تشن وسائل الإعلام التابعة للانفصاليين والمتعاطفة معهم حملة ممنهجة ضد الحكومة الإسبانية، بعد أن خاب مسعى الجبهة الانفصالية في استصدار موقف من مدريد يؤيد أطروحتها البالية، عبر المراهنة على مشاركة حزب بوديموس في الحكومة التي يرأسها الاشتراكي» بيدرو سانشيز».
وكانت الجبهة الانفصالية قد هللت لتغريدة على موقع « تويتر» نشرها زعيم حزب بوديموس «بابلو إخليسياس» والذي يشغل منصب النائب الثاني لرئيس الحكومة، يتحدث فيها عن قرار أممي يعود إلى سنة 1995 حول الاستفتاء بالصحراء، وهو ما أثار حفيظة باقي أعضاء الحكومة الإسبانية، حيث أكدوا أن «إيخليسياس» ليس من حقه التدخل في قضايا تتعلق بالسياسة الخارجية لإسبانيا، التي ترسمها رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية.
ومن أجل وضع النقط على الحروف، خصوصا في هذه المرحلة التي لا تحتمل اللبس، أعلنت وزيرة الخارجية الإسبانية أرانشا غونزاليس لايا، أن «موقف الحكومة الإسبانية بشأن قضية الصحراء واضح جدا، ولم يتغير في الساعات أو الأيام أو الأسابيع الأخيرة»، وشددت «غونزاليس لايا»، في تصريحات للصحافة في ختام أشغال اجتماع وزار خارجية الاتحاد الأوروبي، أن هذا الموقف يتحدد في «الدعم الكامل والمطلق « للأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» حتى يتمكن من «ضمان الحفاظ على وقف إطلاق النار» في الصحراء والدفع بـ «المفاوضات السياسية التي تسمح بالتوصل إلى حل سياسي متفاوض بشأنه عادل ودائم طبقا لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة»، وهو ما يؤكد أن الموقف الإسباني من هذا النزاع المفتعل، لا يتضمن أية إشارة إلى الاستفتاء الذي تجاوزته الأمم المتحدة في مختلف القرارات الصادرة عنها خلال السنين الأخيرة وآخرها قرار مجلس الأمن رقم 2548 الصادر نهاية أكتوبر الماضي، حيث أكدت رئيسة الدبلوماسية الإسبانية بهذا الخصوص أن موقف بلادها من هذا النزاع «حددته حصريا وبوضوح وزارة الشؤون الخارجية مع رئيس الحكومة المسؤولين المباشرين عن العلاقات الخارجية لبلدنا»، مشيرة أنها نقلت هذا الموقف بنفسها خلال «الاتصالات العديدة التي أجرتها في الأيام الأخيرة مع المغرب وموريتانيا والجزائر ومع الأمين العام للأمم المتحدة»
والحقيقة أن موقف «بابلو إيخليسياس» الذي راهنت عليه الجبهة الانفصالية، لا يعكس فقط مواقف اليسار المتطرف حبيس أطروحات قديمة تجاوزتها التطورات التي شهدها ويشهدها العالم في العقود الأخيرة، بل إنه يشكل تراجعا عن الاتفاق الحكومي الموقع بين حزبه، بوديموس، وبين الحزب الاشتراكي العمالي في مطلع يناير الماضي، من أجل تشكيل حكومة يقودها الاشتراكيون ويشارك فيها بوديموس، وهو الاتفاق الذي لم يتطرق إلى أي موضوع متعلق بنزاع الصحراء انسجاما مع الموقف الرسمي للجار الشمالي، سواء فيما يتعلق بأطروحة « تقرير المصير» وفق منظور الانفصاليين، أو الدفع بالاعتراف بالجمهورية الوهمية، أو منح الجنسية الإسبانية للمنحدرين من الصحراء.
مصادر إعلامية إسبانية، أكدت بهذا الخصوص أن الموقف الذي عبر عنه «إخليسياس»، أثار غضب باقي الوزراء الاشتراكيين في الحكومة، فهو من جهة يعارض القرارات الرسمية التي تتخذها الحكومة مجتمعة والتي تلزم جميع أعضائها، كما أنه يتدخل في قضايا تتعلق بالسياسية الخارجية التي ليست من اختصاصه، فهو وزير للحقوق الاجتماعية، بالإضافة إلى أنه يسعى إلى دغدغة مشاعر بعض التيارات المتطرفة التي انفضت عنه في الانتخابات الأخيرة، إذ فقد أزيد من مليون و300 ألف صوت في سبعة أشهر فقط، وانتقل عدد مقاعده بالبرلمان من 31 إلى 26 مقعدا.
وبخصوص هذه المسألة بالذات، جاء الرد القوي لوزيرة الدفاع «مارغاريتا روبلس»،التي طلبت من زعيم بوديموس أن يتحمل مسؤوليته كعضو في الحكومة، مضيفة أن « أيخليسياس ربما لا يدرك أنه يجب أن يتصرف كوزير بالنسبة لجميع الإسبان وليس فقط لناخبي حزب بوديموس، الذي يملك فقط الفريق الرابع من حيث أعداد النواب»
أمام هذه المواقف الحاسمة، انطلقت الأبواق الدعائية التابعة للانفصاليين والمتعاطفة معهم، وخصوصا الناطقة بالإسبانية، في شن حملة شرسة ضد الحكومة الإسبانية، متهمة إياها ب» الاستجابة لضغوط المغرب» تارة و» الرضوخ للابتزازات المغربية» تارة أخرى، بل وصل الأمر ببعض المواقع إلى استعمال عبارات بذيئة وغير أخلاقية، تعبر عن المستوى المتدني والرخيص لهذه المواقع والقيمين عليها، ويؤكد حالة العزلة والارتباك التي تعيش فيها والتي ازدادت مؤخرا منذ بعثت بمجموعة من عناصرها لقطع الطريق بمعبر الكركرات وما تلا ذلك من تدخل المغرب لفتح الطريق، وسط تأييد كبير لموقفه من مختلف بقاع العالم.