النقابة الوطنية للصحافة المغربية في تقريرها السنوي حول الحريات والحقوق الصحافية بالمغرب : استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعموم العاملين في مهن الإعلام والنشر

ضرورة تعميم الاتفاقيات الجماعية على كل القطاعات، ومحاربة منتحلي الصفة، وخلق غرف في المحاكم خاصة بقضايا الصحافة والنشر

 

 

رصدت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في تقريرها السنوي في الفترة الممتدة بين مارس 2023 ومارس 2024 حول “الحريات والحقوق الصحافية بالمغرب”، استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعموم العاملين في مهن الإعلام والنشر، في تساوق مع تدهور الأوضاع المعيشية لكافة فئات المجتمع المختلفة، بفعل الوضعية الصعبة التي يجتازها الاقتصاد الوطني
نتيجة التضخم، وارتفاع كلفة الاستيراد، خصوصاً المرتبطة بالمواد الطاقية، واستمرار انخفاض العائدات الإشهارية لمختلف المنابر الإعلامية، بسبب المنافسة غير الشريفة وغير العادلة من طرف الشركات المحتكرة عالميا لخدمات الأنترنيت، وعمالقة مواقع التواصل الاجتماعي القوية، ومنصات بث الفيديوهات، وهو الأمر الذي انعكس سلبا على مداخيل المقاولات الإعلامية، وتأثرت بفعله رواتب وتعويضات الصحافيات والصحافيين المهنيين.
ونبهت النقابة الوطنية للصحافة المغربية وهي تستعرض تقريرها السنوي بمقر النقابة بالرباط يوم الخميس ، إلى أن الزيادات التي كانت مرتقبة كنتيجة للاتفاق الموقع تحت رعاية وزارة الثقافة والتواصل بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، والمشار إليه في تقرير السنة الماضية، عرفت ارتباكا في أجرأتها، إذ لم تلتزم بها العديد من المقاولات.
وسجل التقرير، استمرار الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة في اعتماد التشغيل عبر عقود محددة، أو عبر نظام المقاول الذاتي، عوض العودة إلى نظام «الترسيم» الذي يعد أكثر ضمانا للأمن الوظيفي، مما ينعكس سلبا على جودة الخدمات العمومية المقدمة، كما لازال وضع جمعية الأعمال الاجتماعية في هذا القطاع يعرف الكثير من الاختلالات التي تجعل العاملات والعاملين محرومين من كثير من الامتيازات التي يستفيد منها عادة العاملون في المؤسسات العمومية.
وأكدت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، مواصلتها التعبير عن مطلب الوضوح فيما ستؤول إليه أوضاع الشركة فى سياق الحديث عن مشروع الهولدينغ، وتطالب بإشراك المهنيين في كل الخطوات المزمع اتخاذها، كما لازال وضع جمعية الأعمال الاجتماعية في هذا القطاع يعرف الكثير من الاختلالات، التي تجعل العاملات والعاملين محرومين من كثير من الامتيازات، التي يستفيد منها عادة العاملون في المؤسسات العمومية.
وبالنسبة للقناة الثانية، أكد التقرير أنها تواصل اعتماد العمل بعقود المناولة وفي شكل صيغة المقاول الذاتي، وهو الأمر الذي يكرس وضع الهشاشة لدى هذه
الفئة المهمة داخل القناة الثانية. كما أن القناة لم تعمل على التوظيف لتعويض الصحفيين المتقاعدين المرسمين، وفي مقابل ذلك تعمل القناة على نهج خيار التمديد لبعض المسؤولين بعـد سن التقاعد رغم وجود الخلف وهو ما يحد من طموح فئات واسعة من الشباب المؤهل والكفء في التدرج المهني لبلوغ مناصب المسؤولية.
أما في الإذاعات الخاصة، فإن أوضاع العاملات والعاملين والصحافيـــات والصحافيين لم تعرف أي تطور، بل استمرت في وضعية الهشاشة، المرتبطة
باستمرار الكثير من عقود الإذعان، وتفضيل التعاقد مع عاملين في مهن أخرى ( التعليم، المهن القضائية، الصحة، التنشيط )، عوض المساهمة في خلق مناصب شغل في وجه خريجي معاهد الإعلام والاتصال، أو الحاصلين على إجازات مهنية ذات الصلة.
وسجلت النقابة بكل أسف أن السياسات العمومية لا تنتبه لأهمية السيادة الإعلامية، ولا توليها ما تستحقه من اهتمام، وهو الأمر الذي لا يساعد على تطوير المشهد الإعلامي، ويجعله يتخبط في مشاكل موروثة، تؤثر على جودته، ولا تزال الإشكالات المرتبطة بتحيين القوانين المنظمة للمهنة، لجعلها أكثر حماية لحرية الصحافة، وأكثر حماية للصحافيات والصحافيين أثناء أو بسبب أدائهم لمهامهم، مطروحة للأسف.
كما أن استمرار انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعموم العاملين والعاملات في مهن الإعلام والصحافة والنشر، يقول التقرير، لا يساهم في الاستقرار المهني، ويؤثر سلبا على تطور المنتوج الإعلامي.
