شهدت العاصمة العراقية بغداد الأحد عرضا عسكريا كبيرا احتفالا بـ»الانتصار العسكري» على تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلنه رئيس الوزراء حيدر العبادي السبت.
وفي ساحة نصب الجندي المجهول، في المنطقة الخضراء المشددة الحماية حيث المقار الرئيسية للوزارات والسفارات، خصوصا الأميركية والبريطانية، أقامت قطعات من مختلف صنوف القوات العراقية عرضا عسكريا في ظل المروحيات والطيران الحربي الذي كان يجول في السماء.
ورحب العبادي خلال العرض بعائلات «الشهداء» من القوات المسلحة الذين سقطوا خلال المعارك ضد الجهاديين.
وكان بين الحاضرين نسوة متشحات بالسواد مع أطفالهن، بعضهن يحمل صور أقرباء لهن قتلوا في المعارك.
وفي خطاب رسمي السبت، أعلن رئيس الوزراء العراقي من أمام مقر وزارة الدفاع في بغداد، أن المعركة المقبلة ستكون ضد الفساد المستشري في البلاد.
ويعد هذا «الانتصار» الأكبر الذي يشهده العراق منذ اجتياح العراق العام 2003.
وأعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء الأحد عطلة رسمية في البلاد.
وتتواصل الاحتفالات ، باستثناء إقليم كردستان الذي انتقد عدم ذكر العبادي لقوات البشمركة الكردية في خطابه.
من جهة ثانية، أوضح القائد العام للقوات المسلحة العراقية أنه «على الرغم من إعلان الانتصار النهائي، يجب أن نبقى على حذر واستعداد لمواجهة أية محاولة إرهابية تستهدف شعب نا وبلدنا. فالإرهاب عدو دائم والمعركة معه مستمرة».
ورغم فشل التنظيم المتطرف في إبقاء «دولة الخلافة» وإقامة «أرض التمكين»، يشير التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة إلى أن ثلاثة آلاف من عناصره في العراق وسوريا لم يلقوا السلاح بعد.
رغم إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الأحد «انتهاء الحرب» ضد تنظيم الدولة الإسلامية في البلاد، يبقى هذا «النصر الكبير» هشا في حال لم يتم القضاء على الأسباب التي أدت إلى بروزه، وفق ما يشير خبراء.
وقد خاض العراق معركة عنيفة ضد الجهاديين الذين هددوا وجوده في العام 2014، لكن النجاح العسكري لا يعد كافيا.
يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى معهد «إيريس» للشؤون الدولية والإستراتيجية في باريس كريم بيطار لوكالة فرانس برس «لا يزال يتعين القيام بالكثير لتجفيف المصادر التي أتاحت بروز تنظيم الدولة الإسلامية. حرموا من الظهور وهزموا عسكريا، لكن المنبع الذي خرجوا منه لا يزال خصبا».
ويعتبر بيطار أنه يجب «أولا تعزيز قوة السلطات المركزية مع اتباع سياسات شاملة لا تهمش أي طائفة». ويضيف انه بعد ذلك «سيكون من الضروري معالجة مشاكل إعادة الإعمار، والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ومحاربة الفساد، وضمان التوزيع العادل للإيرادات النفطية، بالطبع من دون نسيان استئناف المفاوضات مع حكومة إقليم كردستان».
وتعتبر هذه المسائل حاسمة للعراق، الذي لم يعرف إلا الحرب منذ نحو اربعين عاما، من الحرب مع إيران (1980-1988) إلى غزو الكويت وتبعاته (1990-1991) مرورا بالحصار الدولي والغزو الأميركي للبلاد (2003-2011)، وصولا إلى الحرب الأهلية وبعدها دخول تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال العبادي السبت أن المعركة المقبلة لحكومته، ستكون معركة ضد الفساد، والتي ستكون «امتدادا طبيعيا لعمليات تحرير الإنسان والأرض»، بحسب قوله.
ويبدو العراق اليوم في حالة ضعف بانتظار يد العون التي تساعده على النهوض مجددا.
ومن المرتقب أن يعقد اجتماع للمانحين في فبراير المقبل في الكويت، بهدف تقديم المساعدة لإعادة إعمار البلد، في عملية تقدر كلفتها بمئة مليار دولار.
