بحضور الكاتب الأول إدريس لشكر معرض استرجاعي للفنان الدبلوماسي الراحل الفاطيمي الفاطمي

افتتح، مساء الجمعة 22 فبراير الجاري، برواق باب الرواح بالرباط، المعرض التشكيلي الاسترجاعي المخصص للفنان الراحل محمد الفاطيمي الفاطمي (1937/ 2012) والموسوم بـ «ذاكرة: فنان، رسام، دبلوماسي». ويندرج المعرض، الذي تنظمه الجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة تحت إشراف وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ضمن فعاليات فقرة «ذاكرة» التي تروم الجمعية من خلالها تكريس ثقافة الاعتراف بالرواد وصيانة ذاكرتهم الثقافية والفنية وتعريف الأجيال الشابة بعطاءاتهم.
وتميز حفل الافتتاح بحضور وازن من الفعاليات الفنية والثقافية والإعلامية والمؤسساتية والدبلوماسية، ومعها العديد من الشخصيات منها الكاتب الأول إدريس لشكر.
وتعكس لوحات الفاطيمي الفاطمي المعروضة والمنجزة بين 1958 و1986، كون الراحل كان «رساما تجريديا يغامر على تخوم التشخيصية»، كما انتبه إلى ذلك الناقد جون لوكونت سنة 1970، وأن أعماله التجريدية «تحافظ على جوانب تشخيصية، جوانب غير جلية ومطموسة في كثير من الأحيان، ولئن كانت ذات قيمة كبرى في اعتقادنا: قيمة السماح للمشاهد (…) بإدراك الطابع شبه الرمزي للعمل الفني»، وفق توصيف ذات الناقد. مثلما يضم المعرض جزءا من مجموعة الفاطمي الشخصية المكونة من أعمال تشكيلية لبعض الفنانين المعاصرين له، من بينهم: الشرقاوي، الغرباوي، أمين الدمناتي، عبد اللطيف الزين، الحسين طلال وأحرضان…
وصباح يوم الافتتاح، احتضن مقر النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالرباط ندوة صحفية سلط خلالها المنظمون الأضواء على المعرض وأسباب تنظيمه، وعلى مسار الفنان الراحل تشكيليا وأدبيا ودبلوماسيا وعائليا، وعلى علاقاته وصداقاته الفنية المتشعبة مع رواد التشكيل مغربيا، كما قدموا الكتاب الجماعي الجميل الصادر بتزامن مع تنظيم المعرض.
وساهم في تأطير الندوة الصحفية كل من عبد اللطيف البيدوري، رئيس الجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة، وعبد الرحمان عريس، المدير الإقليمي للثقافة بالجديدة، ومولاي المهدي الفاطيمي، نجل الراحل، وعمر الحسناوي الشاوي، الوزير المفوض ورفيق درب الفقيد مهنيا، والمحامي نعيم اشماعو الفهري، صديق الراحل. كما تميزت بحضور الفنان التشكيلي الزبير الناجب، المشرف الفني على المعرض، والإعلامي والكاتب سعيد عاهد، مترجم جل محتويات الكتاب الصادر بالمناسبة.
الاحتفاء بالفاطيمي، يقول عبد اللطيف البيدوري، رئيس الجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة، استعادة للمسار «المتعدد لطفل دكالة الحاضر بقوة، كحالة إبداعية متفردة، في مرحلة تاريخية تأسيسية للفن التشكيلي بالمغرب بجانب فنانين كبيرين: الجيلالي الغرباوي وأحمد الشرقاوي، مع آخرين بالطبع. وهو حاضر معنا اليوم عبر معرضه الاسترجاعي الذي يضم أبرز أعماله المنجزة بين 1958 و1986، مقترحا علينا حوالي ستين لوحة تعكس نماذج أساسية من إبداعه الصباغي. ومعرضه هذا رد صريح على أولئك الذين يسعون إلى تنحية ثقافة الاعتراف، وإعدام جزء من ذاكرة بعض الرواد الذين عملوا في كل المجالات المعرفية والفنية. ومن نافلة القول إنه ليس افتراء ولا مجازفة أن نعتبر الفاطيمي من الرواد الأوائل المؤسسين للفن التشكيلي مغربيا، ناقدا وممارسا ومبدعا وصديقا لرسامي جيله».
