بجرة قلم : حرب ضروس

«أشق الحروب هي حرب الإنسان مع نفسه» ( مصطفى محمود )
وأصعبها على الإطلاق، هذه الحرب الضروس التي نخوضها مع أنانياتنا، مع طمعنا، مع رغباتنا الدفينة في أن نكون النسخة الأفضل منا وأن نخرج في الصورة الأبهى للعالم…
ندخل المعركة، ضد ضعفنا وهواننا وقلة حيلتنا… ونكافح السواد الذي يسكننا رغما عنا لإنسانيتنا، ثم نجاهد…
نجاهد للسيطرة عليه وتغليب البياض والذي هو فطرتنا…
وكيف لا نحارب؟ ونحن نتخبط في البشاعة والبؤس والوحشية، نحاول ركوب قوارب النجاة نحو عالم هادئ مثالي، لم يُشيد بعد…
لنظل في حرب متواصلة… حتى لا تنجرف النفس، وحتى لا يخون القلب وحتى نحمي ما تبقى من الورد الذي يسكننا قبل أن تحرقه العاصفة.
حرب مع النفس وضدها… وأخرى للحفاظ على ما بها من جمال.
أشق الحروب،
هي أن تمنع قلبك من الموت وأنت على قيد الحياة… هي أن تحول دون أن تصبح وحشا بشريا يأكل الأخضر واليابس ويدوس على الضعفاء…
أشق الحروب،
هي أن تكون سدا منيعا يقي رأفتك، وحبك، وإنسانيتك، وسلامك الداخلي… هي أن تتمكن من النظر إلى نفسك، من الغوص بداخلك والسفر إليك… وأن لا يقض مضجعك ظلم أو كره أو سواد.
ثم يأتي الضمير، وهو المرحلة الأشد فتكا بنا إبان المعركة…
ولا أظن أن هناك مواجهة أقوى من أن يواجه الإنسان نفسه، أن تطيل النظر إليك بعد أن تتخلص من كل المساحيق التجميلية والأثواب البراقة، أن تقف أمامك وتقول هذا أنا!.. أن تزيح عنكَ كل الزينة وتخرج إليك عاريا من كل المُحَسنات….
وكم هو مؤسف أن تمقت حقيقتك… أن تخجل منها وأن ينتابك السوء تجاه ما هي عليه !
يقال إنه «في داخل كل منا محكمة عادلة تبقى أحكامها يقظة في نفوسنا، هي الضمير».
هذه الأحكام اليقظة، والتي نقف في حضرتها أمام حقيقتنا بشفافية، تجعلنا نعيد النظر في هفواتنا… في اختياراتنا وقراراتنا الجائرة في أحيان كثيرة…
لنخرج من الحرب بنصر عظيم ومكاسب شتى، ولعل الضمير الهادئ والروح النقية المتصالحة مع نفسها… هي أثمن المكاسب على الإطلاق.
ولا ضرر في أن تشعر أنك وحيد… متَفرد ومنفرد وسط النسخ، وغريب مختلف اختلاف الأزرق السماوي عن درجاته الفاقعة…
لا ضرر في أن تجد نفسك في زاوية بعيدا عن العالم الصاخب أو تركض وكأنك في سباق الدور النهائي لكن ضد التيار…
لا ضرر في أن يعجز الآخرون عن فهمك، لأن لا أحد مر مما مررت به… لا أحد شهد على مراحل حربك… انهزامك أمام نفسك مرارا ومعاناتك لتكون أنت نفسك!
فوحدك فقط من يعي أن الحرب الطاحنة على أشدها وأنك خلقت لتحارب… لتتحدى وتناضل من أجل عالم تحلم به، من أجل حياة تستحقها.

شاعرة وإعلامية


الكاتب : مريم كرودي

  

بتاريخ : 26/10/2022