خرج الوزير المنتدب المكلف بالميزانية بتصريح خلال لقاء نظمه الاتحاد العام لمقاولات المغرب مؤخرا لتسليط الضوء على إشكالية تتعلق بغلاء أنواع معينة من الأدوية، التي تصرف للمواطنين بنسبة تفوق 300 في المئة مقارنة بأسعارها في كل من فرنسا وبلجيكا. التصريح الذي لا يعتبر بالأمر الجديد، الذي كشف عنه لقجع، سبق وأن أشارت إليه الاتحاد الاشتراكي في يوليوز سنة 2022، ويتعلق بخلاصة دراسة أجراها كل من الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي «كنوبس» وإدارة الجمارك، والتي بيّنت آنذاك بأن 321 دواء من أصل 4851 الأكثر استهلاكا من طرف مؤمّني الصندوق، وخاصة منها المستوردة من الخارج، تصرف في المغرب بأضعاف سعرها عما هو عليه الحال في فرنسا نموذجا، وذلك بمعدل يصل إلى ما بين 6 و 7 مرات، مما يضر بالقدرة الشرائية للمواطنين ويحدّ من ولوجهم إلى العلاج والصحة.
هذا المعطى القديم، بالنظر إلى أنه ظل لسنوات طويلة موضوع نقاش ومقارنات مع دول متعددة، وكذا محور مهام استطلاعية وتقارير نيابية وأخرى لهيئات الحكامة، والذي فتح موضوعه فوزي لقجع، بشكل يراه عدد من المتتبعين للشأن الصحي عامة والدوائي خاصة، بأنه كان محتشما، بما أن الأمر يتعلق بواقع مستمر، وبمؤسسات معلومة تقوم بهذا العمل إلى غاية اليوم، وتجني أرباحا خيالية مقارنة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي لأغلب شرائح المجتمع، وبهامش الربح الذي يحققه الصيادلة عن هذا النوع من الأدوية، التي تندرج ضمن الشطر الرابع، أي تلك التي تنطلق أسعارها من 2100 درهم فما فوق، والتي قد يصل ثمن الدواء الواحد ضمن قائمتها حتى 13 مليون سنتيم، يطرح أكثر من علامة استفهام بخصوص مسؤولية «الحكومة» في هذا الواقع الذي يستمر إلى غاية اليوم، وعن أسباب ترخيص مديرية الدواء بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية لاستيراد أدوية من هذا القبيل وبهذا الثمن الذي تباع به للمغاربة، والذي يختلف بشكل كبير عن المبلغ المصرح به لدى إدارة الجمارك، عوض التشجيع على التصنيع المحلي، بالنظر إلى أن القيمة المالية للأدوية المستوردة لا بناء على الحجم، والمحددة نسبتها في 20 في المئة مقارنة بما يتم تصنيعه في المغرب، ترتفع إلى مقدار النصف!
ولا يقف وجه الغرابة المتعلق بهذا الواقع المرير عند ما سبق، بل يزداد أكثر حين يتبين على أن كل من فرنسا وبلجيكا، هما دولتان ضمن مجموعة دول أخرى تقوم المصالح المختصة في المغرب «مديرية الدواء والصيدلة» بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، بتحديد أسعار الدواء الذي يصرف للمغاربة بناء على مقارنة معها، كما هو الحال بالنسبة لاسبانيا والبرتغال وتركيا والسعودية، وبالتالي من المفروض أن يكون سعر الدواء الموجه للمواطن المغربي يحتسب بناء على أقل سعر مقارنة بنظيره في هذه الدول، لا أن يباع بأضعافه ثلاث مرات أو أكثر؟ وبالتالي فالسكوت عن هذا الوضع طيلة هذه المدة، بعد صدور التقرير المذكور، وبعد أن شكل جزءا من موضوع تقرير لجنة موضوعاتية مؤقتة الخاصة بالأمن الصحي لمجلس المستشارين، تعتبر الحكومة الجهة الوحيدة المسؤولة عنه وعن استمرار تبعاته ووقعه، لا على المواطن، الذي يؤدي فارقا مهما من جيبه الخاص بالنظر لاستمرار العمل باتفاقية متقادمة للتعريفة المرجعية، ولا بالنسبة للصناديق الاجتماعية، لا مجرد الاكتفاء بتقديم تشخيصات يعلم الجميع تفاصيلها.
واقع ينتظر المغاربة اليوم، في ظل الورش الكبير للحماية الاجتماعية، أن يتم القطع معه، باعتماد الحكومة لتدابير وإجراءات صارمة لحماية حق المغاربة في الولوج للصحة، وبممارسة الوكالة الوطنية للأدوية ومنتجات الصحة لصلاحياتها الجديدة، وذلك بسن تدابير تحمي المواطن المغربي من كل الإكراهات ذات الطابع المادي التي تقف في وجهه للاستفادة من الخدمات الصحية وتضمن ولوجا عادلا فعليا للجميع للصحة.