بلاد إقليم دكالة -25-

استطاع البرتغال في شبه رد فعل له عن الفتوحات الإسلامية، أن يقوم بحملات مستمرة قصد احتلال بعض شواطئ المغرب ومدنه الساحلية ومن أبرزها منطقة دكالة، مستغلا في ذلك الأوضاع المنهارة التي كان يجتازها المغرب آنذاك، غير أن صلابة وقوة أبناء المنطقة وشجاعة قبائلها وأعلامها من رجال التصوف والتربية الروحية … ودور الزوايا في التحريض على مواجهة المستعمر اضطر البرتغاليين إلى مغادرة المنطقة.
خلال هذه السلسلة سنفتح نافذة على أهم المراحل التي مرت بها منطقة دكالة وخاصة إبان الاحتلال البرتغالي وكيفية التصدي له من طرف القبائل والمدن والقرى وأعلام المنطقة … حتى إجلائه عنها مستعينين في ذلك بالعديد من المراجع والمصادر.
لقد عرف العالم خلال القرن الخامس عشر والسادس عشر مجموعة من التحولات في ميزان الحضارة الإنسانية، ففي الوقت الذي شهد فيه العالم الشرقي الإسلامي تقهقرا حضاريا، سار العالم الغربي وخاصة أوروبا، نحو التطور، حيث عرفت أوروبا نهضتها الأوروبية الحضارية في هذه الفترة. وواكب هذه النهضة حركة استكشافية استهدفت أولا التعرف على الحضارات العالمية ثم ثانيا تكوين إمبراطوريات استعمارية.
وتزعم هذه الحركة الاستكشافية في البداية كل من الاسبان والبرتغال، فكان هدف هذه الدول هو الوصول إلى الشرق الأقصى حيث كانت تجارة التوابل والحرير مزدهرة بالهند والصين، ولتحقيق ذلك قام البرتغاليون بمجموعة من الرحلات على طول الطريق المؤدية إلى هناك، فكونوا عدة مراكز ساحلية على طول الساحل الإفريقي وبسواحل شبه الجزيرة العربية حتى الهند، وكان الهدف منها هو، أولا، اتخاذها كقاعدة لرسو السفن البرتغالية المتجهة نحو الهند للتزود بالماء والمؤن والاستراحة، ثم ثانيا التعامل تجاريا مع سكان البلاد المجاورة.
في هذا الإطار العام بدأت المغامرة البرتغالية في المغرب منذ سنة 1415 م، حين قام الملك البرتغالي بنفسه بحملة بحرية عظيمة احتل بها مدينة «سبتة « التي كانت تحت قيادة صالح بن صالح، كما وجه خلفه دون دوارت حملة لاحتلال طنجة سنة 1437م قادها الأميران الإخوان دون خنريك ودون فرناندو، أولهما عن طريق البر والثاني عن طريق البحر، ولكن القوات المغربية استطاعت أن تهزم هذه الحملة وتطوق الجيش البرتغالي وتجبره على التفاوض بشأن الهدنة والصلح، واشترط المغرب الذي كان حينها عبد الحق المريني على رأسه ، اشترط أن ينسحب البرتغاليون من سبتة وأخذ تعهدا بذلك، وزاد فرهن لديه دون فرناندو،ولكن البرتغال لم يف بتعهده، وبقي هذا الأمير في الاعتقال بفاس إلى أن توفي سنة 1443 م .
وقد عرف الغزو البرتغالي مرحلتين متميزتين جغرافيا وزمنيا وسياسيا، فالمرحلة الأولى وهي مرحلة غزو الشمال تمت كلها خلال القرن 15 استعمل فيها البرتغاليون العنف والقوة، لمواجهة حصار القبائل المنظمة من قبل الزوايا، والجدير بالذكر هنا أن البرتغاليين لم يستفيدوا مما احتلوه في هذه المنطقة .
