صفق الجميع عندما اختار المدبرون للشأن المحلي البيضاوي إطلاق اسم الفنانة الكبيرة المرحومة ثورية جبران، على المعلمة التاريخية كنيسة ” القلب المقدس “، فحجم المعلمة لن يناسبه سوى اسم كبير من أعلام المغرب والذين من بينهم، فنانة الشعب ثورية التي سكنت قلوب المغاربة من خلال ما قدمته في عالم الفن، خاصة فوق خشبة المسرح، وكذا ما قدمته وهي وزيرة للثقافة للفن والفنانين.. إلى حدود هذا الخبر كان كل شيء على ما يرام واعتبر المتتبعون أن المسؤولين عن تدبير مدينتهم أرادوا فعلا من خلال هذه المبادرة أن يبعثوا رسالة، مفادها أنهم مهتمون بأعلامنا الفنية ومن خلالهم بالعمل الإبداعي ككل، لكن إطلالة على تفاصيل كيفية وشروط استغلال هذه التحفة المعمارية من أجل العرض الإبداعي، إثر عملية إعادة تأهيلها بعد طول إغلاق، تضع المتتبع أمام الصدمة والمفاجأة ..
فقد دونت المحاضر المقدمة للمصادقة داخل مجلس مدينة الدارالبيضاء خلال دورتها الأخيرة برسم شهر ماي، بأن المعلمة المتحدث عنها ستسمى “دار الفنون” وستنتفي عنها صفة الكتدرائية، وبأن على من أراد عرض إبداعاته أو أن يستغلها لنشاط من أنشطته، عليه أن يدفع ما قيمته 60 ألف درهم للعرض الواحد، وبأن هذه السومة خاصة بأيام الأسبوع العادية، أي من الاثنين إلى الخميس، أما من أراد أن يعرض في نهاية الأسبوع، أي من الجمعة إلى الأحد، فعليه أن يدفع مقابلا يصل إلى 100 ألف درهم، ولن يستفيد من خصم 20 في المئة إلا إذا كان سيستغلها لثلاثة أيام متتابعة، هذا بالنسبة لفضائها الداخلي ، أي وسط أسوار الكنيسة، أما من أراد كراء ساحتها الأمامية، أي في المدخل الخارجي المؤدي إلى البناية، فعليه أن يهيئ شيكا بما قيمته 30 ألف درهم في الأيام العادية، أي من الاثنين إلى الخميس، أما انطلاقا من الجمعة إلى غاية الأحد، فعليه أن يستبدل الشيك الأول بآخر يحمل ما قيمته 50 ألف درهم، سيحن القلم المدون لهذه الأرقام، إلى حد ما، عندما سيحدد سعر استغلال حديقة الكاتدرائية طيلة الأسبوع في سعر 15 ألف درهم.
تتقرر هذه الأرقام المالية في مدينة تفتقد لمسرح في المستوى المطلوب لعروض كبرى، خاصة وأن المسرح الكبير لم يفتتح بعد، وفي الوقت الذي تنتشر بها مسارح ودور للثقافة لا تستجيب لشروط المعايير المعمول بها في العروض الكبرى، والتي بدورها لا تمنح للفنان بالمجان بل عليه أن يؤدي في مقابل استغلالها ما قيمته 5000 درهم، فهل هكذا نشجع الفن ونوسع قاعدته ؟ وهل لنا قاعدة جمهور دائمة ستتحمل تكاليف ما سيعرض بهذا الفضاء، لأنه يبدو أن أقل تذكرة لحضور عرض من العروض لن تنزل عن 500 درهم في أحسن الأحوال ، بذلك يظهر بأن معظم العارضين لن يكونوا إلا المؤسسات العمومية أو بعض المؤسسات الخاصة، التي لن يكون هدفها الربح .
الأخبار القادمة من مجلس مدينة الدارالبيضاء، تقول إن سبب وضع هذه السومة هو الضائقة المالية التي تعيشها الخزينة المالية الجماعية، ويصبو المسؤولون في الجماعة بتلك التسعيرات ، إلى بلوغ مداخيل بقيمة 7 ملايير و200 مليون سنتيم في السنة، وهو مردود جبائي حسب اعتقادهم سيخفف من شح المداخيل المخيمة على مالية الجماعة، عذر لم يستند إلى أي دراسة شاملة من شأنها أن توفر عروضا في المتناول حتى لا تشح العملية الإبداعية، وفي نفس الوقت توفر موارد مالية للمدينة، بل ركزت فقط على الربحية المالية، وهو أمر لا يستقيم لأن العديد من المبدعين لن تكون لهم أي فرصة في استغلال الفضاء وتقديم ما بجعبتهم، أو سيكونون تحت رحمة مؤسسة من المؤسسات للمرور عبرها لإتاحة الفرصة لمنتوجهم الفني ..
كانت كنيسة القلب المقدس قد أغلقت لمدة ثمان سنوات، بغية الترميم وإعادة التأهيل لتتحول إلى مركز ثقافي متعدد الاختصاصات، وتكلفت بهذه الأشغال شركة التنمية المحلية ” الدارالبيضاء للتراث “، التي وقعت بدورها اتفاقية مع مدينة أمستردام لتحقيق هذا الغرض، وبلغت تكلفة المشروع حوالي 25 مليون درهم تندرج ضمنها الدراسات والأشغال .
وكانت الكاتدرائية قد شيدت في ثلاثينيات القرن الماضي، وتعد من أبرز الكنائس المتبقية من عهد الحماية، وقد اعتبرت تحفة معمارية إذ يتميز بناؤها بطابع أوروبي حيث بنيت وفق الأسلوب النيو قوطي، وعلى مر السنين حافظت على جماليتها وظلت نقطة جذب للسياح من مختلف الأقطار والديانات، بحكم موقعها المهم في قلب مركز العاصمة الاقتصادية.
بفرض رسوم ثقيلة على العارضين .. إفساد فرحة إطلاق اسم ثريا جبران على كاتدرائية «القلب المقدس»
الكاتب : العربي رياض
بتاريخ : 22/05/2024