كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي قبل أيام عن بعض من الأسباب التي تعترض ولوج فئات عريضة من المغاربة للصحة، مدليا بأرقام وإحصائيات تعزز ما ورد في تقريره، وتبين الحاجة الملحّة إلى ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة على رأسها مراجعة اتفاقية التعريفة المرجعية الوطنية الموقعة في 2006، والتي يتبين إلى غاية اليوم، بعيدا عن بعض التصريحات و الشعارات المرفوعة، غياب إرادة فعلية للقيام بإجراءات عملية من أجل مراجعتها، علما بأن الأمر يتعلق باتفاقية على أساسها يتم احتساب المصاريف المسترجعة الخاصة بكل ملف مرضي، مما يجعل الكثير من المؤمّنين، الذين يقدّر عددهم بالملايين، يتحملون نسبة كبيرة من النفقات العلاجية التي قد تصل إلى نسبتها إلى حدّ 60 في المئة من مصاريف كل ملف.
وضعية غير سليمة عاشها المتضررون لسنوات طويلة منذ 2006 إلى اليوم، ولا تزال تبعاتها الصحية والمادية تمتد في زمن ورش الحماية الاجتماعية، أخذا بعين الاعتبار أن الاتفاقية المعتمدة في احتساب المصاريف العلاجية تتضمن نصا صريحا يقضي بمراجعتها كل ثلاث سنوات، مع استحضار المتغيرات المعيشية الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن لاشيء تغير، بل أنه حتى الاتفاقية الجديدة التي تم توقيعها بشكل غير كامل في يناير 2020، ظلت حبيسة الأوراق والرفوف ولم تجد طريقها إلى التنزيل والتفعيل، هذا في الوقت الذي يرتفع فيه الحديث عن تجويد العرض الصحي واتخاذ ما يلزم في هذا الإطار استعدادا لحدث تنظيم مونديال 2030.
اتفاقية متقادمة، تجعل المريض يسترد مصاريف تحتسب على أساس أن تعريفة فحص الطبيب العام لا تتجاوز 80 درهما، وفحص الطبيب المختص 150 درهما، دون احتساب السقف المحدد للخدمات الصحية الأخرى المختلفة، من قبيل قضاء ليلة واحدة في مصلحة إنعاش وغيرها من التدخلات الطبية الأخرى، مما يجعل المواطن مضطرا لتحمّل الفارق من جيبه وتسديد المستحقات المادية للعلاج كاملة وانتظار “التعويض” الذي قد يجعله أمام واقع يتمثل في كونه تحمل نصف ما تم إنفاقه أو أكثر، خلافا لما توصي به منظمة الصحة العالمية والخبراء في هذا المجال في عدد من الدول، الذين يشددون على ضرورة ألا تتجاوز قيمة ما يتحمله المريض 20 في المئة من مجموع مصاريف الولوج إلى الصحة!
معاناة تستمر فصولها، تحول دون الولوج إلى التشخيص المبكر ودون اعتماد نمط صحي وقائي سليم، يقوم على الفحوصات المنتظمة لتحديد كل عارض صحي في بدايته وبالتالي علاجه مبكرا، مع ما يعني ذلك من تعافٍ مبكر وكلفة متدنية، وهو ما يؤدي إلى تدهور الوضع الصحي للكثيرين بسبب تدني القدرة الشرائية التي تحول دون استمرار عرض أنفسهم على الطبيب، هذا الأخير الذي يتلقى أتعابه كاملة باعتماد الواقع الفعلي لا بالرجوع إلى ما حددته اتفاقية 2006، وبالتالي يكون المتضرر الأول والأخير هو المؤمّن الذي يتم تعويضه ماديا تعويضا يفتقد للعدالة، سواء تعلق الأمر بالفحوصات أو باحتساب السعر الأدنى للدواء الجنيس وإن تضمنت الوصفة المسلمة له دواء أصليا.
هذا الواقع المعتل، نبّهت إليه عدد من التنظيمات المهنية الصحية، كما هو الحال بالنسبة للتجمع النقابي الوطني للأطباء الأخصائيين وباقي التنظيمات الأخرى الموقعة على اتفاقية التعريفة المرجعية، ويتعلق الأمر بالنقابة الوطنية لأطباء القطع الحر والنقابة الوطنية للطب العام والجمعية الوطنية للمصحات الخاصة، التي حذرت من تداعياته مرات عديدة، داعية الجهات المختصة من وزارة وصية على القطاع ووكالة وطنية للتأمين الصحي وصناديق اجتماعية وعموم المتدخلين إلى الجلوس إلى طاولة حوار يفضي النقاش الجاد فيها إلى اعتماد تدابير تخفف من العبء المادي على المواطنين وتضمن لهم ولوجا سلسا وعادلا إلى حقهم الدستوري في الصحة، بعيدا عن كل القيود التي قد تعترضهم، خاصة منها المادية.