هل تكسب المستشارة الالمانية انغيلا ميركل اقتراع الاحد؟ فمن حماسة التضامن عام 2015 الى تنامي اليمين المناهض للهجرة، تمكنت المانيا بالتاكيد من استيعاب عدد قياسي من اللاجئين بلا مشاكل كبيرة، لكن مجتمعها لازال منقسما بشأن هذه المسالة.
وبعد رفعها شعار “سنتمكن من ذلك” قبل عامين، للتعبئة وفتح ابواب المانيا لاكثر من مليون مهاجر، اضطرت ميركل لتعديل الموقف لكن دون
التخلي عن سياستها.
وستكون انتخابات الأحد أيضا اختبارا لموقف
الرأي العام من المسالة.
وفي 2015 جابت العالم صور الالمان وهم يتدفقون بكثافة لاستقبال اللاجئين في محطات القطارات. والكثير منهم كان فخورا بأنه يجسد “ثقافة الاستقبال” مثبتين أن بلادهم تصنع التاريخ.
ويقول معتز غانم “لم اعتبر تصريح ميركل حقيقة +ننجزها على الفور+ بل أكثر باعتباره هدفا يتحقق من خلال العمل معا لاجئين والمان”.
وكان هذا الطالب السوري (27 عاما) دخل بشكل غير شرعي ايطاليا. وبعد ثلاثة اشهر حظي بوضع لاجىء وسيكون بامكانه متابعة دروسه في برلين.
وسهلت جامعة “كيرون اوبن هاير اديوكيشن” الافتراضية اندماجه. وتساعد هذه الجامعة اللاجئين على إبراز كفاءاتهم.
وهذا المشروع مثل إحدى المبادرات لتكريس شعار ميركل. والمسار الناجح لمعتز غانم جعله يحظى باستضافة من ميركل لنقاش تقييم لحصيلة عامين من سياسة الهجرة.
لكن الامور ليست كلها ايجابية، فهناك الان نحو 200 الف طالب لجوء عثروا على عمل لكن بالنسبة للباقين الامر مختلف.
كما ان قدوم هؤلاء المهاجرين ولد بين الالمان نوعا من التوجس وولد غضبا لدى المتطرفين بينهم.
وتم حرق مئات من مراكز ايواء المهاجرين ونظمت العديد من التظاهرات ضدهم من اليمين المتطرف خصوصا في مناطق ما كان يعرف بالمانيا الشرقية.
واسهمت التعديات الجنسية عشية راس السنة في 2016 بكولونيا التي نسبت لمهاجرين من شمال افريقيا وسلسلة الاعتداءات الجهادية التي ارتكبها طالبو لجوء، في تغذية مشاعر القلق.
وبعد توقعات في وسائل الاعلام الالمانية بان نجم ميركل افل بسبب الانتقادات التي تعرضت اليها حتى داخل حزبها المحافظ، كذبت المستشارة كل تلك التوقعات.
وهي تخوض انتخابات الاحد بحظوظ وافرة جدا لنيل ولاية رابعة رغم ان استطلاعات الراي تتوقع تراجع حزبها مقارنة بانتخابات 2013. وتراجع عدد المهاجرين القادمين إلى ألمانيا كثيرا اثر غلق “طريق البلقان” والاتفاق الأوروبي التركي لوقف المهاجرين في الأراضي التركية.
ورغم تلويح اليمين القومي بملف الهجرة، فان الملف لم يعد في قلب اهتمامات الراي العام ولا يمثل موضوعا محرجا في مواجهة ابرز منافسيها الاشتراكي الديموقراطي مارتن شولتز الذي دعم حزبه ايضا الانفتاح على اللاجئين في اطار حكومة الائتلاف.
وازاء الانتقادات شددت ميركل سياستها خصوصا مع تسهيل عمليات طرد مهاجرين غير شرعيين او صدرت بحقهم احكام قضائية.
ومع وعدها بعدم تكرر الوصول المكثف للمهاجرين لعام 2015، فان ميركل تؤكد ان قرارها حينها كان “مبررا” بسبب الوضع الإنساني أو رفض سلطات المجر قبول اللاجئين
ويأخذ عليها خصومها أنها غذت تنامي حزب “البديل من اجل ألمانيا” الذي تشير الاستطلاعات الى انه سيحصل على 10 بالمئة على الاقل من الاصوات وسيدخل على الارجح مجلس النواب.
وجعل هذا الحزب ميركل هدفه الأساسي في حملته. ويردد ناشطوه في كل تجمع لهم تقريبا شعار “ارحلي”.
وفي نهاية المطاف هل نجحت ألمانيا؟ وترد الإذاعة العامة “انها مسالة وجهة نظر، ولن نعرف بالتأكيد الجواب الا حين تغادر انغيلا ميركل المستشارية”.
