حكومة تبون تواصل إسقاط حصون «الإعلام الحر» في الجزائر
نشرت صحيفة «الغارديان» تقريرا لمراسل شؤون أفريقيا جيسون بيرك نقل فيه تصريحات ابنة صحافي جزائري معتقل دعت فيها إلى الإفراج الفوري عن والدها إحسان القاضي من سجن سيء السمعة بعد اعتقاله عشية احتفالات أعياد الميلاد.
وكان الصحفي «القاضي» ناقدا معروفا للحكومة الجزائرية وأحد الأصوات المؤثرة في شمال أفريقيا، حيث قام رجال أمن بالزي المدني باعتقاله من بيته في بومدراس التي تبعد عن العاصمة الجزائر 35 ميلا في 24 ديسمبر واحتجز في سجن بانتظار محاكمته.
ومن المتوقع أن يستمع القضاء لطلب محاميه للإفراج عنه من السجن الأربعاء، فيما طالبت ابنته تين هينان القاضي بالإفراج عن والدها فورا قائلة: «لا يوجد أي شيء في قضيته يبرر احتجازه الاحتياطي، ليس مجرما خطيرا ولا يستطيع الهرب لأن جوازه مصادر» من السلطات.
وأضافت الصحيفة أن اعتقال «القاضي» أدى لشجب من منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات العالمية وليس من الحكومات الغربية الراغبة بالحصول على الغاز الطبيعي الجزائري الطبيعي وتعويض ما فقدته بسبب توقف الغاز والنفط الروسي ولأن الجزائر تملك احتياطات هائلة منهما.
وقال مصدر مقرب من «القاضي» طلب عدم الكشف عن اسمه: «كانت الجزائر ناجحة في إسكات النقد، ولم نر أي محاولات ذات معنى للضغط على الجزائر فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في الداخل».
وعبر الأصدقاء والداعمون للصحفي السجين عن خيبة أملهم من غياب الدعم الذي يقول النقاد إنه من تبعات الحرب في أوكرانيا.
وملأت الموارد التي حصلت عليها الجزائر من مبيعات النفط والغاز خزائنها بشكل دفع الحكومة المدنية والجنرالات الذين يقفون وراءها للاعتقاد أنهم يستطيعون شراء صمت أي معارضة لحكمهم الديكتاتوري بشكل متزايد.
وقال خالد درارني، ممثل منظمة «مراسلون بلا حدود» في شمال أفريقيا إن النزاع في أوكرانيا يعني أن الجزائر في وضع دبلوماسي قوي: «تعني الحرب أن الأوروبيين بحاجة إلى شركاء يوثق بهم ولا يفكرون إلا بمصالحهم الملحة ويضعونها فوق أي مصلحة أخرى».
ويواجه «القاضي» اتهامات بالتحريض أو القيام بأفعال لتقويض أمن الدولة والتي قد تؤدي إلى سجنه لمدة سبعة أعوام، وهو ينفي القيام بأعمال كهذه. ويقول النقاد إن قوانين الأمن الجزائرية الجديدة غامضة في صياغتها وصممت كي تقدم مبررا لإسكات أية معارضة.
وتم اعتقال 16 صحفيا بناء على نفس الاتهامات، فيما أغلقت السلطات الإذاعة والموقع الإخباري اليومي اللذين أنشأهما القاضي. وكانا قبل إغلاقهما من آخر الأصوات المستقلة المتبقية في الجزائر.
وجاء البلد في المرتبة 134 من 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة لعام 2022 الذي تعده منظمة «مراسلون بلا حدود». ويقول الناشطون إن اعتقال القاضي يتوج سلسلة من حملات القمع ضد حركة الحراك التي ظهرت في عام 2019 ضد النخبة السياسية الحاكمة ونجحت في إجبار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على الخروج من السلطة.
وكانت التظاهرات ردا على خططه للترشح لولاية خامسة، إلا أن استقالته لم تؤد إلى إصلاحات حقيقية. ونشر موظفو الصحيفة والإذاعة عريضة قالوا فيها إن «إغلاق أي مؤسسة إعلامية هو عمل خطير وانتهاك للحقوق الديمقراطية التي تعاني أصلا بشكل سيء». وزاد القمع منذ وصول عبد المجيد تبون إلى السلطة عام 2019، وهناك حوالي 200 «سجين رأي» خلف القضبان، معظهم على علاقة بحركة الحراك. وتحدث الناشطون عن التغييب القسري لأعضاء بارزين في الحركة.
واحتجز «القاضي» أولا بزنزانة مكتظة في سجن الحراش وفيها 60 شخصا تقريبا، بعضهم متهم بالقتل وجرائم العنف، ثم نقل إلى زنزانة مشتركة أصغر. وكانت عملية النقل إلى مكان أفضل نتيجة تعاطف مسؤول مع القاضي.
