الوسواس القهري والرهاب الاجتماعي

يصيب اضطراب الوسواس القهري نحو 1.1% إلى 1.8% من سكان العالم حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية WHO.
ويحتل اضطراب الوسواس القهري المرتبة الـ20 عالميًا من بين الأمراض المسببة للإعاقة، على اعتبار تعريف الإعاقة كونها أي حالة نفسية أو جسدية تحد من قدرة الفرد على القيام بنشاطات معينة.

 

تعريف المرض

يمكن تعريف مرض الوسواس القهري باعتباره أحد الأمراض العقلیة التي یصعب علاجها نظرا لأنه أحد أشكال التفكیر العقلي المرتكزة على مفاهیم خاطئة، وتفسیرات غیر حقیقیة. ومن أعراضه كما يحددها بيار جانيه، عالم النفس الإكلينيكي الفرنسي والفيلسوف والمعالج في مجال (التفارق والصدمة النفسية)، ضعف الإرادة، وصعوبة ضبط النفس. أما الأفعال القهریة، فهي عبارة عن حركات معقدة طقوسیة یكررها المریض بشكل روتیني كسلوك غسل الیدین، حيث یرى المریض نفسه مندفعا نحو القیام بهذا السلوك المتكرر، لأن الفكرة تأتي من عقله، ویجب أن تنفذ، وإذا لم تنفذ فإن القلق والضغوط یظهران عليه، ولهذا یحاول إيقافها عن طریق القیام بالسلوك القهري.
ویعرف الوسواس القهري، كذلك، بأنه وجود خبرات نفسیة غریبة في الشعور، كأفكار أو أفعال أو مخاوف، أو اندفاعات ثابتة ومتكررة، وتتمیز هذه الخبرات النفسیة الغریبة وفق الصور الآتیة:
-الإجبار: وهو وجود إحساس لدى المریض بسیطرة الوساوس وقوتها القهریة على تصرفاته و أفعاله.
-الإدراك والمقاومة: وتعني أن المریض یدرك تماما سخافة هذه الأفكار وعدم جدواها وبعدها عن الواقع، نتیجة لمقاومتها لرغبته الواضحة في التخلص منها، ولكنه لا ینجح في تحقیق ذلك.
-التوتر والقلق: یشعر المریض بالضیق وعدم الراحة، فیكون في حالة توتر شدید مع قلق ینتابه بسبب وجود هذه الخبرات النفسیة المؤلمة، مما تؤدي إلى الإخلال بوضعه الاجتماعي.

أنواع الوساوس و مضمونها

-1 وساوس الشك : حیث یكون لدى الفرد اعتقاد بأن أي مهمة یقوم بها لا تتم على الوجه الصحیح، ویكون غیر راض عنها.
-2 وساوس التفكیر: وهي عبارة عن سلسلة من الأفكار الإجتراریة المتصلة وتتصل أحدها على الأقل بتوقعات الأحداث المستقبلیة.
-3 الوساوس القهریة (الاندفاعات): وفیها یكون لدى الفرد مطالب قویة تحمله على القیام بسلوكیات قد تكون تافهة بشكل هجومي وغیر متحكم بها و تكون لدیه رغبة جامحة أو قویة و اندفاع للقیام بأعمال لا یرضى عنها ویحاول مقاومتها.
-4 وساوس الخوف: و هو الخوف من فقدان التحكم، والتصرف بشكل محرج في موقف اجتماعي (كالخوف من الضحك في جنازة).
-5وساوس الصور: وهي استمرار وجود الصورة السلبیة التي رآها الإنسان في تجارب سابقة وتكون حاضرة دائما في معظم تفكيره.
العوامل الوراثية

أظهرت بعض الدراسات وجود بعض المكوّنات الوراثية (الجينيّة) المتأثّرة والمرتبطة بالاضطراب الوسواسي القهري وأن المصابين غالباً ما يكون لديهم واحد من أفراد العائلة من الرتبة الأولى مصاباً بنفس الاضطراب، على العموم، يعزى حوالي 45-65% من حالات الإصابة بالاضطراب الوسواسي القهري عند الأطفال إلى عوامل وراثية جينيّة. وهذا ما أثبتته أدلّة دعمت احتمالية وجود استعداد متوارث في النمو العصبي الداعم لحدوث الاضطراب. كما عُثر على وجود ترابط بين الاضطراب الوسواسي القهري مع وجود طفرة في الجين المسؤول عن نقل السيروتونين، (hSERT) وذلك في عيّنة عائلات لا قربى بينها.
ووفق اعتبار آخر، حسب علم النفس التطوّري، فإنّ الأشكال المعتدلة من السلوك القهري ربما كان لها إيجابيات تطوّرية؛ ومن أمثلة ذلك المتابعة المستمرّة للنظافة، وتكديس الطعام، وتفقّد الموقد والاحتراس من اقتراب الأعداء. ولذلك، فإن اضطراب الوسواس القهري يمكن أن يكون الطرف الأقصى الإحصائي لهذه السلوكيّات والناشئ عن «تكدّس» لجينات مهيّئة لهذا الأمر. (1)

