التعليمية، لكن بأفكار جيدة، رغم التناول البسيط السطحي والمباشر لتيماتها من قبل مخرجي هذه الأعمال.
مواضيع مهمة بنهايات سيئة، يقو الدكتور عمر بلخمار، الناقد السينمائي الذي رافق التجربة من النشأة حتى يومنا هذا. وسجل في مداخلته خلال ندوة السينما والتربية بالموازاة مع العروض السينمائية بالمدرج الثقافي مولاي سليمان أراء وملاحظات وأفكار جريئة، هدفها استمرار هذا الحراك الفني والتربوي المتميز على الصعيد الوطني وتطويره دورة بعد أخرى بالرغم من مختلف أنواع الإكراهات، وبالرغم من قلة الإمكانيات التي تحد من طموحها في الوصول إلى المستوى المنشود الذي يشرف العاصمة العلمية. صاحب العمود الأسبوعي بجريدة العلم “الأحد السينمائي” يعتبر من أنصار تطوير التجربة وانفتاحها، لكن ضمن شروط موضوعية، وبعيدا عن التكلف لأن التطور برأيه يتطلب شروطا ذاتية وموضوعية.. صفحة “إعلام وفنون” استضافت الدكتور عمر الناقد السينمائي وكان الحوار التالي :
o تحدثتم في ندوة السينما التربوية عن إمكانية انزلاق محتمل للمهرجان نحو الجهوية.. ما بواعث هذا الطرح ؟
n كان هذا المهرجان في بدايته جهويا، أي مقتصرا على جهة فاس وحدها قبل أن يصبح وطنيا، ثم تحول في الدورة ما قبل الأخيرة إلى مهرجان دولي للفيلم التربوي شاركت فيه بلدان مختلفة، وكان حلم منظميه أن يبقى دوليا، ولكن تراكم الإكراهات والوعود الفارغة وقلة الإمكانيات المادية جعلته يتحول مرة أخرى إلى مهرجان وطني وربما سيتحول في الدورة المقبلة إلى جهوي أو أن يختفي تماما إذا لم تتم مأسسته من طرف الوزارة الوصية ودعمه من طرف كل من له صلة بموضوعه داخل فاس أو خارجها، لأن المهرجان وصل إلى دورته 16 بفضل المجهودات الخاصة وتفاني المديرين السابقين للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة فاس بولمان السيدين حسن أمزيل، ومحمد دادة وبفضل مجهودات المدير الحالي لهذه الأكاديمية التي تحولت إلى فاس مكناس السيد محمد دالي، وكل هذا طبعا بمشاركة ومجهودات رئيس جمعية فضاء الإبداع للسينما والمسرح بفاس الفنان محمد فرح العوان الذي أسس هذا المهرجان إضافة إلى الأستاذ والشاعر عبد السلام الموساوي الذي كان يديره فنيا من قبل.
o محكوم على الفيلم أن يكون مرتبطا بالسبورة والطباشير والمعلمة كي ينخرط في الحقل التربوي .. إلى أي حد يعتبر المعيار صحيحا؟
n هذا ليس صحيحا، لأن التربية موجودة في كل الأفلام السينمائية، وليست هناك تربية واحدة، بل لكل شخص تربيته التي يراها جيدة بالنسبة له، وفي حالة ما إذا بقي الفيلم التربوي ملتصقا دوما بالسبورة والطباشير والمدرس والتلاميذ، فإنه يصبح بالضرورة فيلما مدرسيا يقوم بالتحسيس والإرشاد بطريقة مباشرة وبسيطة للنهي عن قضايا تعليمية وأخلاقية وتصرفات غير محمودة.
o تناصرون فكرة المهرجان مجرد محطة لاكتشاف المواهب؟
n يرجع الفضل الكبير لهذا المهرجان في إدخال السينما إلى المؤسسات التعليمية في مختلف أنحاء المغرب، وفي خلق جو من النشاط والمنافسة بينها للتمكن من إنجاز أفلام تستحق المشاركة في مسابقته ويستحق منجزوها من المدرسين والتلاميذ الاستفادة من مختلف أنشطته التكوينية والثقافية، وهي مبادرة نبيلة فنية يمكن بواسطتها أن نكتشف مواهب في مختلف المهن السينمائية، وأعرف شخصيا معلما كان قد شارك بفيله في إحدى الدورات السابقة وفاز بعدة جوائز في مهرجانات أخرى فقرر تقديم استقالته من التعليم وراح إلى فرنسا لدراسة السينما وأصبح الآن مخرجا محترفا وواعدا أتمنى له مستقبلا زاهرا.