ويعود السجن إلى الفترة الإستعمارية وبدون تدفئة، ولهذا فهو بارد جدا طوال الليل ولكل النزلاء، فيما تقول تين هينان القاضي إن والدها «تعرض لترهيب لا نظير له وتحرش من الدولة» ويتوج اعتقاله سنوات من الضغط المكثف الذي مارسته السلطات على المعارضة «وهذا رد فعل عنيف، وأجبر النظام النقاد على خيار: الرحيل أو السجن «.
وقائع الاعتقال
وتعود وقائع الاعتقال إلى منتصف ليلة الجمعة 23 دجنبر، حين داهمت قوات الأمن الداخلي منزل إحسان القاضي، وتقول الصحافية الجزائرية يمينة بايير في تصريح لـ»موقع نواة» إن الشرطة لم تقدم أي تصريح بالإيقاف، وأنها اعتقلت القاضي الذي بقي رهن الإيقاف مدة ستة أيام في انتظار معرفة التهم الموجهة إليه، وتضيف بايير: «عند اعتقاله لم نكن نعرف التهم الموجهة لإحسان، انتظرنا لأيام قبل أن توجه له السلطات تهما بتلقي الأموال و التبرعات دون رخصة. هناك تخمينات تقول إن السبب قد يكون مقالا نُشر في موقع «راديو إم» في 12 دجنبر أي قبل أكثر من أسبوع على اعتقاله، انتقد فيه سعي الرئيس عبد المجيد تبون للفوز بعهدة رئاسية جديدة، وهو سيناريو مشابه لمسار بوتفليقة. تحدث المقال عن أطراف في الجيش متخوفة من ذلك السيناريو، كما يرجح آخرون أن السبب تغريدة نشرها القاضي يوم اعتقاله، شكك فيها في قيمة الأموال المنهوبة التي استرجعتها الجزائر بعد تصريح تبون. سبب الإيقاف غير واضح لكن الأكيد أن إحسان القاضي محاصر من السلطة منذ قرابة ثلاث سنوات».
وبعد ساعات من اعتقاله، أحضرت قوات الشرطة إحسان القاضي مكبل اليدين ليشهد إغلاق مقر شركة «أنترفاس ميديا» الحاضنة لموقعي «راديو إم» و»مغرب إميرجون». حسب موقع «راديو أم»، صادرت الشرطة كاميرات ومعدات الراديو، ليستتبع تلك المداهمة تأييد للحكم القضائي الذي صدر ضد الصحفي المعتقل بالسجن مدة ستة أشهر يوم الأحد الماضي. تقول الصحفية يمينة بايير لنواة: “أيد مجلس القضاء الحكم الصادر القاضي بسجن إحسان ستة أشهر في قضية قدمها وزير الاتصال الأسبق عمار بلحمير بسبب مقال كتبه القاضي في مدونة «راديو إم» في مارس 2021 قال فيه الصحفي أنه من حق حركة رشاد الإسلامية المشاركة في الحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية».
وواجه إحسان القاضي تهما ب»نشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالوحدة الوطنية» و»التشويش على الانتخابات» و»فتح جراح المأساة الوطنية» في إشارة «لعشرية الإرهاب» التي عاشتها الجزائر. كان القاضي مهددا بالسجن مدة ثلاث سنوات مع حرمان من العمل مدة خمس سنوات وذلك بطلب من النيابة العمومية، خاصة بعد أن تم تصنيف حركة رشاد منظمة إرهابية في ماي الماضي، تاريخ إحالة إحسان القاضي على القضاء على خلفية مقاله المذكور.
ونشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وسما تضامنيا مع الصحفي إحسان القاضي على خلفية اعتقاله. يقول سمير بوعزيز، مسؤول قسم المناصرة بمنظمة مراسلون بلا حدود، في تصريح لموقع «نواة»، إنه من المهم ان تعم حملة تضامن بين الصحفيين في المنطقة والعالم، خاصة ان عددا قليلا من الصحفيين في الجزائر عبروا عن تضامنهم مع القاضي، ما يفسر مناخ التخويف الذي يعيشونه خاصة بغياب هياكل مهنية مستقلة للدفاع عن حرية التعبير. يضيف بوعزيز: «راديو إم يعيش تحت ضغط السلطة منذ سنوات، شأنه شأن ست وسائل إعلامية أخرى مستقلة، والتي يمثل إحسان رمزا من رموزها. الوضع العام في الجزائر يشكو صعوبات منذ سنوات تمارس تضييقات على الصحفيين. كانت هناك فرصة منذ الحراك سنة 2019 والذي عبر خلاله عدد من الصحفيين المهنيين عن موقفهم بكل حرية، لكن تعطل الحراك مكّن النظام الجزائري من التضييق على حرية التعبير وعلى وسائل الإعلام المستقلة. حادثة اعتقال إحسان القاضي هي مؤشر خطير على وضع الحريات في الجزائر فالاعتقال وحجز المعدات هو تخويف ورسالة خطيرة لبقية الصحفيين».