أما المرحلة الثانية فهي تهم جنوب نهر أم الربيع، وتمت خلال القرن 16، إلا أن هذا الغزو لم يكن من ملك البرتغال، بل كان مجرد مبادرة انفرادية قام بها تجار ونبلاء برتغاليون، تخلوا فيها عن استعمال العنف الذي لم يجد نفعا في المنطقة الشمالية، فاحتلال المناطق الساحلية بجنوب أم الربيع من طرف البرتغاليين وتخليهم عن استعمال العنف فرضته ظروف اقتصادية وتجارية، ذلك أن اتصالهم بالسودان بدأ في هذه الفترة ، وأهل السودان يطلبون مقابل الذهب والعبيد قمحا وخيولا ، وهي منتجات دكالة . لذلك التجأ البرتغاليون إلى سياسة المهادنة لتوفير هذه المنتجات، ولتجنب إرهاق خزينة الدولة البرتغالية في تكاليف حرب لن تحقق شيئا، وساعدهم على ذلك وجود فئات اجتماعية بالمنطقة التقت مصالحها بمصالح الاستعمار وذلك ما سنرى تفصيله بعد تعرضنا لمراحل الغزو البرتغالي علما أن الحملة لاحتلال المغرب كانت منسقة بقيادة البابا الاسكندر السادس اقتصاصا من الوجود العربي بالأندلس وتعويضا للمسيحية عن فقدان «روديس» وجزء من هنغاريا. والبابا الإسكندر السادس هو الذي أصدر مرسوم تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ بين إسبانيا والبرتغال بتاريخ 14 ماي 1494 م غداة الكشف عن أمريكا، ولكن أبى الله إلا أن يهزم هؤلاء الاحزاب وينصر عباده المومنين، فقتل ملك البرتغال وأسر جيشه وفر أسطوله. وتم بعد هذه الفترة إجلاء البرتغاليين عن منطقة البحرين التي احتلوها قرنا كاملا إلى  عام 1032 هـ/   1622 م، أي بعد معركة وادي المخازن بأربع وأربعين سنة.
ذكر الناصري في الاستقصا أن مانويل ملك البرتغال أرسل عام 907 هجرية الموافق ل 1502 م أسطولا للاستيلاء على بعض ثغور المغرب وكانت البريجة تسمى برج الشيخ، فنزلوا بها وسوروها فحاصرهم الأهالي واحجروهم في حصنهم الجديد فعاد جلهم إلى لشبونة ليرجعوا معززين بعتاد أقوى بعد سبع سنين فشيدوا حصنا مربعا على كل ربع برج فوق البريجة القديمة التي أصبحت أحد أرباعه وأداروا سورا على الجميع واتخذوا ماجلا أي مطفية لخزن الماء وأقاموا على أحد الأرباع برجا يعلوه سارٍ لحراسة نحو خمسة وعشرين ميلا من الجهات الأربع، وقد اتخذ هذا الحصن قبل عام 1297 هجرية منارا للمسجد الجامع في العهد الحسني أيام العامل الرئيس محمد بن إدريس الجراري، وقد أدار البرتغاليون سورا على المدينة بكاملها حول البريجة على بعد 375 خطوة من الجهات الأربع وكان السور في الحقيقة سورين ردم ما بينهما على سعة خمسين شبرا، عدا جهة البحر، حيث سورها المصمت أضيق مما عداه يسيرا وبلغ ارتفاع السور ستين إلى سبعين شبرا وحول السور خندق عمقه أربعة عشر شبرا يملأه ماء البحر إذا فاض مع ثلاثة أبواب إحداها للبحر واثنتان للبر أقيمت أمامهما قنطرتان ترفعان وتنزلان عند الحاجة وجعلوا في المدينة خمسة أحياء سموها بأسماء زعمائهم مع أربع كنائس ومخازن وأهراء وبلغ عدد السكان من البرتغاليين بها أربعة آلاف وهي صورة عن جيب محصن للبرتغاليين بالمغرب .


الكاتب : إعداد: أحمد مسيلي

  

بتاريخ : 26/06/2018