بعد عام على اندلاع الحرب في أوكرانيا

احتمال نهاية قريبة للمواجهات يتضاءل، اقتصاد عالمي يعاني ومخاوف من حرب نووية تتصاعد

 

بعد سنة على اندلاعها، لا يزال الغموض كاملا حول كيفية التوصل إلى نهاية للحرب الروسية الأوكرانية، في الوقت الذي تشير مختلف المؤشرات إلى استمرارها.
وأمام هذه الأوضاع تزداد التوقعات تشاؤما، فشبح الحرب النووية أطل مجددا للمرة الأولى منذ سنة 1962، فيما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية، لدرجة أن مجموعة من العلماء قالوا في يناير الماضي، إن ساعة نهاية العالم باتت على بعد 90 ثانية قبل منتصف الليل، لتقترب من الساعة التي يأمل العلماء ألا تدرك أبدا.
وخلال هذه السنة، بدا أن الاقتصاد العالمي هو أبرز ضحايا هذه الحرب، بعد التكلفة البشرية، فقد دفعت إلى إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية العالمية بعد أن زعزعت أساسيات الاقتصاد في أغلب دول العالم، وسط أزمات تتصاعد في الأمن الغذائي
وأمن الطاقة.

الحرب الخاطفة تحولت إلى حرب طويلة الأمد

لم يكن الغزو الروسي لأوكرانيا «حربا خاطفة» كما أرادها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. بعد سنة على اندلاعها، لا يزال الغموض كاملا حول كيفية التوصل الى نهاية لها، ففي الوقت الحالي، يتوقع الخبراء استمرارها.
ويقول الباحث جون ألترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي إن الحرب «لا تظهر بالتأكيد أي علامة على أنها على وشك الانتهاء».
ويضيف «لدى كل جانب شعور بأن الفترة مؤاتية له وأن إلقاء السلاح الآن سيكون خطأ».
على الجانب الروسي، قد يشن الجيش الذي سجل بعض النجاحات مؤخرا في دونباس، هجوما كبيرا خلال فصل الربيع. بينما في المعسكر الأوكراني، لا تزال الرغبة قائمة في استعادة الأراضي المحتلة، مع استمرار الدعم من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
ولا تعتقد ليانا فيكس، الخبيرة في مجلس العلاقات الخارجية، وهي مؤسسة فكرية أميركية، بأنه سيكون هناك انتصار لروسيا ولا «نصر كامل» لأوكرانيا هذا العام.
وتؤكد أنه قد تكون لدى روسيا القدرة على حشد أعداد كبيرة من الجنود الجدد، لكن سيتعين عليها تدريبهم وإطعامهم وتزويدهم بالمعدات – وهي أمور فشل الجيش الروسي «في تحقيقها حتى الآن»، مشيرة إلى أن العدد ليس ما سيحدث الفرق بقدر النوعية.
وتتوقع أن يحرز الجيش الأوكراني «بعض التقدم»، لكنها تشكك في «انتصاره التام»، لأن الرئيس الروسي لن يقبل أبدا بالهزيمة.
وستكون نوعية الأسلحة التي سيتم تسليمها إلى كييف أيضا عاملا حاسما في المعركة.
ويعتقد ديميتري مينيك، الباحث في قسم روسيا في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن المعدات مثل القذائف البعيدة المدى يمكن أن «تسمح للجيش الأوكراني بكسر هذه الحلقة من الهجوم والهجوم المضاد والدفاع، وإضعاف القدرة الروسية على التجد د وتحقيق نصر حاسم».
كما أنه يعتقد أن هناك إمكانية لتحقيق نصر «استراتيجي» لكييف من خلال «النجاح في اختراق القوات الروسية والفصل بين وحداتها في زابوريجيا».
ومع ذلك، حتى لو تمكنت أوكرانيا من تركيع الجيش الروسي وتقدمت قواتها من خيرسون (جنوب)، فإن موسكو لن تعترف بالهزيمة، كما يعتقد الخبير.
علاوة على ذلك، فهو لا يستبعد بشكل كامل إرهاق القوات المسلحة الأوكرانية وصعوبة حصولها على الأسلحة المختلفة.
ويتابع ديمتري مينيك «سيبذل كل جهد ممكن، بما في ذلك تعبئة إلى ما لا نهاية وإفقار كل المجتمع الروسي إذا لزم الأمر، للحفاظ على الأراضي المحتلة ومواصلة هذا الغزو».
هذا يقود جينس ألترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي إلى الاعتقاد بأنه «من السابق لأوانه» القول كيف ستبدو نهاية هذه الحرب التي شهدت العديد من التطورات غير المتوقعة.
وأضاف «أستطيع أن أتخيل روسيا ترهق بقية العالم وتعزز تقدمها» أو تشكيل حكومة انتقالية في موسكو تنهي الحرب، أو حتى إقامة «نوع من أنواع الهدنة».
ومع ذلك، بالنسبة إلى ليانا فيكس من مجلس العلاقات الخارجية، وهي مؤسسة فكرية أميركية، فإن «السيناريو الأكثر ترجيحا» هو استمرار المعارك المركزة. وقد تصبح أوكرانيا بعد ذلك «إسرائيل جديدة ولكن بدون أسلحة نووية».
في هذا السيناريو، قد لا يتغير التوازن العام للنزاع أو سيتغير قليلا، وستظل روسيا تسيطر على شبه جزيرة القرم (جنوب) على وجه الخصوص، التي ضمتها عام 2014، كما ستواصل أوكرانيا المقاومة.

