بعد أن استعرضنا في الجزء الأول أهم الأفكار والأطروحات التي تأسست عليها مواقف منظمة « إلى الأمام» و « منظمة 23 مارس» و» ولنخدم الشعب»،
نستعرض في هذا الجزء أهم الأطروحات النظرية والسياسية للفقيد عبد السلام المودن، وللأستاذ علال الأزهر المنبهي بوصفهما قياديين بارزين من مؤسسي اليسار المغربي الجديد، ومن الكوادر التاريخية لمنظمة 23 مارس. وتلتقي كتابات الفقيد عبد السلام المودن، وكتابات الأستاذ علال الأزهر في دحض الأطروحات الانفصالية، في أبعادها السياسية، والوطنية، والقومية، والاشتراكية في مرحلة دقيقة من الصراع الداخلي الذي كان يتجاذب مواقف التنظيمات الثلاثة، سواء من داخل تجربة السجن ، أو خارجه. ولتيسير مقروئية هذه المواضيع سنعمل على استعراض أهم مضامينها، وخلاصاتها حسب التسلسل الوارد في المصدرين اللذين اعتمدناهما في انجاز هذا الملف.
قبل أن نناقش مضمون هذا العنوان لابد من الإشارة إلى النتيجة الايجابية لاسترجاع الصحراء في الوقت المناسب. وقد عبرت عن هذا الرأي في مداخلة ألقيت بتاريخ 23 مارس 2002 في إطار الندوة التي نظمها النادي، الجهوي للصحافة بالعيون حول تقرير الأمن العام الأممي (آنذاك) الذي ضمنه الخيارات الأربعة، وقد شددت في هذه الفقرات من الموضوع على خلاصة فيما يتعلق بأهمية استرجاع المغربب لإقليم الصحراء كالتالي:
« كان المغرب على موعد مع الحلقة الأخيرة من اتجاه التاريخ الوطني المغربي، الذي ظل ينتظر منذ هزيمة جيش التحرير سنة 1958، عندما استرجع الصحراء سنة 1975 عن طريق المسيرة الشعبية الخضراء في وقت كانت اسبانيا تحاول إقامة كيان تابع لها في الصحراء.
فقد أقبر التدخل المغربي بشكل لا رجعة فيه، مشروع الدولة الصحراوي المنفصلة عن الوطن الأب. وأهمية هذا الإنجاز التاريخي تتمثل في أن ترك التطورات المستقلة عن الإرادة السياسية للدولة المغربية تفعل فعلها وتصل الى حد إقامة كيان مستقل في الصحراء، سوف يضاعف من مصاعب عودة الإقليم الصحراوي الى الوطن الأب، إن لم نقل أن هذه العودة سوف تصبح شبه مستحيلة، لأن قيام دولة ذات سيادة على الصعيد الدولي سوف يشكل أمرا واقعا يصعب، أو يستحيل إزالته.
وتجربة موريتانيا كانت حاضرة، رغم الاختلاف في ذهنالمسؤولين المغاربة، كما أن تجارب أخرى تثبت ذلك بوضوح أكبر مثل علاقة العراق بالكويت… الخ
وهكذا يعتبر استرجاع الصحراء الى الوطن الأب قبل فوات الاوان، أي قبل نجاح اسبانيا وأية حركة انفصالية موالية لها في اقامة دولة صحراوية كأمر واقع قرارا حاسما وتاريخيا، أقبر مشروع الانفصال الى الأبد، وحصنه بوحدة وطنية متماسكة، متماسكة، وجعل كل ما سوف يثار من نزاعات «وطعون» في شرعية الوحدة الترابية المغربية فيما بحد مجرد تشويش وهوامش، مزعجة فعلا، على وحدة التراب الوطني والنزع الأخير لاحتضار الدولة الصحراوية التابعة لاسبانيا.
(الماركسيون في المغرب الجزء الأول ص 162-161).
ولنرجع الى سؤالنا في مستهل هذا الموضوع، هل تتوفر الشروط السياسية والاجتماعية أو أي شرط آخر قانوني وموضوعي يبر أو حتى يفرض إجراء مسطرة الاستفاءة لحل النزاع في الصحراء؟ لنحاول أولا تحديد الحالات التي تفرض إجراء مسطرة الاستفتاء، ثم نحاول ثانيا أن نستعرض بعض الجوانب من التجربة المغربية التي جربت فيها الأمم المتحدة تطبيق مسطرة الإستفتاء وفشلت.
إذن ما هي الحالات التي تفرض إجراء استفتاء لتقرير المصير.
1. عندما يكون هناك استعمار مباشر من طرف دولة أجنبية لدولة أخرى وتسعى هذه الأخيرة للحصول على الاستقلال وهذه كانت حالة الجزائر نفسها يقول الشامي «فالجزائريون أنفسهم لم يشكلوا حكومتهم المؤقتة الا بعد أن أحكموا سيطرتهم على معظم المدن الجزائرية الكبرى ولم يعلنوا على جمهوريتهم الا بعد الاستفتاء. فكيف تنقلب دروس ثورثهم الى مغالطة منهجية عواقبها وخيمة؟» أما في نزاع الصحراء، يضيف الشامي، فالجزائر دعمت جمهورية في المنفى وضغطت من أجل قبولها كعضو في منظمة الوحدة الإفريقية وجعلت من منطقة تندوف (المتنازع عليها في الماضي) أرضا لهذه الجمهورية. ص 239». ولهذا تحاول الجزائر وجبهة البوليساريو أن تسوق الوجود المغربي في الصحراء وكأنه احتلال استعماري.
2. الاختلاف في المعتقدات الدينية الأمر الذي يبرر إجراء الاستفتاء من أجل تطبيق حق تقرير المصير وهي الحالة التي أشرفت عليها الأمم المتحدة في كل من تيمور الشرقية ذات الأغلبية المسيحية لتستقل عن إندونيسا المسلمة وجنوب السودان المسيحي والوثني ليستقل عن الشمال المسلم.
3. لأسباب قومية وعرقية وهذه الحالة تنطبق على تفكك الدول التي قامت على أساس ايديولوجي وسياسي مثل الاتحاد السوفيتي الذي انقسم الى عدة قوميات وكذلك الدولة اليوغسلافية التي انقسمت هي الأخرى الى دول ذات أصول قومية كما انقسمت تشيكوسلوفاكيا الى دولتين وهذا التفكك بعد انهيار الإتحاد السوفيتي أدى في الاتجاه الآخر الى توحيد القومية الألمانية.
ولا حالة من هذه الحالات تنطبق على النزاع في الصحراء المغربية، ولذلك تعذر ويتعذر، إجراء استفتاء لتقرير المصير. فما هي الأسباب التي تجعل الاستفتاء مستحيلا وبناء على تجربة الأمم المتحدة التي فشلت من خلال محاولة التطبيق.