النقل الصحي بعيد عن الشروط العلمية والقانونية

 

للنقل الصحي أهمية بالغة في مجمل الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، لخصوصيته واستعجاليته القصوى المتمثلة في ضرورة الاستفادة من علاجات مستعجلة ومتقدمة، توفرها المؤسسات المستقبلة، التي قد تكون انعدمت في مستشفيات أقل مستوى، كمستشفيات القرب بالمناطق البعيدة أو المعزولة. إلا أن واقع ممارسته هو بعيد تماما عن الشروط العلمية والقانونية، حيث يلاحظ عدم جاهزية أغلب أسطول سيارات الإسعاف المتواجدة في ربوع التراب الوطني، بما يكفي من تجهيزات تقنية لضمان نجاح مهمة النقل في ظروف صحية، بالإضافة إلى تدهور الحالة المكانيكية لجزء كبير من أسطول النقل غير المتساوي التوزيع بين الجهات، حيث نجده مركزا في مرائب المديريات المركزية، ليظل العجز أو القلّة تسود في مناطق الحاجة.
أما بالنسبة للشق المرتبط بالموارد البشرية المرافقة للمستفيدين من هذه الخدمة وتأمين العلاجات أثناء النقل الصحي، فنجد أن هناك فوضى وارتجالية تتضح معالمها في غياب مراسيم منظمة وفراغ قانوني يؤطر قطاعا حيويا بامتياز، أقبرت جلّ المخططات الاستراتيجية لإصلاحه وتقنينه، وفق ما جاء في المخطط السالف 2012/2016 ، وتنزيل توصيات للواقع دون استمرارية في المخطط 2025 ، وفي غياب صلة وصل لمسار العلاجات من مستشفيات القرب المعزولة إلى المراكز الاستشفائية الجامعية كما هو منصوص عليه في كل المخططات الوزارية لتدبير المستعجلات، والقانون الداخلي للمستشفيات، و الدوريات الوزارية التي تنص جملة وتفصيلا على التنظيم المحكم والتنسيق بين المراكز ومصاحبة المريض مع شخص ذو كفاءة. هذه العوامل كلها تركت المجال للارتجال والحسابات والتسيير المزاجي لبعض المرافق والتسريع، خوفا فقط من المضاعفات، فيُرسل المريض بدون تنسيق، وتتم مرافقته في أغلب الحالات بممرض أو ممرض تخدير، ليصبح عرفا وعادة في أغلب المرافق العمومية، أو يتعرض الممرض للتوقيف والمتابعة بمبرر خطير يتمثل في الامتناع عن تقديم المساعدة، ويحال على المجالس التأديبية.
إن النقل الصحي هو مقدّمة وكذا استمرارية للعلاجات، يتطلب خلاله القيام بتدخل طبي محض، وتوفير وحدة متكاملة تتكون من طبيب وممرض وتقني إسعاف، خلافا للواقع الحالي الذي يفرض قانون التمريض على الممرض مرافقة مريض على متن سيارة إسعاف فارغة، عجز مستشفى بكامله عن التكفل به، وفي غياب تنسيق مع المستشفى المستقبل، مما يضطر معه للانتظار لساعات في صفوف المستعجلات، أو أن يعود أدراجه بحجة عدم وجود سرير، فضلا عن حوادث النقل الأليمة التي ترتّبت عنها وفيات أتناء القيام بالواجب المهني.
إن هناك العديد من المشاكل التي تبرز حجم الفوضى في التسيير والتنظيم، ويتمثل أغلبها في غياب لوائح الحراسة والمداومة المخصصة للنقل الصحي، تخصيص ممرض التخدير دون غيره من الفئات في جميع حالات النقل الصحي، انعدام مخطط استعجالي واضح ينظم الكوارث والحالات الاستعجالية، غياب التكوين المستمر، خصوصا أن ممرضي التخدير، لم يتلقوا تكوينا نظريا وتطبيقيا في ضوابط النقل الصحي، مقابل الحاجة إلى تكوين أطباء مختصين في الطب الاستعجالي. مشاكل تشمل كذلك عدم توفر التنسيق والمساعدة الطبية الاستعجالية رغم وجودها في بعض المناطق المركزية، وضعف الأسطول والتجهيز البيوطبي للمراقبة وشروط السلامة، على جانب غياب وحدات مخصصة لهذا الغرض مكونة من أطر طبية وتمريضية تسهر على تدبير القطاع بشكل دائم ومنظم، فضلا عن انعدام الإجراءات الإدارية لتسهيل المهمة من قبيل الأمر بمهمة، والملف الطبي الكامل بوصفات أنية متفق عليها علميا، حيث أن اغلب الحالات هي حالات حرجة تتطلب وصفات آنية مستعجلة، وتستلزم وجود طبيب وإشرافه المباشر، وكذا انعدام التنظيم بين المستشفيات وتخصيص أسرّة للحالات المستعصية مما يزيد من معاناة التنقل لمراكز أخرى، دون إغفال التعويض عن التنقل وتأخير المستحقات الهزيلة المخصصة لهذا الغرض، وانعدام التكوين المستمر والتأطير.
هي جملة من المشاكل لقطاع حيوي لا يمكن النهوض به إلا بتنظيم أيام دراسية وورشات تكوينية وتشاركية بين الوزارة والجمعيات المهنية، بخلاصات واضحة يتم تفعيلها، لا أن تظل حبيسة الأوراق والرفوف، للنهوض بهذا القطاع الذي يعدّ بالغ الأهمية ويمكن أن يساهم في إنقاذ أرواح المواطنين أو العكس. بالمقابل نجد أن تفاعل وزير مع تعالي أصوات الهيئات بعد الحوادث الأخيرة التي خلفت وراءها ضحايا في صفوف مرضى ومرافقين و ممرضين، جاء عبارة عن تصريح كالتالي « لا يوجد خصاص، بل سوء استغلال لسيارات الإسعاف لأنها موجودة وتم اقتناؤها بوفرة كبيرة»، مضيفا «قمنا بدارسة ووجدنا بأن سيارات الإسعاف لا تستعمل لعدة أسباب منها غلاء البنزين، وبالتالي لا يمكنها قطع مسافات كبيرة، أو أنها تعاني من عطب تعذر إصلاحه … اليوم يتعين أن نتخذ قرارا شجاعا، و أن نطرح تساؤلا عما إذا كنا قادرين على شراء سيارات الإسعاف أو كراء الخدمات من القطاع الخاص أو نزاوج بين الأمرين، مع الاستعانة بمروحيات بالدرك الملكي لتعويض خدمة الإسعاف الطائر المروحيات الطبية».
حلول باهظة التكلفة دون تنظيم أو تدبير لفك العزلة أو التدخلات الاستعجالية أمام الكوارث وغيرها وفق شروط السلامة والتنظيم المحكم، من التكوين إلى التجهيز، ليظل الوضع الحالي مقلقا دون إرادة لإنعاش قطاع حيوي بامتياز، وصلة وصل ضرورية بين كل المرافق الصحية يؤدي ثمنها المواطن والممرض.

رئيس الجمعية المغربية لممرضي التخدير والإنعاش


الكاتب : عبد الإله السايسي

  

بتاريخ : 08/02/2020