النظام يرمم نفسه : تبرئة شقيق بوتفليقة والمديرين السابقين للاستخبارات وزعيمة حزب العمال .. وعودة الجنرال نزار

بر أت محكمة استئناف عسكرية السبت الأخير شقيق الرئيس الجزائري الأسبق عبد العزيز بوتفليقة من تهمة “التآمر” التي أدين فيها بالسجن 15 عاما مع مديرين سابقين للاستخبارات ورئيسة حزب، لكن سعيد بوتفليقة سيبقى في السجن لمحاكمته في قضايا أخرى.
وأصدرت المحكمة حكما بالبراءة من تهمة “التآمر على الجيش وسلطة الدولة” بحق كل من سعيد بوتفليقة والمديرين السابقين للاستخبارات الفريق محمد مدين واللواء عثمان طرطاق ورئيسة حزب العمال لويزة حنون.
وإثر هذا القرار المفاجىء، سيتم تحويل سعيد بوتفليقة إلى سجن مدني في انتظار محاكمته في قضايا أخرى تتعلق بالفساد خلال 20 سنة من حكم شقيقه، وفق مصدر قضائي. وكان موجودا حتى الآن في سجن عسكري.
ويبقى اللواء المتقاعد بشير طرطاق قائد الاستخبارات بين 2015 و2019 في السجن العسكري لاتهامه في قضية تتعلق بمنصبه لم يتم الكشف عنها.
وأكدت وزارة الدفاع في وقت لاحق في بيان حول القضية أن “بوتفليقة سعيد سيتم تحويله إلى السجن المدني كونه متابعا في قضايا أخرى أمام القطب الجزائي الاقتصادي والمالي التابع لمجلس قضاء الجزائر العاصمة”.
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن محامي سعيد بوتفليقة، خالد برغل قوله إنه “بعد قراءة رئيس مجلس الاستئناف بالمحكمة العسكرية بالبليدة (50 كلم جنوب غرب العاصمة الجزائرية) لحيثيات القضية، تم تباعا سماع كل من بوتفليقة سعيد ومدين محمد وطرطاق عثمان وحنون الويزة، إذ أنكروا جميعا تهمة المؤامرة”.
وتابع “تدخل النائب العام العسكري ليطلب تطبيقا صحيحا للقانون، ثم أحيلت الكلمة لمرافعة الدفاع”.
وأضاف “بعد المداولة أصدر مجلس الاستئناف للمحكمة العسكرية قرارا يتضمن إلغاء حكم المحكمة الابتدائية وتبرئة كل المتهمين”.
وكانت المحكمة العليا نقضت حكم المحكمة العسكرية بالبليدة بالسجن لمدة 15 عاما صدر بحق كل من سعيد بوتفليقة والجنرالين محمد مدين الملقب ب”توفيق” وعثمان طرطاق، بالإضافة إلى السياسية التروتسكية لويزة حنون التي كان تم الإفراج عنها في فبراير بعد خفض عقوبتها إلى السجن لمدة ثلاث سنوات بينها تسعة أشهر نافذة.
وحتى استقالة الرئيس بوتفليقة في أبريل 2019 تحت ضغط الجيش والحراك الشعبي ضد النظام، كان شقيقه ومستشاره سعيد بوتفليقة (62 سنة) يعتبر الرجل القوي الفعلي في القصر الرئاسي بدون سلطات دستورية، خصوصا بعد تدهور صحة شقيقه.
وازدادت قوته إلى درجة اعتباره “رئيسا ثانيا” بعد إصابة الرئيس بوتفليقة بجلطة دماغية في 2013 شلت حركته وأفقدته القدرة على الكلام.
وكان المدانون الأربعة قد أوقفوا في مايو 2019، وحكم عليهم في شتنبر من نفس العام بالسجن 15 عاما إثر محاكمة خاطفة بتهمة “التآمر على سلطة الجيش والدولة”.
واتهموا بالاجتماع في مارس 2019 لتحضير خطة لإثارة البلبلة داخل قيادة الجيش التي كانت تطالب علنا في حينه باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بهدف وضع حد للأزمة السياسية وسط استمرار الحراك الاحتجاجي ضد النظام.
وبحسب غرفة الاتهام العسكرية فإن سعيد بوتفليقة طلب مساعدة الرئيسين السابقين للاستخبارات من أجل إقالة قايد صالح من منصبه الذي شغله منذ 2004 وظل وفيا لبوتفليقة طيلة 15 سنة.
وبعد بضعة أيام من الواقعة، اتهمهم رئيس الأركان الفريق قايد صالح بالاجتماع للتآمر ضد الجيش. وبعد صدور الأحكام بإدانتهم وصفها الأخير بـ”الجزاء العادل”.
وبعد وفاة قايد صالح في 23 دجنبر 2019، هو الذي اعتبر الحاكم الفعلي للبلاد في الفترة بين استقالة بوتفليقة وانتخاب الرئيس عبد المجيد تبون في 12دجنبر، توقع المحامون بأن تتغير “المعطيات” ويعيد القضاء النظر في “الأحكام القاسية”.
وتم ذكر اسم سعيد بوتفليقة، سواء كمتهم أو شاهد، في العديد من قضايا الفساد المتهم فيها رجال أعمال ومسؤولون مقربون من شقيقه الرئيس السابق.
وتشهد المحاكم الجزائرية يوميا محاكمات لرجال أعمال كبار مثل علي حداد صاحب أكبر شركة للأشغال العامة والبناء في البلاد المحكوم عليه بـ 18 سنة سجنا مع مصادرة أملاكه.
والخميس صدر حكم جديد قاس ضد ثلاثة رجال الأعمال الإخوة كونيناف بتهم “استغلال النفوذ” و”تبييض الأموال” و”الاستفادة من امتيازات غير مستحقة” و”تحويل عقارات وامتيازات” و”عدم الوفاء بالالتزامات التعاقدية عند انجاز مشاريع عمومية”.
وحكم على رضا وطارق نوح وعبد القادر كريم كونيناف بالسجن 16 و15 و12 عاما على التوالي، مع مصادرة ممتلكاتهم.