ورقة مساومة
و يضع اللاجؤون في المانيا أيديهم على قلوبهم وهم يترقبون نتائج الانتخابات التشريعية المقررة في 24 شتنبر 2017 ، بعد ان تحولت قضية الهجرة واللجوء الى ورقة مساومة لدى الأحزاب المتنافسة.
فبعد عامين على استقبال ألمانيا لأكبر موجة من المهاجرين فاق عددهم المليون والنصف، خفتت شعلة الترحيب بهم وباتت جملة ميركل الشهيرة ” سننجح في إتمام المهمة ” محط تساؤل وارتياب في خضم حملة انتخابية كشفت عن التهديد بالترحيل الذي أصبح يحدق باللاجئين وتزايد الاصوات المعارضة للم شمل أسر لاجئين (التجمع العائلي) لاسيما بالنسبة للسوريين الذين تقطعت بهم السبل وتشتت أسرهم.
وبالرغم من تمسك ميركل في تصريحات بموقفها تجاه القرارات التي اتخذتها بفتح الحدود الألمانية أمام آلاف اللاجئين العالقين في شتنبر 2015، واصفة تلك القرارات بأنها “سليمة للغاية”، فان الحكومة اتجهت الى تشديد قواعد طلب اللجوء لدوافع سياسية واعتبارات انتخابية تروم قطع الطريق على الاحزاب اليمينية المتطرفة التي تزايدت شعبيتها خلال العامين الاخيرين.
وتأتي عملية الترحيل الأخيرة لثمانية أفغان من ولايات ألمانية لتعكس تذبذب مواقف الاحزاب اتجاه قضية اللجوء وتثير جدلا في الاوساط السياسية على اعتبار انها ترتبط بحسابات انتخابية وتتغاضى عن الجوانب الانسانية بالنظر الى الاوضاع الامنية غير المستقرة في افغانستان.
وكانت الحكومة قد علقت في فاتح يونيو 2017 بشكل مؤقت ترحيل اللاجئين الأفغان إلى بلادهم بعد الهجوم الإرهابي الكبير الذي وقع في كابول.
ودافع وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير عن عملية الترحيل قائلا ان الافغان المرحلين ارتكبوا “جرائم جنائية كبيرة”.
وأشار الى أنه من المقرر إصدار تقرير جديد عن الأوضاع الأمنية في أفغانستان الخريف المقبل، مؤكدا أن الحكومة الألمانية ستظل حتى ذلك الحين متمسكة بسياستها الحالية في ترحيل اللاجئين المرفوضة طلباتهم.
وأظهرت إحصائيات ارتفاع عدد طلبات اللجوء المرفوضة خلال الشهور الخمسة الأوائل لعام 2017 حيث تم رفض 107 آلاف طلب لجوء، بينها 32 ألف طلب مقدمة من أفغان. وفي 2016 رفض مكتب الهجرة واللاجئين نحو 260 ألف طلب لجوء.
ويثير موضوع اللجوء انقساما داخل التحالف المسيحي الحاكم حيث تؤكد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تمسكها بموقفها بشأن عدم اعتماد حد أقصى لأعداد اللاجئين في ألمانيا في حالة فوزها في الانتخابات ، في حين يطالب حليفها ، الحزب المسيحي الاجتماعي بولاية بافاريا، ألا يزيد عدد اللاجئين الذين تأويهم ألمانيا عن 200 ألف لاجئ جديد سنويا .
وكان هورست زيهوفر، رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي في ولاية بافاريا، قد صرح مؤخرا “نحن مع اعتماد حد أقصى وسنمثله بكل قوة، قبل الانتخابات وبعدها”.
وطفت على السطح خلال الحملة الانتخابية قضية لم شمل أسر اللاجئين بعد ان طالب وزراء وسياسيون بارزون بتمديد إيقاف لم الشمل، الذي سينتهي في مارس المقبل.
وكانت الحكومة الألمانية قد علقت لم الشمل العائلات الحاصلة على “الحماية الثانوية” الى غاية مارس 2018 ، لتفادي إثقال كاهل البلديات مجددا في رعاية اللاجئين على حد قولها.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه المستشارة الالمانية انغيلا ميركل في خضم الحملة الانتخابية أنها لا تعتزم اتخاذ أي قرار بشأن هذه المسألة هذا العام ، مشيرة الى ان الأولوية الآن للحائزين على صفة حماية كاملة، ألمح هورست زيهوفر، شريكها في الائتلاف الحاكم الحزب المسيحي الاجتماعي أنه سيتم منع لم شمل عائلات الحاصلين على “الحماية الثانوية” بشكل دائم في حال فوز التحالف المسيحي بالانتخابات.
