الوضعية المتأزمة للمستشفيات في مواجهة تزايد حالات الإصابة بفيروس كوفيد 19

تحدثت الصحافية غالية القاديري، في مقال لها على موقع جريدة “لوموند” الإليكتروني، عن معاناة المستشفيات المغربية، مع تشخيص حالات الإصابة بفيروس كوفيد. فبالمقارنة مع الرقم المعلن عنه بخصوص الوفيات، الذي يبلغ إلى حدود ساعة كتابة المقال 2400 وفاة، مع عدد الأسرة في المستشفيات، التي تبلغ عدد 1642 سريرا فقط، فإن الفارق واضح فيما تدلي به وزارة الصحة، وبين الضغط الموضوع على أكتاف الأطر الطبية العامة، وتحديدا مع قدوم الموجة الثانية المرتقبة للجائحة.
تصف الصحافية غالية القاديري، قصة أحدى القاطنات في عمارة سكنية بسيدي عثمان، التي تبدوكمبنى هادئ من أربعة طوابق، يقع جنوب شرق مدينة الدار البيضاء، الذي يحتوي في كنفه عائلات محدودة أو متوسطة الدخل، علاوة على محلين للبقالة في الطابق السفلي، ففي هذه البناية الجميع يتعرفون على بعضهم البعض، الجميع يحتكون ببعضهم إن صح التعبير، كما تقول سليمة القاطنة بالطابق الثالث: “نحن نتعايش بسلام فيما بيننا”، غير أن هذه الثقة قد انكسرت في أحد الأيام، وتحديدا بقدوم الحالة الأولى الإيجابية لفيروس كورونا المستجد في حالة صعبة.
أسفرت التحريات الطبية، عن العثور على 6 حالات إيجابية للفيروس، من ضمن الساكنة بهذه العمارة، كان السبب فيها إحدى بنات أحد المتوفين القاطنين بالعمارة، التي التقطت العدوى من مكان عمل والدها، لتتطور حالاتها إلى أعراض تنفسية وهضمية منذ الأول من شتنبر، حيث تحكي سليمة “لقد تخوفت من إجراء التحليل الطبي، لذلك قررت عزل نفسها عبر حجر صحي في شقتها، وتناول مسكن”دوليبران”، وأنا أتفهم تخوفها من الأمر، فلا رغبة لها في البقاء في المستشفى، مخافة أن تصيب والدها المصاب بالسكري بالعدوى”، غير أن الرياح جرت بعكس سفينتها، فقد توفي والدها في المستشفى بعد التقاطه للعدوى، بيد أن العائلة لم تبلغ السلطات الطبية إلا بعد 12 يوما من إصابتها، كما أن زوجين من سكان العمارة، التقطا العدوى ومازالا في العناية المركزة.