وبالعودة إلى التوصيات الواردة في تقارير السنوات السابقة، سجلت النقابة بأسف أن أغلب تلك التوصيات لا زالت تحتفظ براهنيتها، داعية إلى مقاربة شجاعة لقوانين الصحافة والنشر، بما يسمح بإلغاء العقوبات السابقة للحرية في قضايا الصحافة والنشر، وفي ذات الوقت تحديد المقتضيات القانونية الواجب
توفرها لوضع حد للفوضى التي يعيشها القطاع، ووضع حد للتداخل بين ما يدخل في نطاق الممارسة المهنية المؤطرة، والتعبيرات التي تدخل في حرية التعبير المسؤولة.
وأوصت النقابة بتعميم الاتفاقيات الجماعية على كل القطاعات، الإعلام السمعي البصري، وكالة المغرب العربي للأنباء، الشركات الإعلامية العمومية، الإذاعات الخاصة الصحافة المكتوبة الورقية والإلكترونية، بما يتناسب مع خصوصيات كل قطاع، ويحترم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية العموم العاملات والعاملين، والصحافيات والصحافيين، مع التنصيص فيها على السلم المتحرك للأجور والتعويضات، وجعل احترامها من شروط الحصول على الدعم العمومي.
وطالب التقرير، التدخل الصارم قانونيا من طرف النيابة العامة، وكل المتدخلين المعنيين من أجل محاربة ظواهر انتحال الصفة، واعتبار كل الصفحات والقنوات التي تبث في شبكات التواصل الاجتماعي أو منصات بث الفيديوهات، والتي تحمل أسماء أو صفات أو رموز موحية لقيامها بخدمات صحافية، في وضعية انتحال للصفة، واضطلاع اللجنة المؤقتة التي تقوم مقام المجلس الوطني للصحافة بمهامها في ردع ومعاقبة كل السلوكات التي تمثل انتهاكا لميثاق أخلاقيات
المهنة، لما تسببه تلك الانتهاكات من خرق لحقوق الضحايا، ولما تساهم فيه من تراجع الوضع الاعتباري مجتمعيا للصحافيات والصحافيين.
وشدد التقريرعلى مراجعة مختلف القوانين ذات العلاقة بالإعلام والصحافة والنشر، والعمل على المزيد من الملاءمة مع ضمانات احترام الحقوق والحريات التي تضمنها المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، مع التنصيص الصريح
على عدم استخدام أي مادة من مواد القانون الجنائي أثناء مباشرة قضايا متعلقة بالصحافة.
وأوصى التقرير بخلق غرف في المحاكم خاصة بقضايا الصحافة والنشر، على غرار المحاكم التجارية مثلا، أو على الأقل خلق غرفة واحدة في كل جهة، ويتم الاحتكام لها وحدها في قضايا الصحافة والنشر، مع تكوين قضاة في مجال القانون المقارن المرتبط بهذه القضايا، والتأكيد على ضرورة الحصول على البطاقة المهنية، وذلك لتنظيم القطاع ومحاربة منتحلي الصفة، ولتوفير الضمانات القانونية والحقوقية للصحافيات والصحافيين، مع دعوة اللجنة المؤقتة لتبسيط مساطر الحصول عليها ما أمكنها ذلك، دون الإخلال بالمقتضيات التي قد يؤدي الإخلال بها عن حدوث انزلاقات تسمح بحصول غير مستحقيها عليها، وتغيير مقتضيات الحصول على الدعم العمومي، مع رهنه بشروط مضبوطة، خاصة المتعلقة باحترام الاتفاقيات الجماعية، وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمختلف العاملات والعاملات، وخلق فرص شغل جديدة بنسب محددة، وتطوير المقاولة المهنية، وإجبارية تخصيص نسب من الأرباح للاستثمار في المقاولة نفسها، مما يمكن من خلق إعلام مهني وتنافسي.
ودعت النقابة الحكومة والفرق البرلمانية إلى إقرار قوانين تنظم قطاع الإشهار بما يسمح باستمرارية بعض القطاعات الصحافية المهنية، وخاصة الصحف
الورقية، التي من شأن الاستمرار في إغلاقها أن يؤدي إلى أزمات اجتماعية، مادامت تؤمن مناصب شغل قارة لمجموعة من العاملات والعمال، سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، مع التفكير في صيغ للتعامل مع الإشهار الذي يستحوذ عليه عمالقة الأنترنت عالميا ( شركتا ميتا وغوغل نموذجا)، والذي أدى إلى نزيف كبير في المداخيل الإشهارية للمقاولات المهنية الوطنية، مع دعوة الحكومة والجهاز التشريعي إلى التعامل مع المراجعات المنتظرة لمدونة الصحافة والنشر بكل الجدية اللازمة، ونبذ تسييس هدف إصلاح البيئة المهنية للصحافة، والإنصات لمطالب المهنيين بما يسمح بإخراج منظومة قوانين متناسقة ومساعدة على محاربة مظاهر الفوضى والهشاشة في القطاع.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 04/05/2024