عودة الرئيس

وتزامن ذلك مع عودة الرئيس عبد المجيد تبون من المانيا، إذ عاد إلى الجزائر يوم الثلاثاء الموالي بعد شهرين من العلاج إثر إصابته بفيروس كورونا المستجد، واضعا حدا لفترة من القلق سادت البلاد وذكرت الجزائريين بمرحلة مرض الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة.
وظهر تبون (75 عاما) في صور بثها التلفزيون الحكومي بحال أفضل من آخر ظهور له قبل ثلاثة أسابيع، لكن قدمه اليمنى كانت مضمدة دون أي توضيح بالخصوص.
وكان يرافقه رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل ورئيس المجلس الشعبي الوطني سليمان شنين ورئيس الوزراء عبد العزيز جراد ورئيس أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة ورئيس المجلس الدستوري كمال فنيش.
وبث التلفزيون في نشرة أخبار الثامنة التي تأخرت عدة دقائق، تصريحا مقتضبا للرئيس من مطار بوفاريك العسكري، قال فيه “البعد عن الوطن صعب، وهو أصعب على من يتحمل المسؤولية”. وتابع “الحمد لله على العودة الميمونة ولم يتبق إلا القليل، القليل جدا” من فترة العلاج.
ونقل الرئيس الجزائري في 28أكتوبر إلى ألمانيا “لإجراء فحوص طبية معمقة بناء على توصية الطاقم الطبي” كما كانت أعلنت الرئاسة في حينه دون أن تذكر ما أصابه.
وفي بيان صدر في 24 أكتوبر، اكتفت الرئاسة الجزائرية بالإعلان أن تبون دخل “طوعيا ” في حجر لخمسة أي ام عقب الاشتباه في إصابة مسؤولين كبار في الرئاسة والحكومة بفيروس كورونا المستجد.
ولم يتم إعلان إصابته بكوفيد-19 سوى في الثالث من نوفمبر في بيان جاء فيه “”يواصل رئيس الجمهورية (…) تلقيه العلاج بأحد المستشفيات الألمانية المتخصصة عقب إصابته” بالوباء.
وأعاد غياب تبون إلى ذاكرة الجزائريين الغياب الطويل بداعي العلاج للرئيس الاسبق عبد العزيز بوتفليقة إثر إصابته بجلطة دماغية عام 2013.
وفي حينه، أمسك شقيقه، السعيد، زمام الحكم وسعى مع فريقه الرئاسي إلى فرض ولاية خامسة للرئيس الاسبق، ما دفع الجزائريين إلى الاحتجاج والتظاهر بدءا من فبراير 2019.
وبعد ذلك، استقال عبد العزيز بوتفليقة في 2 ابريل 2019 تحت ضغط الشارع والجيش.
وكانت أصوات معارضة دعت في الآونة الأخيرة إلى تطبيق المادة 102 من الدستور وإعلان شغور منصب رئيس الجمهوية بداعي المرض.
ولكن في الذكرى الأولى لانتخاب تبون في 13ديسمبر، سجل أول ظهور له منذ مغادرته الجزائر، من خلال خطاب عبر تويتر نقله التلفزيون الحكومي، قال فيه إنه يتعافى من المرض وسيعود في مدة تتراوح بين أسبوع وثلاثة أسابيع.
ولفت تبون الذي بدا نحيلا في ذاك التسجيل إلى أنه يتابع “يوميا وساعة بساعة كل ما يجري في الوطن، وعند الضرورة أسدي تعليمات إلى الرئاسة”.
وأمام الرئيس الجزائري موعد مهم لا يمكن تأخيره هو التوقيع على موازنة الدولة ونشرها في الجريدة الرسمية قبل نهاية السنة وإلا تتعطل كل مؤسسات البلاد.
كما عليه أن يصدق على الدستور الجديد الذي غاب عن الاستفتاء عليه. وحصلت الوثيقة على التصويت ب”نعم”، لكن بنسبة مشاركة هي الأدنى في تاريخ البلاد.
ويعود آخر ظهور علني للرئيس الجزائري بصحة جيدة الى 15 أكتوبر حين التقى وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان بقصر الرئاسة بالجزائر العاصمة.

