بعد الإعلان الرسمي عن تنظيم معرض الكتاب بالرباط.. مجلس الدار البيضاء يخرج عن صمته، وفاعلون يعتبرون التنقيل «إعداما» لهوية المدينة الثقافية

خلف قرار الإعلان الرسمي عن تنظيم فعاليات الدورة 28 للمعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط، للمرة الثانية على التوالي، ردود فعل غاضبة بين الفاعلين الثقافيين والمهتمين بالشأن الثقافي، حيث اعتبر الناشط المدني والرئيس السابق لـ»منتدى المواطنة» عبد العالي مستور أن قرار نقل فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته 28، للسنة الثانية على التوالي، الى الرباط بدل الدار الببيضاء التي ترسخ فيها منذ 1987 بمثابة «إعدام لمعرض الدار البيضاء الدولي للكتاب» كمؤسسة ومنظومة ثقافية وطنية ودولية ، و بعد 36 سنة من تأسيسه وتطويره وترسخيه كمحطة مهمة في الخريطة والموسم السنوي الثقافي للنشر وللكتاب وطنيا ومغاربيا وعربيا وإفريقيا ومتوسطيا ودوليا .. ، وتعويضه بمجرد نشاط لعرض الكتب، تنظمه وزارة الثقافة كلما شاءت وأينما شاءت ..في بلد يعتبر الثقافة رافعة أساس في مشروعه المجتمعي ووحدته الوطنية واستراتجيته الإقليمية والقارية والدولية».!
وبعد أن نبهنا في الجريدة إلى ما كان يروج في الكواليس منذ أشهر عن عن عزم الوزارة نقل المعرض بشكل نهائي للرباط، ووجهنا أسئلتنا للقائمين على الشأن المحلي البيضاوي لإبداء موقفهم مما يجري، فإنه وللمرة الأولى وبعد صمت مريب السنة الماضية، خرج المجلس الجماعي لمدينة الدار البيضاء ليعبر عن موقفه مما يجري، ومن القرارات التي تتخذها الوزارة بشكل أحادي.
وفي هذا السياق، أعلن عبد اللطيف الناصري، نائب عمدة الدار البيضاء المفوض له قطاع الشؤون الثقافية والرياضية، في تصريح لجريدة «هسبريس « عن أسفه وخيبة أمله الكبيرة لإعلان الوزارة عن تنظيم نسخة 2023 من المعرض الدولي للكتاب والنشر خارج مدينة الدار البيضاء؛ «وذلك خلافا لما وعد به الوزير السنة الماضية، بعد ذكره أن تغيير المدينة مؤقت وأن التظاهرة ستعود سنة 2023 لمكان نشأتها وحاضنتها مدينة الدار البيضاء»، قبل أن يتراجع الوزير عن هذا التصريح في الندوة التي خصصت لتقديم برنامج الدورة السابقة، حيث أعلن بشكل صريح عن الدوافع الحقيقية التي تقف وراء القرار، مبررا الأمر بكون «مَعَارض الكتاب في العالم تقام في عواصم الدول»، وهو ما يؤكد أن كل المبررات التي قُدِّمت من قبل (تخصيص فضاء العرض بالدار البيضاء للمستشفى الميداني لضحايا كورونا) كان لمجرد ذر للرماد في العيون، وأن النية كانت مبيتة لاجتثاث المعرض من ترتبته وحاضنته الطبيعية التي ترعرع فيها ، وأصبح جزءا من تراثها الثقافي وهويتها.
وأضاف الناصري «لقد تقبلنا السنة الماضية قرار النقل الذي اتخذ بشكل أحادي، لكن الإصرار على توطين هذه التظاهرة وتغيير المدينة التي ارتبطت بها، أمر غير صائب ومسيء لمدينة الدار البيضاء بكافة فعالياتها ومجالسها ولساكنتها».