ويشير الخبير في الشؤون العراقية والأستاذ في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف محمد ولد محمدو إلى أن «حل مشكلة تنظيم الدولة الإسلامية ليس عسكريا فحسب».
يقول ولد محمدو أن «مسألة تنظيم الدولة الإسلامية لن تختفي، والجانب العسكرى بعيد من النهاية. في نزاعات مماثلة الأعمال العدائية تبقى قائمة لفترة طويلة على مستوى يتطلب التزاما كبيرا».
وقد دحر الجهاديون من غالبية البلاد لكنهم انسحبوا إلى الصحراء، وما زالوا يملكون خلايا في بعض المدن، بحسب ما أظهرت الهجمات الأخيرة.
لذا يلفت ولد محمدو إلى أنه «يضاف إلى ذلك ان عملية إعادة الإعمار ستكون في هذه الحالة، اجتماعية أكثر منها مسألة بنى تحتية».
بالنسبة إلى كريم بيطار «طالما أن المشاكل الأساسية لم تحل والشعور بالاضطهاد والإذلال مستمر لدى بعض العراقيين السنة، فإن خطر تحول أو تمرد جديد للحركة الجهادية ليس مستبعدا».
ويضيف أن «الحروب الإقليمية بالوكالة وضعف الحكومات المركزية، لن تسمح في هذه المرحلة بقلب صفحة التطرف المسلح نهائيا».
ويتابع ان «العراق شهد عنفا خلال سنوات من الدكتاتورية الشرسة ثم الغزو الأميركي الكارثي وبعدها وحشية داعش، وحوصر بجميع الصراعات الإقليمية. لقد تم تهميش المجتمع المدني والمعتدلين لفترة طويلة، وكانت اليد العليا للأصوات الأكثر تطرفا».
يرى بيطار أن «ما يسمى بالنظام التأسيسي الذي وضعه الأميركيون بعد العام 2003، قد عمد إلى تعميق خطوط الصدع، ما يعني أن التوازن السياسي للسلطة أصبح الآن منحرفا تماما بالانتماءات الطائفية والمواجهة الإيرانية السعودية».
بالنسبة للسنة، فقد وصلوا إلى السلطة منذ أيام العثمانيين واحتفظوا بها بعد الاستقلال العام 1932، لكنهم خسروها لصالح الشيعة في أعقاب الغزو الأميركي في العام 2003. وبعيد ذلك، أزيح السنة من جميع المناصب القيادية تحت عنوان «إزاحة رموز النظام السابق»، ما خلق إحباطا كبيرا.
وحتى الآن «لا يزال الإيرانيون والطائفة الشيعية العراقية في موقع قوة، مع السيطرة على المفاصل الرئيسية للدولة. لكن السعوديين يمكن أن يكونوا أكثر نشاطا في الأشهر المقبلة، لأنهم يسعون إلى وقف النفوذ الإيراني على المستوى الإقليمي»، وفق بيطار.
الملف الآخر الذي سيكون محط جدل كبير، هو مستقبل قوات الحشد الشعبي التي تضم فصائل غالبيتها شيعية، وتأسست في العام 2014 بدعوة من آية الله العظمى السيد علي السيستاني، أكبر مرجع شيعي في البلاد لمواجهة تقدم تنظيم الدولة الإسلامية.
ويقدر عدد مقاتلي الحشد الشعبي بحسب البرلمان العراقي ب110 آلاف، بينما يتراوح بحسب خبراء، بين ستين الفا و140 ألفا.
يقول ولد محمدو إن «هذا الكيان الحكومي شبه العسكري نما إلى حد أنه حل تقريبا محل الجيش العراقي النظامي، وقواته الخاصة الأخرى».
ويحذر من أن «حل الحشد سيكون صعبا على الدولة العراقية، واستمرار جهات فاعلة مماثلة في المجتمع العراقي، هو جزء من استمرارية العنف وانعدام قدرة الدولة على الاستمرار».
وفي هذا الإطار، يرى ناشر مجلة «إنسايد إيراكي بوليتيكس» الإلكترونية كيرك سويل «إذا كان داعش أكثر إثارة للقلق بالنسبة للعالم، فبالنسبة للعراقيين المجموعات التي قد تتحول إلى مافيا محلية تسعى وراء المال تعتبر أكثر خطورة».