عودة الجنرال..

ورافقت عودة وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار (83 سنة) إلى الجزائر موجة من الجدل لم تهدأ منذ أن وطأت قدماه مطار الجزائر، قادما من إسبانيا التي لجأ إليها قبل أن تصدر المحكمة العسكرية الجزائرية في حقه حكماً غيابياً بالسجن لمدة 20 عاما.
وتخيم على المشهد السياسي الجزائري هذه الأيام سحابة من الأسئلة في ظل شح المعلومات القضائية التي تفسر عودة واحد من أشهر جنرالات البلاد والذي صدرت ضده مذكرة توقيف دولية شهر غشت 2019، بتهمة التآمر والإخلال بالنظام العام.
وجاءت عودة نزار بعد أسابيع من نقض المحكمة العليا للأحكام التي صدرت ضد اثنين من رؤساء المخابرات السابقين، اللواء المتقاعد بشير طرطق، والفريق المتقاعد محمد مدين، وكذلك سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، المتابعين في نفس القضية.

التفسير القانوني للعودة

ويؤكد المحامي الجزائري نجيب بيطام أن التفسير القانوني لعودة نزار يأخذ شكلين لا ثالث لهما.
وقال لـ”سكاي نيوز عربية”: “الحكم الصادر بحقه كان غيابيا مما يعني أن من حق نزار تسجيل معارضة، وفي حال ما كان الحكم غير مقترن بإجراء إلقاء القبض، يحق له الطعن في القرار الغيابي ويتم إعادة محاكمته حضوريا”.
أما عن الشكل الثاني وهو الأقرب في حالة نزار والذي صدرت في حقه مذكرة توقيف دولية، فالأمر يفرض إبلاغه بالحكم وتحديد جلسة إعادة محاكمة وفق قانون الإجراءات وتنفيذ حكم القبض لمدة 24 ساعة ليمثل في اليوم الموالي أمام قاضي التحقيق.
ويصف بيطام الحكم الصادر في حق خالد نزار في المرحلة الماضية بالانعكاس للتاجذبات الجيوسياسية والاستراتيجية التي مرت بها البلاد، وقال:”ما يحدث الآن ليس أكثر من تصويب الاختلالات وهو يؤكد على أن العدالة بدأت تتجه إلى مزيد من الاستقلالية بعد مخاضٍ عسير عرفته البلاد”.
ونقلت صحيفة “ليبرتي” الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية عن مصادر قضائية تأكيدها أن نزار مثل أمام محكمة البليدة العسكرية التي قضت بإلغاء الشكوى وإسقاط التهم الموجهة ضده، والمتمثلة في إضعاف معنويات الجيش والتآمر على سلطة الجيش. وأشارت المصادر إلى أن مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه لم تكن عقبة قانونية أمام عودته إلى الوطن.