ويعتبر اللاجئون السوريون أكثر المتأثرين بايقاف لم الشمل لأنهم كانوا الشريحة الكبرى من طالبي اللجوء في عامي 2015 و2016.
ويرفض معظم الألمان مسألة لم شمل العائلات حسب ما أظهرته دراسة حديثة أجرتها وكالة أنباء” إينسا” بتكليف من صحيفة “بيلد تسايتونغ” حيث عبر حوالي 53 بالمائة من الألمان الذين شاركوا في هذه الدراسة عن معارضتهم للم شمل العائلات بموجب القانون، بينما عبر 41.7 بالمئة عن موافقتهم.
كما تشكل قضية اللجوء ورقة رابحة في يد حزب “البديل من أجل ألمانيا” الذي من المتوقع أن يفوز بمقاعد في البرلمان الألماني للمرة الأولى خلال الانتخابات المقبلة، في الوقت الذي أضحى الأمن الهاجس الاساسي للناخب الالماني بعد الاعتداءات التي شهدتها مدن فورتسبورغ وأنسباخ و برلين.
وقد أظهرت دراسة ألمانية حديثة أن خوف الألمان من الإرهاب لايزال يحتل المركز الأول في ترتيب المخاوف الألمانية.
وصرح 71 في المئة من نحو 2400 شخص شملهم استطلاع في إطار الدراسة، أنهم يشعرون أنهم مهددون من قبل الإرهاب أي بتراجع نقطتين عن الرقم القياسي الذي بلغه هذا الخوف عام 2016.
ويرفض حزب البديل في برنامجه الانتخابي أي شكل من أشكال لم الشمل بالنسبة للاجئين، ويريد فقط “السماح بالهجرة المؤهلة حسب الحاجة”. وبالإضافة الى مطالبته بنسبة ثابتة لترحيل اللاجئين والمهاجرين غير الشرعين.
ويرى الحزب أنه من الضروري “تقليص نسبة الهجرة بحوالي 200 ألف شخص سنويا، على مدى عدة سنوات. وفي حال رفض بلدان المنشأ استقبال مواطنيها، فيجب أن ت م ار س عليها ضغوطات عبر وقف المساعدات التنموية، على سبيل المثال.
ويظل اللاجؤون الحلقة الاضعف في مسلسل انتخابي يمارس عليهم ضغوطا نفسية كبيرة ويرهن انشغالاتهم واهتماماتهم في حسابات انتخابية تتغاضى عن الحقوق الانسانية وتتبنى خيار الترحيل عوض الاندماج.
الديموقراطيون الاحرار وإصلاح الاتحاد الأوروبي
قبل اسبوع على الانتخابات الالمانية يبدو حزب الديموقراطيين الاحرار الذي مني بهزيمة مدوية في انتخابات 2013 مرشحا للعودة الى البرلمان حيث يمكنه ان يجعل برلين شريكا أكثر إحراجا لشركائها الاوروبيين.
في حال تمكن هذا الحزب من استعادة دوره التاريخي كشريك أصغر في ائتلاف المستشارة الالمانية انغيلا ميركل من المسيحي الديموقراطي والمسيحي الاجتماعي (وسط-يمين)، سيحمل معه معارضته القوية لزيادة التحويلات المالية بين دول الاتحاد الاوروبي.
وقد تؤدي هذه المعارضة من برلين الى تقويض الزخم المتزايد لاصلاح التكتل.
والمخاطر عالية في سباق انتخابي يبدو فيه الفائز مؤكدا فيما تتوجه الانظار الى أربعة احزاب اصغر، ستحصل بحسب استطلاعات الرأي على 10 بالمئة من الأصوات.
ومع تقدم حزب ميركل بفارق كبير في استطلاعات الرأي، لكن دون الحصول على أغلبية مطلقة على الارجح، فإن المستشارة ستكون بحاجة الى شريك من أحد الاحزاب الاصغر، اذا لم تكن تريد مواصلة “ائتلافها الكبير” الخالي من الود مع الاشتراكيين الديموقراطيين(وسط يسار).
لكن ميركل استبعدت العمل مع حزب “البديل لألمانيا” المعادي للهجرة أو مع “دي لينكه” اليساري المتشدد، مما يخلي ساحة المعركة امام الديموقراطيين الاحرار والخضر للفوز المحتمل بشراكة الائتلاف.
وتقول نيكولا بير، الامينة العامة لحزب الديموقراطيين الاحرار، ان الهدف واضح “السؤال الحاسم في هذه الانتخابات هو أي حزب سيكون ثالث أكبر الاحزاب”.