*لا مزيد من التمييز بين الأغنياء و الفقراء

تتنوع القصص المأساوية، التي تشابه قصة المبنى السكني بسيدي عثمان، بيد أن المؤسسات الطبية البيضاوية أو الوطنية تتعرف عليها كل يوم، إذ يقول عالم الأوبئة جعفر هيكل “العديد من المرضى، يمارسون الاستشفاء الذاتي، فور ظهور أية أعراض محتملة، ما يعرض حياتهم للخطر في نهاية المطاف، الأمر الذي يجبرنا رغم كل شيء على التدخل لإنقاذهم”. إن رفض البروتوكولات العلاجية، الشح في الولوج لمعدات الاختبار، الخوف من الولوج إلى المستشفى… من الأسباب التي تمنع شمولية الفحوصات، إلا أن السبب الرئيسي يكمن في معاناة المستشفيات اللازمة، التي تثني المرضى عن استشارة المختصين، معقبا “أن المرضى يتخوفون من الولوج إلى المستشفيات العامة. أي، أننا و بتأخرنا عن إجراء الفحوصات الطبية، سنزيد من حدة المرض، ومنه سنزيد من إعداد المرضى وصعوبة علاجهم”.
للتذكير، ولحدود وقت كتابة المقال، بلغت مجموع أعداد الإصابات في المغرب، عتبة 137 الفا و 248 حالة إصابة مؤكدة، كما وصلت الوفيات إلى 2400 حالة وفاة.
وبالرغم من إجراءات الخروج من حالة الحجر الصحي الحذرة التي تبناها المغرب، فإن سقف الإصابات والانفجارات، مازال في ارتفاع سريع، وذلك منذ الأيام الثلاثة الأولى لعيد الأضحى والعطلة الصيفية.
إن الارتفاع الواضح، في عدد الاختبارات للكشف عن الفيروس، المنتقل من 20 ألف عملية كشف في اليوم مقارنة ببداية الجائحة في المغرب، يعتبر من الأسباب التي فاقمت الأزمة الصحية، هذا بالرغم من استقرار معدل الوفيات تحت عتبة 2%. يردف السيد هيكل بالقول “على أرض الواقع، نتصادف مع مرضى قد تجاوزوا 8 أيام من الإصابة، كما أننا في إحدى المرات، اضطررنا لمراقبة ما يقرب من 20 ألف مريض مصاب بالفيروس، هذا ينعكس بشكل مباشر على قدرة تحمل المستشفيات الوطنية، لدرجة أن المرضى يجوبون أروقة المستشفيات، بحثا عن مكان شاغر من أجل الاستشفاء !”
للتذكير، فإن 90% من المرضى المسجلين في صناديق التغطية الصحية (الضمان الاجتماعي)، يعربون عن رغبتهم في الولوج إلى مستشفيات القطاع الخاص دونما القطاع العام. ومع ذلك، وباستثناء حفنة من المستشفيات الخاصة في بعض المدن المغربية الكبرى، فإن حالات الإصابة بالعدوى الفيروسية، يتم استقبالها في المستشفيات العمومية، على غرار المستشفيات الجامعية والمراكز الطبية والمستشفيات القروية.
لاشك أن المواطنين المغاربة، ينظرون إلى المؤسسات الطبية العمومية، بنظرة ساخطة تنعكس أيضا على النظام الصحي العام المهترئ والضعيف، غير القادر على تحمل معركة مجابهة فيروس كوفيد-19، بيد أن جنوده من الأطباء لا يتجاوزون 12 ألف طبيب،وهو رقم هزيل من اجل 36.5 مليون مواطن مغربي وفقط 1642 سريرا للإنعاش،إنها معطيات تضع النظام الصحي العام في مرمى رصاص الانتقادات.

* آلية المراقبة المنزلية للحالات المصابة

إن التوتر الشديد، الذي تعيش عليه المستشفيات العمومية وأطرها، قد وصلت موجته إلى المختبرات الدوائية المحلية، فلغاية حدود اليوم، لم يكن من المرخص سوى للمختبرات الطبية، إجراء فحوصات كوفيد-19 من نوع (PCR) علاوة على الاختبارات المصلية، ما أدى إلى زيادة في نشاط هذه المؤسسات، كما أن دفتر التحملات المفروض على المختبرات الخاصة، يعتبر مقيدا ومحدودا جدا، إذ لم تستفد سوى مجموعة من 20 مختبرا، من الحق في الولوج إلى هذه الاختبارات. يقول أحد علماء الأحياء بالرباط “في حال سماحهم لنا بإجراء الاختبارات منذ ما يزيد عن 3 أشهر، لتمكنا من تخفيف التأخر الحاصل في نتائج الاختبارات. لقد انتظروا كثيرا، ليتحول الأمر إلى مهزلة صحية”.
في الأخير، ومنذ بضعة أسابيع، لم يعد الأشخاص المصابون بالفيروس، مجبرين على المكوث في المستشفيات من أجل العلاج، هذا إن كانت الأعراض التي يبدونها خفيفة أومتوسطة، إذ يعود الفضل في ذلك إلى تبني آلية المراقبة المنزلية للحالات، وتزويدهم بجرعات من أدوية “هيدروكسيكلوروكين” و”أزيثروميسين” في منازلهم، ومراقبتهم عن بعد من قبل الأطر الطبية. يردف عالم الاحياء الرباطي، معقبا “بالرغم من كل هذه الإجراءات، مازال المواطنون متشككين ومتخوفين. لايزال الرعب باديا على وجوههم عند رؤية سيارة الإسعاف في الجوار، لحظة أشبه بالفترة الأولى لبداية الجائحة الوبائية بالمملكة”.


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 17/10/2020