بقايا عظمية تكشف طريقة صناعة الملابس في المغرب قبل 120 ألف عام

درس الباحثون بقايا فقارية من رواسب يعود تاريخها إلى ما بين 120 ألفًا إلى 90 ألف سنة

 

يُعد اختراع الملابس وتطوير الأدوات اللازمة لصناعتها معالمَ بارزة في قصة الإنسانية؛ إذ إنها لا تشير فقط إلى خطوات واسعة في التطور الثقافي والمعرفي، بل يعتقد علماء الآثار أيضًا أنها كانت ضروريةً في تمكين البشر الأوائل من الانتشار من أفريقيا البليستوسينية إلى بيئات جديدة ومواجهة تحدياتها.
ومع ذلك، فإننا ما زلنا نفتقر إلى معرفة أصل صناعة الملابس والمواد المستخدمة في صناعتها؛ نظرًا إلى أنه من غير المحتمل حفظ الفراء والمواد العضوية الأخرى المستخدمة في صناعة الملابس في السجل الأثري.
لكن دراسة حديثة أجراها باحثون من «معهد الأصول البشرية» في جامعة ولاية أريزونا و»معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري»، ونشرتها دورية «آي ساينس» (iScience)، اليوم «الخميس»، 16 سبتمبر، أظهرت أن نشأة الملابس ترجع إلى أكثر من 120 ألف عام.
تشير إميلي هاليت -المتخصصة في علم الآثار، والباحث الرئيسى للدراسة- إلى أنها كانت تدرس بقايا الفقاريات من رواسب كهف «المهربين» في المغرب، التي يعود تاريخها إلى ما بين 120 ألفًا إلى 90 ألف سنة مضت؛ لاهتمامها بإعادة بناء النظام الغذائي والموطن المناسب للأشخاص الذين استخدموا هذا الكهف.
وفي أثناء الدراسة، عثر الباحثون على حوالي 12 ألف قطعة عظمية تم فحصها، كما عثر الباحثون أيضًا على أكثر من 60 عظمةً حيوانية، تم تشكيلها من قِبل البشر لاستخدامها كأدوات.
تقول «هاليت»: وجدت نمطًا من علامات القطع على عظام الحيوانات آكلة اللحوم، مما يشير إلى أنه بدلًا من معالجتها من أجل اللحوم، فإن مَن كانوا يقيمون في كهف «المهربين» كانوا يسلخون تلك الحيوانات بحثًا عن الفراء، وبمقارنة الأدوات التي تم العثور عليها بالأدوات الأخرى في السجل الأثري، وجدنا أن لها الأشكال والعلامات نفسها المستخدمة كأدوات عمل الجلود التي وصفها باحثون آخرون.
تضيف «هاليت» في تصريحات لـ»للعلم»: لا أستطيع أن أقول على وجه اليقين إن هذه الأدوات العظمية وآكلات اللحوم ذات الجلد كانت تُستخدم في الملابس، لكن الدراسات الجينية تشير إلى أن أصل صناعة الملابس في إفريقيا يرجع إلى ما لا يقل عن 170 ألف عام، ويمكن استخدام أدوات العظام هذه في تحضير الجلود لأغراض أخرى غير الملابس، مثل استخدامها في عمليات التخزين.
وتتابع: تمكنَّا من جمع الأدلة التى تشير إلى أن البشر كانوا يستخدمون أدوات العظام لتحضير الجلود والفراء التي كانت تُستخدم على الأرجح في الملابس، ومع ذلك، هناك العديد من الاستخدامات المحتملة الأخرى للجلد لا يمكنهم استبعادها، وبالنسبة للفراء، فإنني أثق بصورة أكبر بأنه تم استخدامه لصناعة الملابس و/أو الزخارف الشخصية، وأعتقد أيضًا أنه من المعقول أن نفترض أن إنسان نياندرتال الأوروبي كان يصنع الملابس من جلود الحيوانات قبل 120 ألف عام، لكننا حتى الآن لم نعثر على قاسم مشترك بين الجلود والفراء.
توضح الدراسة أن الجمع بين عظام الحيوانات آكلة اللحوم وعلامات الجلد وأدوات العظام التي يُرجح استخدامها في معالجة الفراء يقدم دليلًا موحيًا للغاية عن الملابس الأقدم في السجل الأثري، وأنه من المحتمل أن تكون هذه الأدوات جزءًا من تقليد أكبر مع أمثلة سابقة لم يُعثر عليها بعد.
تقول «هاليت»: من بين العظام التي تم فحصها بالكهف، وجدت رأس سن من حوت -أو دلفين- بين شظايا العظام المتوافقة مع الاستخدام كمقشر ضغط (أداة تُستخدم لتشكيل الأدوات الحجرية)، وبالنظر إلى عمر الاكتشاف، يمثل هذا أقدم استخدام موثق لأسنان الثدييات البحرية من قِبل البشر والثدييات البحرية الوحيدة التي تم التحقق منها من العصر الجليدي في شمال إفريقيا.
وأوضحت الباحثة الرئيسية بالدراسة أن الفريق البحثي لم يتمكن من استخدام الكربون 14 للتعرف على عمر الموقع الأثري، إذ إن هذا الموقع قديم جدًّا بالنسبة لهذه الطريقة فى التأريخ التى لا تزيد عن 50 ألف عام مضت، مضيفة: استخدمنا «اللمعان المحفز بصريًّا» و»التلألؤ الحراري» و»الرنين المغزلي للإلكترون» من أجل تحديد عمر الطبقات الأثرية داخل موقع الكهف، وأظهرت تقنيات التأريخ الثلاث أن الطبقات الأثرية التي تحتوي على عظام آكلات اللحوم والجلد وأدوات العظام المستخدمة في معالجة الفراء والجلد تعود إلى ما بين 120 ألفًا إلى 90 ألف سنة مضت.
وخلصت الدراسة إلى أن الأدوات العظمية التي عُثر عليها فى الكهف تؤكد أن الإنسان العاقل بدأ في تكثيف استخدام العظام لصنع أدوات رسمية واستخدامها في مهمات محددة منذ نحو 120 ألف عام، من ضمنها أعمال الجلود والفراء.
وتأمل «هاليت» التعاون مع باحثين آخرين مستقبلًا لتحديد أنماط الجلد المماثلة في التجمعات التي يدرسونها من أجل فهم أفضل لأصول هذا السلوك في صناعة الملابس وانتشاره.


الكاتب : داليا فاروق

  

بتاريخ : 29/09/2021