ومن جانبه، يوضح عبد الرحمان عريس، المدير الإقليمي لوزارة الثقافة بالجديدة وسيدي بنور: «ليست الشخصية المنتقاة للتكريم هذه السنة سوى فاطمي محمد الفاطيمي، أحد رواد الفن التشكيلي في دكالة والمغرب، الذي تعود بداياته الإبداعية تشكيليا إلى خمسينيات القرن الماضي. وإذا كان مساره الفني قد توقف فجأة سنة 1994، فإن منجزه وأثره يتمتعان بالخلود بفضل المخيال المتحفي لتلك المرحلة الذي يحتضنهما (متاحف باريس وتونس ومدينة الجزائر وميونخ…)، ما يبوئه مكانة مرجع أساسي ضمن الإبداع الفني المغربي الحديث. وبالفعل، فمسار الفنان الراحل كان متألقا بقدر ما كان قصيرا زمنيا. وقد وقع فاطمي محمد الفاطمي، خلال أربعين سنة، حوالي مائة عمل ستظل مسجلة بمداد الفخر في رحاب مجمع كبار المبدعين في تاريخ المغرب الفني. وقد تميز حضوره في الساحة الفنية، لاسيما، بمشاركته في تأسيس أول جمعية للتشكيليين المغاربة في مراكش، بمعية گسوس، وبورگبة، وهبولي والملاخ وآخرين…»
«الوالد كان كتاب تاريخ، يقول مولاي المهدي الفاطيمي، نجل الفقيد، مكتبة شاملة من الذكريات التاريخية التي لم يكن يطنب في الحديث عنها بفعل الاحتشام والتكتم. وكنا، لما يقدم على الخوض فيها، نصغي بانتباه وتركيز لكل كلمة ينطق بها، ذلك أن رواياته كانت تفتننا، هو الذي عاش قريبا جدا من الأحداث الكبيرة التي تصنع تاريخنا، وعرف شخصيات عالمية ذات رمزية ثابتة. (…) ثماني سنوات مضت وهو حاضر دوما وأبدا في حياتنا واختياراتنا وتأملاتنا. وكلما تسلل إلينا الشك، نتساءل بدون انقطاع عن تصرفه المحتمل مكاننا أو عن نصيحته الموجهة لنا.»
ورغم تعاطيه للفن التشكيلي مبكرا، فإن الفاطيمي ظل متوجسا من عرض أعماله، لكن تشجيع أصدقاء على دراية بموهبته سيدفعه إلى خوض مغامرة المشاركة في عدة معارض، منها معرضان جماعيان في كل من داكار (1968) وكوبنهاغن (1969)، وبعدهما أول معرض فردي له في نونبر 1969، معرض احتضنه الرواق الوطني باب الرواح تحت رئاسة محمد الفاسي، وزير الدولة المكلف بالشؤون الثقافية لحظتها ، وذلك مدة وجيزة بعد اختتام مهرجان الفن الإفريقي المنعقد بالعاصمة الجزائرية الذي دُعي للمشاركة في فعالياته.
وجدير بالذكر أن الفاطمي محمد الفاطيمي كان أيضا شاعرا باللغتين العربية والفرنسية، وأن له مساهمات كثيرة في مجال النقد التشكيلي، وقد كشف منظمو الندوة الصحفية عن وجود مشروع لتجميع عطاءاته الشعرية والنقدية وطبعها.
وبعد باب الرواح، سيحط المعرض الرحال في محطات أخرى منها: وجدة، تطوان، العيون، الجديدة وباريس.


الكاتب : محمد الطالبي الرباط

  

بتاريخ : 22/02/2022