وفي رده على مبرر الدعم المالي الذي قدمه مجلس جهة الرباط للمعرض للدورة السابقة، والتزامه بتقديم الدعم سنويا ( 8 ملايين درهم، ومساهمة مجلس مدينة الرباط بمليون درهم ضمن كلفة إجمالية للمعرض تقدر بمليارين و400 مليون سنتيم)، أكد المسؤول الجماعي أن جماعة الدار البيضاء كانت تنتظر تنظيم التظاهرة الثقافية بها مجددا، إذ عملت ردا على مبرر عدم تخصيصها أي دعم لهذه التظاهرة، على تخصيص دعم مالي قدره 5 ملايين درهم للمعرض برسم سنة 2023، إلا أن الوزارة لم تتفاعل مع هذا العرض وتشبثت بموقفها بنقل المعرض الى فضاء OLM السويسي بالرباط ما بين 01 و11 يونيو المقبل.
وكان الناصري قد سبق ونشر ، منذ ثلاثة أيام، على حائطة الفايسبوكي رسالة وجهها الى وزير الثقافة المهدي بن سعيد، يذكره فيها بوعده بإرجاع معرض الكتاب إلى مدينة الدار البيضاء هذه السنة، جاء فيها:
«إن وعد الحر دين عليه ، ولقد تقبلنا السنة الماضية على مضض وتفهمنا مبررات نقل المعرض الدولي للنشر والكتاب من مدينة الدار البيضاء التي ارتبط بها إلى مدينة الرباط ، تقبلنا الأمر لاسيما أنكم صرحتم ووعدتم بأن نقل هذه التظاهرة أمر طارئ ومؤقت وبأن المعرض سيعود لمدينته التي عرف ونشأ وتطور بها وأصبح جزءا منها وأصبحت هي أحد مقومات نجاحه ، لقد قلتم السنة الماضية بأن جماعة الدار البيضاء لا تدعم المعرض ، ولقد خصصت الجماعة برسم سنة 2023 في ميزانيتها لأول مرة دعما ماليا له قدره 5 ملايين درهم من أجل إنجاح فعاليات المعرض في نسخته 28 ، ختاما السيد الوزير المحترم لقد شكل إعلان وزارتكم عن إستمرار تنظيم المعرض بمدينة الرباط خيبة أمل لدينا ولاشك للمدينة ولساكنتها ككل ، وإننا إذ نعبر لكم عن أسفنا الشديد نأمل في الآن نفسه بأن تستعيد مدينة الدار البيضاء شرف تنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب«.
إن إعلان النوايا أو الأسف، عندما يتعلق الأمر بهوية المدينة الثقافية وبإرث ثقافي ترسخ في الوجدان البيضاوي ليس كافيا ولا مطلوبا، بقدر ما يتطلب الأمر اتخاذ مواقف حازمة والترافع لدى الجهات المختصة ضد هذا القرار الذي لا يستند الى مبررات موضوعية، كما أنه سابقة في تاريخ المعارض الدولية للكتاب والتي لم يسبق أن غيرت فضاءاتها ومسقط رأسها.
من حق الرباط أن يكون لها معرضها الدولي، ومن حق الكتاب أن تتسع دائرة إشعاعه وتداوله في أكثر من مدينة، والوزارة عليها أن تتدبر أمر تنظيم معرض بالرباط ولن تعدم الإمكانيات بعد الكرم الحاتمي الذي أبداه مسؤولها الجهويون والجماعيون تجاه الثقافة، وهذا مصدر اعتزاز لنا جميعا، لكن أن يهرّب معرض تمتد جذوره في أرض الدار البيضاء لـ36 سنة فهذا ما لن يستسيغه أي متتبع حكيم، لأن فيه اعتداء على حق مدينة في احتضان معرضها الذي راكم 26 دورة في تاريخه، خاصة في ظرفية تشهد غياب أنشطة ثقافية رسمية بالمدينة، غياب تحاول ملأه الإطارات الثقافية الجادة التي لاتزال تقاوم وحدها في الساحة.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 26/01/2023