وقد تركت المستشارة الحذرة خياراتها مفتوحة، والمحت الى كل من الديموقراطي الحر المؤيد للشركات والخضر اليساري التوجه، في احتمال ان يكون لهما معقد في المشاورات الحكومية بعد الانتخابات المقررة في 24 سبتمبر.
واذا ما انضم الديموقراطي الحر الى حكومة للمسيحيين الديموقراطيين، فإن إصلاح منطقة اليورو “سيحكم عليه بالفشل” بحسب الخبير الاقتصادي كريستيان اودندال من مركز الاصلاح الاوروبي، مضيفا ان ذلك سيكون “أكثر الائتلافات خطورة على اليورو”.
يؤيد الديموقراطي الحر، أكثر من اي حزب آخر، سياسة اقتصادية تقليدية لألمانيا تضع قواعد واضحة قائمة على السوق وتطبيقها بحذافيرها مهما كلف الامر.
وعلى المستوى الاوروبي ي ترجم ذلك برفض لاي خطط لميزانية مشتركة لمنطقة اليورو تخفف من تأثير أزمات اقتصادية، أو أن يقوم صندوق النقد الدولي بتقديم قروض طارئة.
ويتبادل المسؤولون الفرنسيون والالمان تلك الافكار منذ انتخاب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مايو الذي اعاد الثقة في مستقبل الاتحاد الاوروبي بين نخب القارة.
وقال زعيم الديموقراطيين الاحرار كريستيان ليندنر في تجمع حزبي الاحد “اذا كانت فكرة تخصيص ميزانية خاصة لمنطقة اليورو من أموال المانيا كي تذهب الى دول اوروبية أخرى فإننا لن نساهم في تحقيق ذلك”.
واضاف “إن اتحادا من تحويلات كتلك لن يقوي أوروبا”.
وينتقد الديموقراطيون الاحرار بشكل خاص صفقات الانقاذ التي سمحت ببقاء اليونان في منطقة اليورو رغم ديونها الهائلة.
ويؤيد برنامجهم الحزبي “إجراءات إفلاس للدول في منطقة اليورو” يمكن ان تؤدي الى خروج دول من منطقة العملة الموحدة.
ويقر كبار مسؤولي الديموقراطي الحر أن من بين حالات الخروج عن أسس الحزب، فإن أول فصول صفقات انقاذ اليونان كتبت عندما كان الحزب شريكا في ائتلاف ميركل الحكومي بين 2009 و2013.
وأكد “لن نرتكب هذا الخطأ مجددا”.
وقد لا يتوقف التغيير في المواقف عند علاقات ألمانيا بجيرانها المباشرين في ائتلاف “أسود-أصفر” وهي العبارة التي تطلق على ائتلاف المسيحيين الديموقراطيين-الديموقراطيين الاحرار نسبة الى الوان الاحزاب السياسية في المانيا.
فقد سمعت أصوات تدعو الى تقارب مع روسيا بين الاطياف السياسية خلال الحملات الانتخابية.
وشهدت فترة الاستعدادات للانتخابات انتقادات شديدة للمستشار السابق غيرهارد شرودر لقبوله منصبا في مجلس ادارة شركة الطاقة الروسية روسنفت.
لكن علاقات برلين-موسكو قد تتحسن اذا ما تم تعيين ليندنر، زعيم الديموقراطيين الاحرار وزيرا للخارجية، وهو بالامر العادي للشريك الاصغر في الائتلاف.
وبشكل مثير للجدل، اقترح ليندنر ان يقبل الاتحاد الاوروبي “مؤقتا” ضم روسيا للقرم من اوكرانيا والغاء العقوبات الاقتصادية عنها.
ويصر معظم السياسيين التقليديين، ومنهم ميركل، أن على موسكو الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق باتفاقات مينسك التي تم التوصل اليها بين فرنسا والمانيا وروسيا وأوكرانيا، قبل رفع العقوبات.
في الوقت الحاضر، تبدو مواجهات كتلك مستبعدة مستقبلا بالنسبة لليندنر وفريقه.
وهم يراهنون على صور الزعيم الوسيم، وبرنامج للسياسة الداخلية مثقل بتدابير صديقة للشركات ومفاوضات شاقة حول الهجرة واللاجئين، من شأنها أن تدفعهم في مقدمة الاحزاب الاخرى الطامحة بالمرتبة الثالثة.
ويتساءل ليندنر في احد فيديوهات الحزب “كيف تبني بلدا اذا بدأت من الصفر؟”.
وفي سياسة ألمانيا الخارجية والاوروبية، فإن الجواب قد يخرج في وقت أقرب مما يتمناه حلفاء ان يكون الاسبوع المقبل.