اليسار الجديد وقضية الصحراء المغربية -07- أغلبية 23 مارس ترفض مفهوم « البؤرة الثورية»

نستعرض في الحلقات الآتية سلسلة من المواضيع المرتبطة بمواقف اليسار الجديد بالمغرب بشأن قضية الصحراء المغربية. ولعل اعتمادنا اصطلاح « اليسار الجديد» يستند على التداول المرتبط بمدلولات هذا المفهوم في علاقته بتنظيمات اليسار الماركسي- اللينيني- الماوي بأقطابه الثلاث البارزة.   منظمة « إلى الأمام، ومنظمة 23 مارس، و»لنخدم الشعب». كما نعتمد هذا المفهوم للتمييز الموضوعي بين التنظيمات الديمقراطية واليسارية المغربية» الرسمية» التي اشتغلت في الشرعية السياسية، والتنظيمات اليسارية الراديكالية التي عبرت عن مواقف متطرفة إزاء قضية الصحراء تلتقي في مجملها في إقرار « حق تقرير المصير» بإقامة تمييز بين ساكنة الصحراء والمغرب، أو باعتمادها مفاهيم خاصة من قبيل « الشعب الصحراوي» و « البؤرة الثورية» و «النضال الثوري» و «التناقض مع النظام..» الخ.

 

