دروس وعبر تحث على التعبئة المستمرة لإعلاء صرح مغرب الوحدة والحداثة
فــي غمرة أجـواء الاحتفـاء بالذكـرى71 لملحمة ثورة الملك والشعب المجيدة، يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، يوم الجمعة 16 غشت 2024، الذكرى 71 لانتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة، وانتفاضة 17 غشت 1953 بتافوغالت بإقليم بركان.
لقد تصدى المغاربة وأبناء المناطق الشرقية لمحاولات القوى الأجنبية القادمة من الحدود الشرقية غزو بلادهم، وتمكن المرابطون على الحدود من مواجهتهم وردهم على أعقابهم. وفي هذا السياق، نورد مقتطفا من الدرر الثمينة التي خص بها فقيد الأمة والوطن جلالة المغفور له الحسن الثاني مدينة وجدة المناضلة حيث قال رحمه الله في حقها: «… ومنذ ذلك الحين، وتاريخ وجدة في كل سنة أو في كل حقبة كان مقرونـــا بالصراع الذي كنا نعرفه مدا وجزرا لغزو المغرب من هؤلاء وأولئك …».
فعلا، كانت مدينة وجدة في قلب الصراع القائم بين المتربصين بحرية الوطن، وبينهم وبين المكافحين من أجل استرداد حريته وعزته وكرامته، وفي طليعتهم بطل التحرير والاستقلال، ورمز المقاومة جلالة المغفور له محمد الخامس، ووارث سره ورفيقه في الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراهما. ولا غرو أن الملابسات التاريخية التي أفـرزت حدث انتفاضـة 16 غشت 1953 بوجدة، والأسباب المباشرة المؤدية إلى اندلاعها، تكمن بالأساس في اشتداد الأزمة بين القصر الملكي وسلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية، حيث اشتد الخناق والتضييق على جلالة المغفـور له السلطان محمد بن يوسف لإرغامه على فك الارتباط والابتعاد عن الحركة الوطنية والكف عن التواصل والتفاعل معها، بل والتنكر لها وإدانتها.غير أن الموقف الشهم والجريء الذي عبر عنه بطل التحرير والاستقلال رضوان الله عليه سيؤدي بسلطات الاحتلال الأجنبي إلى التفكير في نفيه ومعه ولي عهده آنذاك، جلالة المغفور له الحسن الثاني والعائلة الملكية الشريفة.
إثر ذلك، بادر قادة الحركة الوطنية والمقاومة بوجدة إلى الإعداد الدقيق والمحكم لانطلاق وإنجاح هذه الانتفاضة المباركة حيث تم اختيار يوم 16 غشت 1953، وقد كان يوم الأحد ويوم عطلة للقيام بعدة عمليات فدائية، نذكر منها مناوشات قوات الجيش الاستعماري بسيدي يحيى، وتخريب قضبان السكة الحديدية، وإحراق العربات والقاطرات، وإضرام النار في مخزون الوقود، وتحطيم أجهزة محطة توليد الكهرباء، ومداهمة الجنود في مراكزهم، ولا سيما بمركز القيادة العسكرية بسيدي زيان للاستيلاء على ما كان مخزونا به من عتاد حربي. كما شهدت مختلف مراكز المدينة مظاهرات انطلقت على الساعة السادسة مساء، وهي المظاهـرات التي واجهتهـا القوات الاستعمارية بوابل من الرصاص، قدر بنحو 20.000 رصاصة سقط على إثرها العديد من الشهداء وجرح العديد من المواطنين.
وفي ليلة 18 غشت 1953، توفي مختنقا في إحدى زنازن الشرطة الاستعمارية، 14 وطنيا بسبب الاكتظاظ الذي نجم عن اعتقال المئات من الوطنيين. وامتدادا لهذه الانتفاضة، شهدت المناطق المجاورة لوجدة انتفاضات مماثلة، حيث عرفت مدينة بركان وتافوغالت مظاهرات حاشدة، وتم اعتقال العديد من المتظاهرين من بني يزناسن، ونقلهم إلى السجن الفلاحي العادر بأحواز الجديدة وإلى سجون أخرى.
لم تكن انتفاضة 16 غشت 1953 انتفاضة عفوية وتلقائية فحسب، بل كانت منظمة ومؤطرة، انتفاضة شاركت في انطلاقها أوسع فئات وشرائح المجتمع الوجدي من عمال وفلاحين وتجار وصناع وحرفيين صغار ومتوسطين وموظفين، وطالت كل الفئات الاجتماعية والعمرية، بحيث تسلح الجميع بالإيمان وبعدالة القضية الوطنية مزودين بوسائل وأدوات مواجهة بسيطة وتقليدية وهم يهللون ويكبرون: «الله أكبر»، «الله أكبر»، فكانت هذه الانتفاضة عارمة لم تكد تتسع لها كل أرجاء مدينة وجدة المناضلة.
واحتفاء بهذين الحدثين الوطنيين البارزين بما يليق بهما من مظاهر الإجلال والإكبار والاعتزاز، ستنظم المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، يوم الجمعة 16 غشت 2024، بكل من عمالة وجدة – أنجاد وإقليم بركان، مهرجانين خطابيين بحضور السلطات الإقليمية والمحلية والمنتخبين ونشطاء المجتمع المدني والعمل الجمعوي والمنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير، تلقى خلالهما كلمات وشهادات للإشادة بفصول هذه الملاحم البطولية وإبراز مكانتها المتميزة في تاريخنا الوطني الطافح بروائع النضالات من أجل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية والوحدة الترابية، وتسليم وسام ملكي لذوي حقوق مقاوم وتكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وتوزيع إعانات مالية على عدد من أفراد هذه الأسرة المجاهدة الجديرة بموصول الرعاية وشامل العناية.
وسيكون برنامج تخليد هذين الذكريتين المجيدتين كالتالي: يوم الجمعة 16 غشت 2024: زيارة ترحم على أرواح شهداء الاستقلال والوحدة الترابية بساحة 16 غشت بمدينة وجدة على الساعة العاشرة والنصف صباحا؛ مهرجان خطابي بقاعة المركب الإداري والثقافي للأوقاف والشؤون الإسلامية بوجدة على الساعة الحادية عشرة صباحا؛ مهرجان خطابي بقاعة الندوات التابعة لمدرسة مسجد الإمام نافع للتعليم العتيق ببركان على الساعة الخامسة والنصف عصرا.