لكن بيطار يؤكد أن «مستقبل الحشد (الشعبي) سيعتمد على التوازن الدبلوماسي الدقيق الذي سيتعين على العراقيين إيجاده في سياق الحرب الباردة الإيرانية السعودية».
الحرب قد تستمر بأوجه أخرى
ولا يزال التنظيم المتطرف قادرا على أن ي سيل الدماء وي لحق الأذى بالعراقيين، بحسب ما يقول خبراء وعسكريون.
بعد فشله في الإبقاء على أسس «دولة الخلافة» وخسارته حلم إقامة «أرض التمكين» بعد سيطرته على نحو ثلث مساحة البلاد في العام 2014، يشير التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية ما زال يملك ثلاثة آلاف جهادي في العراق وسوريا لم يلقوا السلاح بعد. يشارك بعض القادة العسكريين الذين يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية الأميركيين هذه الفرضية، رغم وقوفهم في المعسكر المعارض لهم.
وفي هذا الصدد، يقول الرجل الثاني في قيادة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس إن «تنظيم داعش انهزم عسكريا في البلاد، لكن ذلك لا يعني القضاء عليه».
ويضيف القيادي المقرب من إيران «هم موجودون في مناطق أخرى، كمجاميع تختفي بين الأهالي والقرى، هم يغيرون أساليبهم».
في أعقاب هجومه الواسع في العام 2014، احتل تنظيم الدولة الإسلامية مساحة مقاربة لمساحة إيطاليا بين سوريا والعراق، حيث كان يعيش نحو 4,5 ملايين نسمة.
أما اليوم، فهو يعود للمربع الأول، مربع الاختباء.
ويؤكد المهندس أن «ما نشهده من حضور أمني في مدننا الرئيسية، هو بسبب العمليات العسكرية، لكن لا يمكن تحقيق الأمن إلا بمسك الحدود مع سوريا بشكل كامل».
وأعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي السبت سيطرة قواته «بشكل كامل» على الحدود السورية العراقية، مؤكدا «انتهاء الحرب» ضد تنظيم الدولة الإسلامية في البلاد.
يؤكد المتحدث باسم التحالف الدولي الكولونيل راين ديلون أيضا أن «داعش هزم عسكريا، لكنه لم يهزم بشكل كامل، فهو ما زال يشكل خطرا على العراق».
يتوقع الضابط الأميركي عودة الجهاديين إلى «جذورهم الإرهابية من خلال شن هجمات دامية ضد المدنيين العزل، على غرار ما جرى في الناصرية والرمادي، وأمكنة أخرى خلال الأسابيع الماضية».
وتشكل المناطق الصحراوية والزراعية في غرب كركوك وشرق صلاح الدين والصحراء الغربية ملاذات أمنية بسبب الأنفاق التي حفرها التنظيم وجغرافية الأرض وتضاريسها التي تجعل ملاحقتهم مهمة صعبة.
وفي هذا السياق، يوضح الخبير الأمني هشام الهاشمي لوكالة فرانس برس أن «تنظيم داعش لا يزال موجودا في مناطق جنوب نهر الفرات التي تعرف بمنطقة الوديان، ووادي حوران ووادي القدف ووادي الأبيض.ومناطق حوض الثرثار غرب صلاح الدين. ومناطق حوض شرق دجلة وجبال حمرين ومنطقة مطيبيجة».
ويعد وادي حوران الممتد من الحدود السورية مرورا بصحراء الأنبار على امتداد 300 كليومتر وبعمق يصل أحيانا إلى مئتي متر، أبرز المواقع الطبيعية التي يستخدمها الجهاديون مخابىء لهم.
يشير الخبير الأمني فاضل أبو رغيف لفرانس برس إلى أنه «حينما ينتهي تنظيم داعش ويفقد ما يسميه بأرض التمكين، يلجأ إلى مشهده الأول، وهو الصحاري والجزر التي تضم بعض المخابىء والمغارات والأقبية والكهوف (…) وهي أماكن تتلاءم مع طبيعة هذا التنظيم الذي برز منها إبان تشكيله».
