برنامج عمل جماعة البيضاء الافتقاد لخيط ناظم ورؤية واضحة وأرقام بدون سندات إثبات

يسابق مجلس مدينة الدارالبيضاء عقارب الساعة كي يخرج للوجود برنامج عمله، الذي تأخر بسبعة أشهر عن الموعد القانوني المحدد من طرف المشرع، والذي يلزم المجالس المنتخبة بأن تعد برامج عملها في مدة لا تزيد عن السنة على الأكثر من تاريخ انتخاب هياكلها.
برنامج العمل هذا معروض الآن على أعضاء المجلس قصد التداول وإبداء الرأي، بعد أن عهد إلى مكتب للدراسات لإنجازه بمقابل مالي بلغ 200 مليون سنتيم، ومن خلال الإطلالة الأولية تظهر الضبابية ساطعة على الأوراق الحاضنة لتفاصيله، فانطلاقته محددة من 2023 ونهايته ستكون في 2028، هنا يضطر أي متتبع للشأن المحلي البيضاوي إلى التوقف، ويسترجع مفكرة ذاكرته، التي تذكر أن ميزانية 2023 تم التصويت عليها في شتنبر 2022 ولم تتضمن أي نقطة تتحدث عن تخصيص حصص مالية تتعلق بهذا البرنامج، والسؤال هنا هو: من أين ستغطي الجماعة تلك الحصص الخاصة ب2023 في البرنامج الموعود؟ ألم يكن حريا بمدبري شؤون الجماعة أن يقولوا إن البرنامج يتعلق بـ2024 إلى 2028، لإضفاء المصداقية الكاملة عليه ؟
الغلاف المالي الذي تم تحديده لتنفيذ هذا البرنامج هو 40 مليار درهم، نسبة مساهمة جماعة الدارالبيضاء فيه هي 10 في المئة، وبإطلالة على ميزانية الجماعة التي لا تتعدى 340 مليار سنتيم، نجد أن الجماعة لا تتصرف إلا في نحو مئة مليار بحكم أن ثلثي الميزانية تذهب للنفقات الإجبارية، والتي منها أجور الموظفين، وواجبات الأحكام القضائية والديون والاعتمادات المخصصة لشركات التنمية المحلية وغيرها، وبحكم ضعف الإدارة الجبائية فإن الجماعة لا تحقق أي فائض يذكر، وبالتالي فإن قدرتها على التزاماتها داخل البرنامج الذي سطرته جد منعدمة، بالطبع من وضعوا البرنامج لم يفعّلوا هذه النقطة التي تعد الأهم في العملية برمتها، لكن الحل كان سهلا بالنسبة لهم، وهو ليس شيئا آخر غير الاتجاه نحو الاقتراض، نعم الالتجاء إلى بنك عالمي لتمويل العشرة في المئة من مساهمة الجماعة، أي إغراق الدارالبيضاء في ديون جديدة تهزم إمكانياتها، وللعلم فإن الجماعة على عاتقها قرض من مؤسسة مالية إسبانية وآخر من البنك الدولي قيمته 200 مليار سنتيم ستشرع الجماعة في أداء فواتيره في هذه السنة، كما تحمل على ظهرها قروضا أخرى من صندوق التجهيز الجماعي. تسليما بفرضية القرض الذي قرر المدبرون الجري وراءه، من سيكون الضامن ؟ سؤال لابد منه لأن القروض السابقة التي حصلت عليها المدينة كانت بضمانة من الدولة، لكنها كانت تدخل ضمن المخطط التنموي للدارالبيضاء لجعلها عاصمة للمال والأعمال، وتم وضع هذا المخطط من طرف الدولة بل حتى المشاريع هي من سطرها، بذلك كان سهلا أن تكون ضامنا للجماعة كي تنخرط في هذا المشروع الكبير، هنا لابد من التساؤل هل عند الجماعة أي ضمانة كي تحصل على قرض جديد؟ وهل لها وعد من أي بنك دولي سيمنحها الرقم الذي خطته، أم أن جعبتها يملؤها التمني فقط، وهي تعلم جيدا أن برامج العمل لا تحتمل التوقعات والأحلام بل هي برامج تخضع للواقعية ولاشيء غير الواقعية. على أي، لم تدل الجماعة بأي وثيقة تثبت أنها ضامنة للقرض الذي تتحدث عنه، وهذا مخالف لمفاهيم برامج العمل التي لا هامش فيها للتوقعات، كما هو حال برامج الاستثمار، التي تفتح باب الحلم، كما لم تظهر الجماعة ما يفيد أنها ستحصل على القرض بشكل جازم، يمكن أن نعمم هده الملاحظة على جميع المشاريع المنتشرة في أوراق برنامج العمل السميكة، ففي العرض ستنجز المشاريع بشراكة مع مؤسسات ووزارات ومديريات بالإضافة إلى الجهة ومجلس العمالة ومثيلاتها، لكن ولا وثيقة موقعة مع هذه الأطراف موضوعة في أسطر برنامج العمل، فهل هناك اتفاقيات مضمونة وافقت عليها الأطراف الأخرى الشريكة، لا وثيقة تجيب عن ذلك أو تؤكد ما تم الإعلان عنه في هذا البرنامج، تنضاف إلى هذه الملاحظات نقط أخرى، منها أن الواقعية شبه غائبة، فمثلا إذا أخذنا بعين الاعتبار بعض تصريحات من ينتمون للأغلبية المسيرة حول برنامج العمل، سنجد أنها تذهب في اتجاه أن الجماعة تريد أن تعطي الأولوية للقطاع المتعلق بالبيئة، أمر لا يمكن إلا أن يستحسنه المرء، على اعتبار أن الدارالبيضاء انهكها الإسمنت، بتصفح هذا الباب داخل البرنامج، سنجد أن الجماعة تهدف إلى تخصيص 5 أمتار مربعة من المساحات الخضراء لكل مواطن، كما هو حال البرامج السابقة التي كانت تقول بشجرة لكل مواطن، هده العملية كما هو مسطر في ذات البرنامج، ستطلق توفير 4000 هكتار موزعة على كل المقاطعات، وقد خصص البرنامج لتنفيذ هدا المشروع حوالي 1800 مليون درهم. الأوراق المعروضة على المستشارين لا تتوفر فيها ولا وثيقة تحدد هذه المساحات أو وثيقة تؤكد أن تصميما للتهيئة خصص لهذه الغاية، فهل يعقل أن نحدد مساحات خضراء غير مدرجة في التصاميم ؟ دون أن ننسى أن هناك مناطق ليس فيها شبر إضافي لتحقيق هذا الهدف، مثل الحي المحمدي ومرس السلطان والفداء والمعاريف، فأين العدالة المجالية ؟ أم سيتم تعويض هذه المناطق ببرامج تدخل في قطاعات أخرى ؟ وبعيدا عن ذلك ماهي الكلفة المالية التي سيتطلبها اقتناء العقارات لجعلها خضراء، وهل هي في ملك الخواص أم في ملكية الجماعة ؟
كلها أسئلة بدون أجوبة في هذا البرنامج، هذا دون أن ننسى أنه لم تتم الإشارة إلى تكاليف الصيانة والسقي التي ستتطلبها هذه الساحات، لذلك قلنا إن البرنامج يفتقد لخيط ناظم ولبصمة ما، كما هو حال ساجد الذي التصق اسمه بطرام الدارالبيضاء كما التصق اسم القرشاوي بمعلمة لاكازابلانكيز وعين الذئاب؟ !


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 04/03/2023