امرأة في مواجهة الموت -3- الطب الشرعي بداية البدايات

اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة ٠فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها٠من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز
خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.

في سنتها السادسة بكلية الطب لم تقرر ربيعة ابو المعز وهي طبيبة داخلية في مصير التخصص، ولم تغريها بعد، بعض التخصصات التي يتسابق عليها باقي طلبة الطب، فقد اختارت التريث بل إنها ظلت تتنقل مابين مصلحة واخرى، ولم تقرر حتى في موضوع رسالة الدكتوراه لتفادي ردهات الجامعة، ظلت على هذا الحال وهي تكتشف ماذا يجري في إحدى البنايات المحادية للمستشفى الجامعي بالبيضاء والتي كانت بمثابة فيلم رعب حقيقي للعديد من الأشخاص.
كانت مصلحة الطب الشرعي من بين العديد من المصالح التي يمر منها طلبة كلية الطب في سنواتهم الأخيرة، إلا أن ربيعة ابو المعز جدبتها هذه المصلحة وظلت بين الحين والآخر تراقب ما يجري داخلها بل تمكنت من الحضور لعمليات التشريح، وبدأت تكتشف تخصصا اخر، لم يكن على البال.
ورغم أنها كانت تعلم أن البرفسور سعيد الواهلية كان قد قرر مغادرة المغرب في اتجاه كندا بعد أن أرسى ركائز الطب الشرعي وأسس له بالمستشفى وكلية الطب ومعاهد الشرطة والدرك كتخصص جديد، إلا أنها توجهت إلى مكتبه مقدمة له طلبا في موضوع رسالتها الجامعية، لم يتردد الواهلية لحظة في قبولها ضمن الرسائل الجامعية التي يشرف عليها حيث تتذكر ابو المعز أنه لحظتها جدبها من يدها وتوجه بها إلى مكتبه وماهي إلا لحظات حتى كانت قد حصلت على موضوع رسالة التخرج وموافقة الواهلية على الإشراف، وفي الوقت الذي كان البرفسور الواهلية يغادر المغرب كان قد أوصى بها خيرا لدى رفيقه هشام بنيعيش الذي تسلم مشعل الطب الشرعي بالمغرب ويشرف على تخرج أول افواجه والتي لم تكن تتعدى اصابيع اليد الواحدة في الاربع سنوات.
لم تكن ابو المعز قد استقرت على حال، ولم تختار بعد طريق التخصص فبعد مناقشتها لرسالة دكتورة الطب العام كانت مباراة التخصص قد أجريت إلا أن سنة 2004 كانت فأل خير عليها حيث فتحت مباراة التخصص استثناء للمرة الثانية وتمكنت من اجتيازها بنجاح، لتحتار في الاختيار مابين تخصصين كانا حكرا على الذكور، الأمراض العقلية والنفسية، والطب الشرعي، الاختيار الذي لم يلق قبولا وسط العائلة وزوج ربيعة ابو المعز الذي كان حديث العهد بها كزوجة ووالدتها حاولا توجيهها نحو طب العيون أو جراحة الفك والوجه أو التوليد وهي التخصصات عكس الصحة العقلية أو التشريح الذي لا آفاق له بالمغرب وبشكل خاص التشريح.
استقر اختيارها على التشريح الطبي الذي كانت قد خبرت مصلحته مدة سنة ونيف جراء قضائها لفترة تدريب بها وموضوع رسالتها في الطب العام، وكان أول درس لها في التخصص هو اطلاعها على ثلاجة اموات من بين ما تضم جثة امرأة وطفلتها كانت قد انتحرت حرقا بالبيضاء وتلك حكاية أخرى.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 05/04/2022