الرهاب الاجتماعي

يعد الشعور بالخجل أو عدم الراحة في مواقف معينة بالضرورة مؤشرًا على اضطراب القلق الاجتماعي، وبخاصة لدى الأطفال. وتتفاوت مستويات الشعور بالراحة في المواقف الاجتماعية تبعًا لسمات الشخصية وتجارب الحياة. فبعض الأشخاص متحفظون بطبعهم، والبعض الآخر أكثر انفتاحًا.
لقد أصبح الرهاب الاجتماعي موضع اهتمام الباحثين منذ إدراجه كفئة تشخيصية مستقلة ضمن الطبعة الثالثة من دليل الاضطرابات النفسية التشخيصي والإحصائي، الصادر سنة (1980) عن رابطة الطب النفسي الأمريكية. وقد تم تمييزه بوضوح عن باقي اضطرابات القلق واضطراب الشخصية التجنبي. فالشخص الذي يعاني الرهاب الاجتماعي يخاف من أن يظهر بشكل غريب غير مركز وهو يراقب باستمرار ردود فعل الآخرين تجاهه. إنه يتميز بضعف التقييم الذاتي، وخوف شديد من الفشل. فالرهاب الاجتماعي استجابة انفعالية ومعرفية لموقف أهم ما يميزه حضور الآخر، أو توقع حضوره، فهو مفهوم يدل على ظاهرة خاصة بالعلاقات بين الأفراد تؤدي إلى تأثيرات سلبية في سير عمليات التفاعل الاجتماعي وغالبا ما يكون لدى الأفراد ذوي الرهاب الاجتماعي نقصا كبيرا في العلاقات. ويقل احتمال أن يقدموا على الزواج، وفي الحالات الأكثر شدة قد يتركون المدرسة أو يهجرون عملهم، ويعانون من البطالة، ولا يبحثون عن عمل، ولا يكون لهم أصدقاء.
النظرية المعرفية والرهاب الاجتماعي

ترى المدرسة المعرفية أن الناس يكتسبون مخزونا كبيرا من المعلومات والمفاهيم والصيغ للتعامل مع ظروف حياتهم، وتستخدم هذه المعرفة من خلال الملاحظة وتنمية واختبار الفرض وإجراء الأحكام والتصرف بشكل أقرب ما يكون إلى العالم الواقعي. وعلى هذا فالمعارف لدى الفرد تؤثر في انفعالاته وسلوكه بطريقتين وهما من خلال محتوى المعارف، ومن خلال معالجة المعارف، فمحتوى المعارف يؤثر في الانفعالات والسلوك، والجوانب الفيسيولوجية للفرد، وذلك من خلال تقديرات الفرد لذاته وللآخرين وللعالم من حوله، وتفسيرات الفرد للأحداث فمثلا لو اعتقد الفرد أنه شخص فاشل فإنه يشعر بالاكتئاب، أما معالجة المعارف (العمليات المعرفية) فهي تؤثر في خبرات الفرد عن العالم، وذلك من خلال درجة المرونة التي تكون لديه في التغيير بين أساليب المعالجة المختلفة وعندما يقوم الفرد بالقراءة الذاتية للمواقف الحياتية من خلال العمليات الذهنية التي يتمكن بها من إدراك العالم الداخلي والخارجي، قد يعتريها أو يعتري جزء منها خلل أو تحريف، يؤدي إلى بلورة أفكار وتصورات مشوهة عن النفس أو عن الآخر أو عن العالم المحيط، وتكون سببا في نشأة العديد من المشاكل النفسية وصعوبات التوافق، والواقع أن مظاهر التشويه والتحريف اليومية راجعة بالأساس إلى القراءات والتأويلات الخاطئة وسوء فهم الرموز والعلامات الخارجية والسلوكات الصادرة عن الآخرين، وهذا ما قد يؤدي إلى إشراطات وتعلمات مشوهة، يقوم الفرد بإسقاطها على مواقف وسياقات جديدة وعليه فإن إدراك الشخص لحادث ما أنه مهدد للمجال الشخصي سيؤدي إلى ظهور استجابة انفعالية شديدة أو مرضية في حالة ما إذا كان ذلك الإدراك خاطئا أو مشوها أو مبالغا فيه، إذ يمكن مثلا أن تصبح المواقف الاجتماعية المقرونة بتوقعات سلبية عن تقييمات الآخرين، مواقف تهديد يستجيب لها الفرد استجابة خوف مرضية. ( 2)


الكاتب : اعداد كمال وبران

  

بتاريخ : 19/10/2024