لكن تحركات التنظيم وخلاياه النائمة لا تزال قادرة على أن تضرب وتقتل. آخر تلك الهجمات كان ذاك الذي نفذه ثلاثة انتحاريين يرتدون أحزمة ناسفة في منطقة النهروان، ما أسفر عن مقتل تسعة مدنيين وإصابة العشرات.
ويواصل التحالف الدولي الذي يضم أكثر من سبعين دولة بقيادة واشنطن تنفيذ ضربات على مواقع للتنظيم قرب بيجي والموصل شمالا.
يرى الهاشمي أن «معارك الصحراء صعبة جدا لانها تضم وديان بعمق أكثر من 12 مترا وبطول مئات الكليومترات، والدواعش قاموا بحفر مخابىء تحت الأرض لا يمكن رصدها بالطائرات».
ويشير إلى أن «كل وحدة عسكرية تحتاج خبير خرائط قبل دخول الصحراء، وإلا فإن أي قوة تدخل إلى العمق تفقد طريقها، كون التضاريس متشابهة».
ولم تدخل أي قوة عسكرية عراقية أو أميركية تلك الصحراء التي استخدمها تنظيم القاعدة مقرا لانطلاق عملياته قبل تنظيم الدولة الاسلامية، منذ العام 2003.
وإلى جانب المناطق الصحراوية في المناطق الغربية، تشكل سلسلة جبال حمرين التي تشطر البلاد إلى قسمين مرورا في ديالى وصلاح الدين وكركوك، مخبأ مهما للجهاديين.
وبحسب أبو رغيف، فرغم النجاحات التي حققتها القوات العراقية في تلك المناطق، لا يمكن تأمينها بشكل كامل رغم توفر التقنيات.
ويرى أن «داعش قد يعود إلى الواجهة مجددا، لكن ليس بالكثافة التي كان عليها إبان تشكيله. قد يعود إلى أسلوب الاغتيالات وتفجير العبوات».
المحطات الرئيسية لتنظيم داعش
في ما يأتي المحطات الاساسية لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق بعد اعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي سيطرة قواته «بشكل كامل» على الحدود السورية العراقية، مؤكدا «انتهاء الحرب» ضد الجهاديين.
الا ان جبهة النصرة رفضت زعامة البغدادي وبايعت تنظيم القاعدة.
واستفاد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام من دعم ضباط عراقيين سابقين من عهد صدام حسين، ومن مجموعات سلفية وعدد من العشائر، وكان يسيطر منذ يناير 2014 على الفلوجة ومناطق من محافظة الانبار في غرب العراق المجاورة لمحافظة نينوى.
في التاسع والعشرين من يونيو، اعلن تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام الخلافة بقيادة البغدادي إقامة «الخلافة» على الاراضي التي يسيطر عليها في العراق وسوريا، وغي ر اسمه الى «الدولة الاسلامية».
في الحادي والثلاثين من مارس 2015، استعادت القوات العراقية مدينة تكريت في شمال بغداد من تنظيم الدولة الاسلامية. وشاركت قوات الحشد الشعبي المدعومة من ايران في الهجوم، في حين شاركت الولايات المتحدة ايضا عبر التحالف الدولي في عمليات القصف الجوي.
في الثالث عشر من نوفمبر، استعادت القوات الكردية مدعومة بقوات التحالف الدولي مدينة سنجار في شمال العراق.
في الحادي عشر من مايو 2016 ، فجر تنظيم الدولة الاسلامية ثلاث سيارات مفخخة ادت الى مقتل أكثر من تسعين شخصا في بغداد. وفي الثالث من يوليو 2016، قتل اكثر من 320 شخصا في تفجير انتحاري داخل حي ذات غالبية شيعية في بغداد. وتبنى تنظيم الدولة الاسلامية مسؤولية هذا الاعتداء.
في السابع عشر من اكتوبر 2016، شنت القوات العراقية مدعومة من طيران التحالف الدولي هجوما لاستعادة مدينة الموصل.
وفي الحادي والثلاثين من غشت، أعلن العراق استعادة هذه المدينة وكامل محافظة نينوى، في ما شكل انتصارا اساسيا ضد التنظيم الجهادي.