بالعودة إلى « معركة الذاكرة، تفاصيل مقتطفة من تاريخ لم يكتب بعد( الجزء الثاني)، يشير أحمد الحجامي إلى أنه «بخلاف موقف يسار المنظمة الذي دأب على رفع شعار « عاش النضال الوحدوي لجماهير الصحراء والشعب المغربي ضد الاستعمار والرجعية والامبريالية ، سنجد أن الأغلبية بالمنظمة تتجند للدفاع عن مغربية الصحراء ، رافضة إنشاء دُويلة مارقة ، ورافضة للمشروع الجزائري التقسيمي ، ومؤيدة لاتفاقية مدريد الثلاثية ، وللمسيرة الخضراء …»
تعتبر الأغلبية داخل « منظمة 23 مارس « ، أن سكان الصحراء ،هم جزء لا يتجزأ من الشعب المغربي ، وان مبدأ تقرير المصير الذي ترفعه جبهة البوليساريو والجزائر ، يخدم استراتيجية الاستعمار ، ويساعدها موضوعيا على إنشاء كيان مصطنع في أقاليمنا الجنوبية .
وبعد ان رفضت استراتيجية النظام المغربي في استرجاع الصحراء ، طرحت بديلها الثوري التحرري ، الذي لن يكون غير حرب تحرير شعبية ، ضد الاستعمار الاسباني ، وأذنابه بالمنطقة .
لقد اعتبرت الأغلبية في « منظمة 23 مارس « ، أن الصحراء المغربية هي جزء لا يتجزأ من كيان وطني تاريخي ، هو إطار الشعب المغربي . لذا فمسألة الصحراء المغربية ، تشكل أساس أية صيرورة في مسيرة الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية المغربية ، فالمسيرة هي منعطف هام ، بالنسبة للثوريين الطامحين إلى بناء جمهورية ديمقراطية شعبية في كل المغرب .
ان الأغلبية في « منظمة 23 مارس « ، كانت تعتبر مغربية الصحراء ، هي الباب الرئيسي للثوريين ، الذين يربطون بين تحرير التراب والأرض ، وبين تحرير المغرب من النظام . فالأغلبية استعملت الصحراء بمنطق الثورة العامة في المغرب وفي الصحراء . من هنا فهي لم تكن تتردد في اعتبار جبهة البوليساريو التي تأسست في 10 مايو 1973 ، بمثابة الابن اللقيط اللاشرعي لما وصفته بخيانات النظام .فالمحافظة على الحدود الاستعمارية ، هو إذن أساس وجود ما يسمى بالشعب الصحراوي . ان جماهير الصحراء المغربية ليست شعبا متميزا عن بقية الشعب المغربي ، وليس لها تاريخ منفصل ، إلاّ وحدتها ضمن تاريخ الشعب المغربي .
وتدعيما لأطروحتهم من مغربية الصحراء ، تساءلت الأغلبية عن تاريخ ظهور ما يسمى بالشعب الصحراوي . هل ظهر في سنة 1971 او 1972 او في سنة 1973 السنة التي تأسست فيها الجبهة؟
وقد خلصت الأغلبية إلى خلاصة تؤكد أن ما يسمى بالشعب الصحراوي لم يظهر بكل تأكيد، قبل ظهور البوليساريو كرديف للجيش الجزائري على مسرح الاحداث ، بل ابعد من ذلك ، لم يظهر مصطلح الشعب الصحراوي الاّ بعد تأسيس الجبهة وليس قبلها ، وهو ما جعل الرعيل الأول من قيادة الجبهة حائرون ، بين خيارين : إمّا إنشاء كيان مستقل ، او النضال في إطار الشعب المغربي الواحد والموحد ، لبناء الجمهورية الديمقراطية الشعبية .
لقد رفضت الأغلبية في « منظمة 23 مارس أطروحة « منظمة إلى الإمام « حول البؤرة الثورية في الصحراء ، واعتبرته خرافة يلغي نفسه بنفسه ، لأنه في الأصل يشكل غطاء لستر الطابع الانعزالي الإقليمي ولاستدرار التأييد لهم ، خاصة وان اشتداد هجمات الامبريالية على المنطقة العربية ، يخلق لدا الكثيرين ، استعدادا نفسيا لتقبل مثل هذه المواقف الخاطئة .
وبمعزل عن توظيف تحرير الصحراء ، لتحرير المغرب من نظام تبعي للإمبريالية ، وبناء الجمهورية الديمقراطية الشعبية ، فان الاستمرار في الحديث عن البؤرة الثورية بالصحراء ، لضرب الرجعية المحلية ، ليس فقط في المغرب العربي ، وانما في كل الوطن العربي ، يكون نوعا من المزايدات والتلاعب بالكلمات .
إن وضع « منظمة إلى الأمام « ، ووضع جبهة البوليساريو هذا ، يجعلهما في تناقض صارخ ، لا حل له مع الحركة الثورية المغربية التي تطرح وتناضل من اجل الإطاحة بالنظام المغربي ، ومن اجل تحرير الصحراء المغربية ، كما ناضلت باستمرار ، وتناضل من اجل تحقيق الوحدة العربية ، ووحدة المغرب الكبير .
وهكذا ، فان أغلبية « منظمة 23 مارس « ، لا تعترف بالشعب الصحراوي ، ولا توافق على إقامة دولة صحراوية مستقلة ، وتعارض السياسة الجزائرية ، وترفض منطق الحرب الدائرة في الصحراء . كما أنها تؤكد على مغربية الصحراء ، وتوافق على ضمها إلى المغرب ، كما وافقت على المسيرة الخضراء ، وأيدت اتفاقية مدريد الثلاثية التي رفضتها في البداية ، وعادت وقبلت بها ، وخاصة في ما يتعلق بالتقسيم الترابي ، وبالاستغلال المشترك للثروات الطبيعية ، من فوسفاط ، وثروة بحرية ومعادن .
ويعتبر الكاتب توفيق المديني ( أنظر ، منظمات اليسار الجديد المغربي، والموقف من الصحراء»، موقع عربي21) أن»منظمة 23 مارس» رفضت الخيار الذي عرف بتقرير المصير لعدة أسباب منها:
أولا: إن شعار تقرير المصير (بما يعني الانفصال) لا ينطق على وضع قضية الصحراء، لأنه جاء ليعزز نضال الأمم والشعوب ضد استعبادها من طرف الاستعمار، وجاء من ثم ليعزز وحدتها القومية وليس العكس. فوجود تيار انفصالي داخل جزء من الجماهير الصحراوية لا يبرر الانفصال بأي شكل من الأشكال، لأن هذه النزعة الانفصالية وقتية وعابرة، ولا تملك أي مقومات تاريخية أو قضية ثابتة.ولأن خط التجزئة في الوطن العربي هو خط مضاد للثورة. والتجزئة ليست من طرف الاستعمار بالقوة والحرب، ولكنها خيار حر وتنظير متعمد لشعب مزعوم. إن دولة مصنوعة هكذا من العدم، ولا تتوفر فيها أدنى إمكانية مادية وبشرية للاستقلال والتطور، لن تفيد الثورة العربية اللهم إلا في المزيد من التجزئة والمزيد من تغذية الحسابات الإقليمية الضيقة…
ويشير الحجامي إلى أن « قضية الصحراء أثرت على الوضع التنظيمي الداخلي ل « منظمة 23 مارس « ، فسببت في انشقاقات وانسحابات خاصة بعد السجن . وبينما عادت « رابطة العمل الثوري بالمغرب « التي حلت نفسها إلى الانتماء إلى « حزب الطليعة ، ستتحول الأغلبية إلى مجموعة « أنوال « في سنة 1983 ، ولتؤسس بعدها « منظمة العمل الديمقراطي الشعبي « التي أصبحت مواقفها من الصحراء ، ومن النظام ، هو نفس موقف « الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» وموقف « حزب التقدم والاشتراكية « .


الكاتب : n تقديم وإعداد: عبد المطلب أعميار

  

بتاريخ : 22/03/2025