o هل الاكتفاء بالهواية بعيدا عن الاحتراف غاية المهرجان في الوقت الراهن؟
n الهواية وحدها لا تكفي للوصول إلى الاحترافية، بل يجب تطعيمها بالتكوين والتجربة والاستفادة من التجارب الجيدة الأخرى القديمة والجديدة، والمهرجان مع مرور الدورات يدفع ضمنيا بهؤلاء الهواة إلى بدل المزيد من المجهودات للوصول إلى مستوى أحسن وأجود وملامسة الاحترافية، وهو مبدئيا مهرجان ليس للمحترفين، بل للهواة ولا يمنع من إسهام بعض المحترفين فيها أحيانا، بل إن بعض الأفلام التي شاركت في مسابقته تمكنت من الفوز بجوائز في مهرجانات أخرى للأفلام القصيرة.
o لا مانع من التداول في أفكار اجتماعية خارج المدرسة؟
n الفيلم التربوي ليس هو بالضرورة الفيلم المدرسي الملتصق بالمؤسسة التعليمية، بل يمكنه أن ينجز من طرف المدرسين أو التلاميذ أو هم معا وأن يتناولوا فيه قضايا اجتماعية أو فنية أو رياضية أو ثقافية لها معاني تربوية بطريقة غير مباشرة وفجة، ويمكن معالجتها بطريقة طريفة أو جدية. الحياة مليئة بالمواضيع التربوية والتربية لا توجد داخل المؤسسة التعليمية فقط.
o تؤكدون باستمرار أن لا تطور دون عشق للسينما وأن الحاجة ماسة اليوم لثقافة سينمائية ؟؟
n الجواب عن هذا السؤال لا يخص المشاركين في هذا المهرجان فقط، بل يمكن تعميمه على كل الذين يريدون ولوج الميدان السينمائي، إذ يمكن لأي شخص أن ينجز فيلما سينمائيا أو بالفيديو أو بالهاتف النقال، ولكنه لا يمكنه أن يتطور وأن يتميز وأن يذهب بعيدا في هذا الميدان إذا كان لا يحب السينما وإذا كان ذهنه فارغا من كل ما يتطلبه هذا الميدان من تكوين وثقافة ولو كان موهوبا، وهو أمر يتطلب الدراسة أو المشاركة في التداريب التكوينية ومشاهدة الأفلام بكثرة من مختلف المدارس والأساليب والأنواع للاستفادة منها.
o لازلنا في الفيلم المدرسي … بعيدا عن التربية؟
n الفيلم المدرسي لا يخلو هو أيضا من معاني تربوية، ولكنه سيبقى مدرسيا إذا ما لم يتخلص بموضوعه وفضاءاته من المؤسسة التعليمية وما يدور بداخلها من مشاكل وقضايا ينبش فيها بكيفية متكررة كأن الفيلم موجه أساسا إلى وزارة التربية الوطنية وإلى من يهمه الأمر، والمهرجان مفتوح في وجه هذين النوعين من الأفلام، وقد لاحظت في الدورة الأخيرة للمهرجان أن أغلبية الأفلام كانت لا مدرسية، بل إن الأفلام المتوجة بأكبر الجوائز لا علاقة لها بالمؤسسة التعليمية .
o كلمة ختامية
n كلمة لا بد من التذكير بها مرة أخرى في ختام هذا الحوار تتعلق بالتطور التكنولوجي الذي عرفه القطاع السمعي البصري خلال السنوات القليلة الماضية والذي يسير بسرعة مهولة زعزع الميدان التربوي والتعليمي وأحدث فيه زلزالا قويا في علاقة المدرس بالمتعلم وفي علاقة المربي بالمتربي، وأصبح من الحتمي التأقلم والتكيف مع هذه التطورات والمستجدات ومواكبتها ومن الضروري التخلص من الوسائل التقليدية والمتجاوزة في العملية التربوية أو التعليمية حتى لا يصبح المدرس أو المربي في وضعية المتخلف المستهزء به. لقد أصبح من المفروض دمج الوسائل السمعية البصرية الحديثة في عملية التعليم و الرفع من المستوى التعليمي من خلال تعويض السبورة بالصورة في تلقين المعارف بطريقة مشوقة وحديثة ومواكبة للتطورات التكنولوجية. الوعي بأهمية الصورة في التربية والتكوين (التربية بالصورة) عبر استعمال مختلف الوسائط السمعية البصرية (السينما، التلفزيون، الفيديو، الديفيدي، الحاسوب، الأنترنيت وغيرها….)، وكذلك الوعي بخطورتها في حالة عدم معرفة قراءتها والوعي بسلبياتها وهو ما يسمى بالتربية للصورة.