شبح حرب نووية يخيم على الأجواء

في أعقاب غزوه أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضع «قوات الردع» النووية في جيشه في حالة تأهب. وردت واشنطن بالقول إن هذا الإعلان «خطر» و»غير مسؤول» وتصعيد «غير مقبول» محذرة موسكو من «عواقب كارثية» قد تنجم عنه.
إلا أن موسكو عادت لتكرر هذه التهديدات مثيرة قلق العالم الذي لم يستبعد إمكان اللجوء إلى هذا السلاح.
وحذر الرئيس الأميركي جو بايدن في أكتوبر من أن البشرية تواجه للمرة الأولى منذ أزمة الصواريخ الكوبية العام 1962، خطر نهاية العالم.
وقالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هاينز «لم يسبق أن حصل إعلان رسمي من جانب روسيا يتضمن تهديدا نوويا منذ ستينات القرن الماضي».
سعى المسؤولون الروس بعد ذلك إلى توضيح تصريحاتهم بقولهم إنهم لن يستخدموا أسلحة نووية إلا للاتقاء من «تهديد وجودي» ولم يحددوا في هذا الإطار إن كان هجوم على أربع مناطق أوكرانية ضمتها موسكو في سبتمبر الماضي ينضوي ضمن هذا الخطر.
مع أنه لم تبدر مؤشرات إلى تعبئة نووية روسية، قالت مجموعة علماء في يناير في مجلة «بولتن أوف ذي آتوميك ساينتيستس» إن ساعة نهاية العالم باتت على بعد 90 ثانية قبل منتصف الليل لتقترب من الساعة التي يأمل العلماء ألا تدرك أبدا.
وأشار هؤلاء العلماء إلى أن «التهديدات شبه المبطنة لروسيا حول استخدام أسلحة نووية تذكر العالم بأن تصعيدا في النزاع بطريقة عرضية أو متعمدة أو عن طريق الخطأ، يشكل خطرا رهيبا. احتمال أن يخرج النزاع عن أي سيطرة يبقى مرتفعا».
هذا الوضع لا ينجم فقط عن اجتياح روسيا لأوكرانيا بل يعود أيضا إلى تعطل أو زوال معاهدات تحد من الأسلحة الاستراتيجية التي ساهمت خصوصا في تهدئة التوترات إبان الحرب الباردة.
فمعاهدة ABM المبرمة العام 1972 لحظر الصواريخ المضادة للأسلحة الباليستية والتي شكلت حجر الأساس في التوازن النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لم تجدد منذ 2002.
وخلال السنة المنصرمة تعرضت معاهدة نيو ستارت لخفض الأسلحة الاستراتيجية المبرمة في 2011 بين الولايات المتحدة وروسيا لاختبار قاس إذ اتهمت واشنطن مجددا موسكو بعدم احترامها.

الاقتصاد العالمي
أبرز الضحايا

مع استمرار الحرب في أوكرانيا، يبدو أن الاقتصاد العالمي هو أبرز الضحايا لها، بالطبع بخلاف التكلفة البشرية والمادية للمواجهات الدائرة في تلك الدولة.
«بينما يظل الموقف الراهن على درجة كبيرة من التقلب فإن العواقب الاقتصادية ستكون بالغة الخطورة»، هكذا تنبأ صندوق النقد الدولي تأثيرات حرب أوكرانيا على الاقتصاد العالمي مع بداية العملية العسكرية، قبل أن تؤكد صدقية فرضياته الأرقام بعد 8 شهور.
دفعت الحرب الأوكرانية الروسية العالم إلى إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية العالمية إذ زعزعت الحرب أساسات الاقتصاد في أغلب دول العالم، وسط أزمات تتصاعد في الأمن الغذائي وأمن الطاقة.
وحول تكلفة تأثير حرب أوكرانيا على الاقتصاد العالمي، قالت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، وهي منظمة حكومية تضم 38 دولة، وتعتبر تجمعا للاقتصادات المتقدمة مقرها باريس: «تكلفة تأثير الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي تقدر بحوالي 2.8 تريليون دولار بنهاية العام المقبل.الرقم قد يكون أكبر من ذلك إذا أدى الشتاء القارس إلى تقنين الطاقة في أوروبا، مما يعني خفضا أكثر في الإنتاج.»
وأضافت أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تسببت في ارتفاع أسعار الطاقة، مما أضعف إنفاق الأسر وقوض ثقة الأعمال التجارية، وفاقم خلل سلاسل التوريد، وتسبب في نقص الغذاء والضروريات الأخرى، وهز الأسواق في جميع أنحاء العالم.
و تخشى الحكومات الغربية من أن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالتعبئة الجزئية واستعدادات موسكو لضم مساحات شاسعة من أوكرانيا عبر استفتاءات، يمكن أن يطيل الصراع لأشهر عدة وربما سنوات مما يزيد من حالة عدم اليقين التي تلقي بثقلها على الاقتصاد العالمي.
كما أن الأسعار قد تزداد، إذا واجهت أوروبا نقصا في الطاقة خلال الشتاء المقبل، مع توقعات بطقس أكثر برودة. بالإضافة إلى أن.استهلاك الطاقة سيحتاج إلى الخفض بنسبة تتراوح بين 10 و15 في المائة مقارنة بالسنوات الأخيرة.
وتضيف المنظمة أن الارتفاع الحاد للأسعار يهدد عددا متزايدا من الشركات التي اضطر بعضها لخفض أنشطته، كما أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي سينمو بنسبة 2,2% في مقابل 2,8% بالتوقعات السابقة في يونيو، رغم أنها أبقت على توقعاتها للنمو لهذا العام عند نسبة 3% بعدما خفّضتها بشكل واضح في الأشهر الأخيرة.