لماذا وكيف عاد نزار؟

ووسط قلة المعلومات المتوفرة حول المسار القانوني الذي تم الاعتماد عليه للسماح للجنرال السابق بالعودة إلى أرض الوطن، انتشرت صوره كالنار في الهشيم عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر وهي تطرح سؤال: “لماذا وكيف عاد نزار”؟ .
وانقسمت الآراء إلى ثلاث فئات، بين من يعتبر أن الأمر إجراء قانوني محظ ولا علاقة له بالحسابات السياسية، وبين مشكك في الخطوة باعتبارها تأتي ضمن ورقة طريق سياسية جديدة رسمتها السلطة.
وصرح المعارض الجزائري المعروف كريم طابو معلقا على خطوة العودة قائلا:”عودة خالد نزار تكشف تصالح عصب السلطة على حساب الحراك”.
والشق الثالث اعتبر الأمر انعكاسا للظروف الراهنة التي تمر بها البلاد خاصة التحديات الإقليمية، واعتبر آخرون تواجد جنرال سابق بحجم نزار خارج البلاد يشكل خطراً على مصالحة البلاد وصورة المؤسسة العسكرية.
ويرى الخبير الأمني العقيد المتقاعد العربي شريف أن هناك جهات استغلت عودة نزار للتشويش وتهييج الشارع، وهي تحاول استغلال سوء إدارة الملف إعلاميا لنشر الشائعات.
وقال شريف لـ”ـسكاي نيوز عربية”: “كان من المفروض أن تصدر الجهات المعنية بيانا إعلاميا واضحا بالتفاصيل خاصة وأن الجنرال المتقاعد شخصية عامة وقد كثر السؤال حول خلفيات عودته”.
ولا يرى العقيد المتقاعد أي مؤشرات على وجود صفقة أدت إلى عودة جنرال التسعينيات، وقال:”هو الآن من الماضي وهو مجرد مواطن وملفه أمام العدالة وستقوم بعملها في النهاية وإن كان من الأفضل سد الطريق أمام من يحاول استغلال الملف لأغراض أخرى عبر نشر الشائعات”.

“خطر التواجد بالخارج”

ويرى الأستاذ بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر رضوان بوهيدل أن قراءة خبر عودة نزار إلى الجزائر يجب أن تتم بالموازاة مع قراءة الظروف الراهنة لاسيما الإقليمية منها.
وقال بوهديل لـ”سكاي نيوز عربية”: “الصورة النمطية لخالد نزار لدى العموم أنه شخص متابع قضائيا ومطلوب دوليا وأنه كان جزءا من العصابة الحاكمة في مرحلة سوداء من الجزائر ولا يمكن إلغاء هذه الصورة”.
ولكن بالمقابل “يعد وجود وزير دفاع جزائري سابق في الخارج تهديدا على الأمن الوطني”، بحسب بوهديل الذي أوضح أنه “يمكن استغلال هذا التواجد بالخارج ضد مصلحة الجزائر، بينما يعد تواجده داخل البلاد مهما من الناحية الأمنية وعودته تأتي في إطار تطبيق استراتيجية الاحتواء وهي التي تهدف للتقليص من شدة الخطر والتهديدات عن طريق التعامل ببراغماتية مع القضية بعيدا عن أي عاطفة”.
وبعد سفره إلى إسبانيا، نشر خالد نزار العديد من التغريدات عبر موقع تويتر كان أبرزها ما كتبه في 26 أغشت 2019 وقال:”كنت على وشك العودة إلى الجزائر عندما وصلتني معلومات موثوقة عن مشروع اعتقال تعسفي وجائر يستهدفني، سأعود إلى الوطن، بمجرد عودة الوضع إلى طبيعته، وعندما يتم انتخاب الرئيس بطريقة ديمقراطية”.
ويعتبر خالد نزار واحدا من أبرز الشخصيات المثيرة للجدل في الجزائر، وهو رابع رئيس أركان الجيش الجزائري، ويلقب بالرجل القوي في النظام الجزائري خلال الفترة بين 1990 و1993.
وقد وقف نزار أمام المحكمة العسكرية في مايو 2019 وأدلى بشهادته في قضية شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة والجنرال توفيق.


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 05/01/2021