هل أبانت البدائل، التي وُفرت لساكنة المنطقة بعد إغلاق معبر باب سبتة السليبة، عن محدوديتها وفشلها ؟
الضباب وانعدام الرؤية وهدوء البحر عوامل ساهمت في عملية اقتحام سبتة المحتلة عبر سواحل الفنيدق
الباحث خالد درواشي: الوضع يحتاج إلى هندسة جديدة للعرض التنموي بالمنطقة قوامها الشراكة، السرعة في التنفيذ وتنزيل البرامج
أحداث ساخنة عرفتها منطقة الفنيدق والنواحي، خلال الأيام القليلة الماضية، حينما قام حوالي 400 شخص جلهم شبان وشابات بمحاولة التسلل إلى سبتة السليبة عبر سواحل الفنيدق المحاذية للثغر المحتل، في مشهد مؤلم ورهيب، لاسيما وأن من بين هؤلاء هناك العشرات من القاصرات والقاصرين الذين كانوا يرغبون في الوصول إلى الضفة الأخرى سباحة رغم خطوة الوضع والموقف، مستغلين الأحوال الجوية التي خيمت على المنطقة من ضباب كثيف وانعدام الرؤية وهدوء البحر .
وذكرت مصادر من داخل سبتة المحتلة أن السلطات الإسبانية والمغربية تدخلت في الوقت المناسب واستطاعت أن تنقذ العديد من الأشخاص من الغرق في حين وصل عدد مهم من الأشخاص إلى سبتة المحتلة قبل أن تتم إعادتهم وتسليمهم للسلطات المغربية. واعتبرت ذات المصادر أن أزمة الهجرة لسبتة المحتلة تتفاقم مع مرور الوقت حيث يلجأ مئات من الأشخاص إلى العبور إلى الأراضي الإسبانية عبر سبتة السليبة في ظروف خطيرة للغاية، وأن المهاجرين يختارون القفز إلى البحر في مجموعات كبيرة تصل إلى أكثر من 300 شخص لتضليل السلطات المغربية والإسبانية مستفيدين من الضباب وانعدام الرؤية .
هاته الواقعة أعادت إلى أذهان المراقبين والمهتمين أحداث ماي 2021، حين قام العديد من الشبان بمحاولة اقتحام مدينة سبتة المحتلة سباحة، في ظل التوتر الذي كان يخيم على العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا، وكذا الوضع الاقتصادي المتردي الذي كانت تعيشه ساكنة المنطقة بعد إغلاق معبر باب سبتة في وجه التهريب المعيشي، مما دفع بهؤلاء الشباب إلى محاولة التسلل بحرا عبر سواحل الفنيدق، سعيا لتحقيق حلمهم والخروج من دائرة البطالة والفقر، ورغم المحاولات التي قامت بها الدولة بتوفير بدائل تساهم في تقليص نسبة البطالة وتحسين الوضع الاجتماعي لسكان المنطقة إلا أنها لم تكن كافية لاستيعاب الشباب العاطل عن العمل، وأن قراءة المسؤولين لواقع التنمية بهذه المنطقة لم تكن، على ما يبدو، دقيقة وشاملة ومستدامة…
هذا واهتمت الصحافة الإسبانية، بشكل كبير، بأحداث محاولات مئات من الشباب والقاصرين الدخول سباحة إلى مدينة سبتة المحتلة، وسط جدل سياسي كبير، بين من يرى أن الأمر طبيعي، وأنه مرتبط بظروف خاصة تتمثل في كثافة الضباب وسهولة التسلل، وبين من يتهم المغرب بالوقوف خلف ما يحدث ردا على زيارة وزيرة الدفاع الإسبانية للجزر الجعفرية.
قلة قليلة روجت للسيناريو الأخير، وغالبيتها مرتبطة بجهات معادية للمغرب. بالمقابل أكدت تحليلات وتصريحات صحفية، سواء على صحف إسبانية أوقنواتها الرسمية، الدور المغربي الكبير في محاربة الهجرة السرية، وحماية الحدود الجنوبية لأوروبا، بدءا بالثغرين المحتلين سبتة ومليلية، وباقي السواحل التي ينطلق منها هؤلاء .
بعض الصحف الصادرة بسبتة المحتلة رأت أن الوضع لا يشكل خطرا على المهاجرين فحسب، بل يولد أيضا ضغطا إضافيا على السلطات الأمنية بالمغرب وإسبانيا، وأن عواقب هاته الأزمة لا تقتصر على سبتة السليبة وحدها بل يجب معالجة الوضع انطلاقا من عدة زوايا وبسرعة وفعالية، لأن مسألة الحدود البحرية أصبحت مثيرة للقلق، مما قد يؤدي إلى زيادة في تدفق المهاجرين عبر سبتة المحتلة التي تظل في نظرهم نقطة عبور رئيسية إلى الضفة الأخرى .
ويرى خالد درواشي، باحث في التنمية المستدامة، أن محاولات الهجرة الأخيرة من سواحل الفنيدق إلى سبتة كشفت عن براديغمات جديدة مؤثرة في عملية العبور إلى الضفة الأخرى لدى الشباب المغربي، ولعل أولها الحضور الرقمي المتزايد سواء في توثيق المحاولات أو التحدث عنها إيجابا أو سلبا، مما تحول معه الحدث إلى «تراند» يتصدر المشهد على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي محليا ووطنيا.
التكنولوجيا الرقمية تحولت إذن إلى أسلحة فتاكة في مواجهة افتراضية مفتوحة بين تيار جارف مدافع عن الهجرة بأي ثمن وبأية طريقة، يتصدر هدا التيار فئات شابة وأحيانا أطفال قاصرون من المنطقة وآخرون من خارجها، ومن جهة أخرى تيار آخر متعقل رزين يدعو إلى إيقاف النزيف وعدم الارتماء بين أمواج بحر يتحول يوميا إلى مقبرة للعديد منهم.
تتعدد الأسباب المتسببة في قرارات الهجرة بين ظروف اجتماعية قاهرة وإحباط نفسي وتفكك أسري، لكن كل هذه الأسباب يجب ألا تظل سدا منيعا أمام جميع المتدخلين والمسؤولين لمحاولة توفير إجابات عملية واقعية تستجيب لانتظارات الفئات الشابة وفي مقدمتها توفير المزيد من فرص التشغيل والإدماج الاقتصادي.
وأضاف المتحدث نفسه، في اتصال مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، أنه بعودة سريعة إلى مختلف تصريحات الشباب المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فإنها تلتقي في محاور ذات طابع اجتماعي اقتصادي صرف، مما يضع الجميع أمام مسؤوليات الإنصات والتفاعل إيجابيا وعقلانيا مع هذه الفئة، التي تخضع لموجة تأثر شديدة بالنموذج الأوربي في مستوى الحياة، حيث صورة رغد العيش المزيفة بالضفة الأخرى تنتقل بسرعة وتكتسح القلوب قبل العقول.
وختم تصريحه بكون هذه المعضلة التي يختلط فيها النفسي بالاجتماعي بالاقتصادي، تحتاج إلى هندسة جديدة للعرض التنموي بالمنطقة قوامها الشراكة ،السرعة في التنفيذ وتنزيل البرامج، والابتعاد ما أمكن عن منطق الإجراءات والدخول في برامج بمخططات للإقلاع التنموي تراعي خصوصيات المنطقة، مخططات واضحة الأهداف على المستوى القريب والمتوسط مع استعمال التكنولوجيا الرقمية عبر محتويات تحسيسية هادفة تحدد مخاطر الهجرة بتلك الطرق الأقرب للانتحارية منها لشيء آخر.