مبادرة الصين لإنهاء النزاع، هل تنزع فتيل الأزمة ؟

دعت الحكومة الصينية في وثيقة من 12 نقطة نشرت الجمعة، موسكو وكييف إلى استئناف الحوار وعبرت عن رفضها للجوء إلى السلاح النووي بأي حال.
وقالت وزارة الخارجية الصينية في وثيقة بعنوان «موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية» إنه «ينبغي على جميع الأطراف دعم روسيا وأوكرانيا للتحرك في الاتجاه نفسه واستئناف الحوار المباشر بينهما في أسرع وقت ممكن».
ونشرت الوثيقة صباح الجمعة على الموقع الالكتروني لوزارة الخارجية الصينية بمناسبة مرور عام على الغزو الروسي في أوكرانيا في 24 فبراير 2022.
وتسعى الصين منذ أسابيع إلى لعب دور الوسيط في النزاع الأوكراني ووعدت قبل أيام بنشر موقفها بهدف التوصل إلى حل سياسي.
وفي الوثيقة التي نشرت الجمعة، تعبر بكين عن موقف واضح ضد أي استخدام للسلاح النووي بينما لوح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا بذلك.
وورد في الوثيقة أنه «ينبغي عدم استخدام الأسلحة النووية، وينبغي عدم خوض حروب نووية. ينبغي الوقوف ضد التهديد بالسلاح الذري أو اللجوء إليه».
كما دعت الوثيقة البلدين إلى تجنب أي هجوم على المدنيين أو المنشآت المدنية. وقالت «ينبغي على أطراف النزاع الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي وتجنب مهاجمة مدنيين أو منشآت مدنية».
وفي تصريحات لشبكة «سي إن إن»، قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك ساليفان إن الوثيقة «كان من الممكن أن تتوقف عند النقطة الأولى، احترام سيادة جميع الدول».
وأضاف ساليفان أن «الحرب قد تنتهي غدا إذا أوقفت روسيا مهاجمة أوكرانيا وسحبت قواتها»، مشيرا إلى أن «أوكرانيا لم تهاجم روسيا وحلف شمال الأطلسي لم يهاجم روسيا والولايات المتحدة لم تهاجم روسيا».
وتشكل هذه الحرب قضية حساسة لبكين بسبب علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية القوية مع موسكو منذ سنوات، التي تعززها المصلحة المشتركة المتمثلة في تحقيق توازن واشنطن.
وكانت الصين قد أكدت الثلاثاء أنها «قلقة جدا» من النزاع الذي «يتفاقم بل ويخرج عن السيطرة».
وتدعو الصين المحايدة رسميا، إلى احترام سيادة الدول بما في ذلك أوكرانيا لكنها تحث المجتمع الدولي في الوقت نفسه على مراعاة المخاوف الأمنية لموسكو.
لكن الضغط الغربي يتزايد على بكين التي لم تدعم الهجوم الروسي ولم تنتقده علنا وعبرت مرارا عن دعمها لموسكو في مواجهة العقوبات الغربية.
في الأيام الأخيرة، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنه يخشى أن تكون الصين تفكر في إمداد روسيا بالأسلحة، وهي معلومات نفتها بكين بشكل قاطع.
وزار أرفع مسؤول في الدبلوماسية الصينية وانغ يي مدير مكتب اللجنة المركزية للشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني، الأربعاء موسكو حيث التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والرئيس بوتين.
وفي ختام هذه الزيارة، قالت موسكو إن وانغ عرض نهج الصين من أجل «حل سياسي» للنزاع.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس إنه يريد مناقشة هذه الوثيقة الخاصة بموقف الصين مع بكين، معتبرا مشاركة هذا الشريك الوثيق لموسكو «إيجابية».
وأضاف زيلينسكي «نود عقد اجتماع مع الصين. هذا في مصلحة أوكرانيا اليوم»، معتبرا أن «الصين بدأت الحديث عن أوكرانيا وإرسال بعض الإشارات، وهذه نقطة إيجابية جدا».


الكاتب : إعداد : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 25/02/2023