نشطاء ومراقبون للحريات الصحفية، وصفوا اعتقال إحسان القاضي وإغلاق مقر «راديو إم» و «مغرب إميرجون» بسقوط آخر مربعات الاعلام الحر في الجزائر. أمر على خطورة وقعه، لا يبدو مزعجا للسلطات الجزائرية، التي لم تكترث للأصوات المنادية بإطلاق سراح الصحفي و إيقاف التتبعات في حقه.
العهدة الثانية لتبون
هي السبب
إلى ذلك، ذكر مصدر إعلامي أن سبب اعتقال الصحفي إحسان القاضي هو انتقاد الأخير لسعي عبد المجيد تبون لعهدة رئاسية ثانية في سيناريو مشابه لما قام به الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وأن أوساطا في الجيش تنظر بعين القلق لهذا السيناريو.
وقال مدير موقع «ألجيري بارت» عبدو السمار، الصحافي الجزائري المقيم في منفاه الفرنسي أن السبب الحقيقي وراء اعتقال الإعلامي والناشط الجزائري إحسان القاضي وإغلاق مكاتب موقع «مغرب إميرجان»، كان مقال رأي نشره إحسان يوم 17 دجنبر 2021، فحواه أن سعي الرئيس عبد المجيد تبون لعهدة رئاسية ثانية، فيه لإعادة انتاج تجربة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في الحكم.
وذكر المقال أيضا أن أوساطا داخل الجيش الجزائري أبدت حذرها من نوايا الرئيس عبد المجيد تبون الذي قد يسعى لإعادة تأسيس «مملكة» مشابهة لتلك التي أقامها بوتفليقة. وأن تبون يسعى للسيطرة على المؤسسة العسكرية وفرض رجاله في الحكم. و»هذا بالتالي ما قد يدفع الجيش لطرد تبون من السلطة كما فعل مع بوتفليقة»، وفقا لإحسان قاضي الذي أكد أن الجيش لن يقبل أبدا بعهدة ثانية لتبون وتنبأ بأن تنتهي كما انتهت العهدة الخامسة لبوتفليقة.
وإلى حين نشر هذا التقرير لم يصدر تعليق من السلطات الرسمية في الجزائر على حيثيات اعتقال الصحفي إحسان القاضي.
يذكر أن الأمن الجزائري اعتقل الصحافي إحسان القاضي مدير إذاعة «راديو.ام» وموقع «مغرب ايمرجون» الإخباري اللذين تم إغلاقهما، بحسب ما ذكر موقع الإذاعة مساء (السبت 24 دجنبر 2022).
وكتب موقع إذاعة «راديو.إم» بهذا الصدد موضحا: «داهمت مساء اليوم، مصالح الأمن بالزي المدني، مقر «أنترفاس ميديا» الناشرة لـ»راديو.إم» و «ماغراب ايمرجون»، بحضور مدير الموقعين ومؤسسهما الصحافي إحسان القاضي مكبل اليدين».
ونشرت نجلة احسان القاضي تدوينة على حسابها بموقع فيسبوك تؤكد فيها «والدي، إحسان القاضي، جرى اعتقاله من مقر سكنه من طرف وحدة تابعة لجهاز DGSI(المديرية العامة للأمن الداخلي). قدم ستة رجال في سيارتين في حدود منتصف الليل ونصف واقتادوه إلى «ثكنة عنتر». المضايقات تتواصل».
وينتظر مدير إذاعة «راديو.إم» وموقع «مغرب إميرجون» الإخباري قرار محكمة الاستئناف في الحكم الصادر ضده في يونيو بالسجن ستة أشهر مع النفاذ وبغرامة مالية قدرها 50 الف دينار (322 يورو). وتتعلق القضية بشكوى رفعتها وزارة الاتصال ضد إحسان القاضي بعد نشره مقالًا في مارس 2021 على موقع إذاعة «راديو.إم» التي تبث عبر الانترنت، دافع فيه عن «حق حركة رشاد في المشاركة في الحراك» الشعبي للمطالبة بالديمقراطية. وحركة رشاد منظمة إسلامية تنشط من خارج الجزائر وصنفتها السلطات منظمة إرهابية في ماي 2021.
وفي أول رد فعل له على الحادث، ندد حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (RCD) باعتقال القاضي إحسان وتشميع مقر «مغرب إميرجون». ونقل موقع «الكل عن الجزائر» في نسخته الفرنسية (25 ديسمبر) عن الحزب قوله «إن قمع الحريات والحقوق يتخذ أبعادا مقلقة يوميا في البلاد» ، مشيرا أيضا إلى أن اثنين من نشطاءه «استدعيا من قبل الشرطة». وأضاف الحزب في بيان نشره على صفحته في الفيسبوك «أولئك الذين كانوا يأملون التهدئة بشأن مستقبل البلاد لن يكون اعتقال مدير «راديو.إم» أول خيبة أمل لديهم».