بلاد إقليم دكالة 28

 

يذكر أحمد بن خالد الناصري في كتابه الاستقصا أنه كانت بآزمور امرأة حسناء خطبها رجل من أهل البلد سماه لويز إلا أنه لم يحسن النطق به لعجمته وأظنه اسمه الميلودي، لأن الحروف التي ذكر تقرب منه، فامتنعت عليه فراودها أياما واشتد كلفه بها فلم تزدد عليه إلا تمنعا فبعث إليها ذات يوم يرغبها في نفسه، ويدلي عليها بمآثره التي من جملتها الشجاعة حتى قال لها : « وإن شئت أن آتيك برأس أعظم نصراني بالجديدة وأشجعه فعلت « ولعلها كانت موتورة لهم، فقالت له : « إن أتيتني به تزوجتك « ، فذهب الرجل المذكور إلى قائد آزمور ولم يسمه لويز وعرض عليه أن يكتب إلى كبير نصارى الجديدة وصاحب رأيهم بأن يعين من جانبه رجلا من شجعانهم ليبارزه إن شاء الله، فأجابه القائد إلى مراده، وذهب الرسول بالكتاب حتى وقف على نحو غلوة من المدينة، وهذا الموضع هو الذي كانت تقف فيه رسل آزمور إذا قدمت لغرض، فخرج إليه البريد من عند صاحب الجديدة، وحاز الكتاب ورجع به إلى صاحبه، فلما قرأه أحضر جماعة من وجوه جنده وعرض عليهم ما فيه فقام رجل منهم وقال « أنا صاحبه « …
قامت زاوية سيدي إسماعيل بدكالة حسب المؤرخ البرتغالي لويز بحصار البرتغاليين في الجديدة عام 1049 هجرية / 1639 م ونقل أسراهم إلى سلا وقد وصف المعركة عبد الرحمان الغنامي المعروف ب « رحو « .
ومن الأهمية بمكان إثبات بعض الحقائق المتعلقة بتعاون بعض الفئات الاجتماعية في دكالة مع الاستعمار البرتغالي لتوطيد قواعده بالمنطقة، فمن خلال البحث الذي نشره الأستاذ « بو شارب أحمد « في مجلة كلية الآداب الصادرة بفاس ( العدد 1 – 1978) يتبين أن هذه الفئات المتعاملة تنقسم إلى : التجار وأعيان المدن ، واليهود ، وشيوخ القبائل ، فكيف كان تعاملهم مع البرتغاليين إذن ؟

أ – التجار وأعيان المدن :

عندما بدأ التبادل التجاري بين آزمور والأندلس إلى حدود القرن 6 الهجري (12م) تكونت في المدينة طبقة تجارية تعمل على ترويج منتوجات دكالة من جلود وقمح وشابل وقد جمعت هذه الطبقة من التجار ثروات كبيرة أدت بأصحابها إلى الانغماس في الملذات، والعيش على الطريقة البرتغالية بعد أن كان سكان آزمور قد اعترفوا بسلطة البرتغاليين سنة 1486 م، وهذه الرفاهية التي عاشتها هذه الفئات المغربية جعلتها تتمسك بالوجود البرتغالي بل وتغير على المصالح البرتغالية كثيرا، وقد صادف وصول البرتغاليين والاسبانيين إلى السواحل المغربية ضعف السلطة المركزية المغربية المرينية والوطاسية في ما بعد ، مما أدى إلى استقلال عدد من المدن، وتنافس أعيانها على السلطة في حين استفاد البرتغاليون كثيرا من هذه الوضعية فأصبحوا يعطون السلطة لمن يدافع عن مصالحهم بحرارة .
ويذكر الحسن الوزان أن آسفي كانت مقرا لأسرة تجارية اسمها بني فرحون، لعب البرتغاليون بأفرادها كثيرا فساندوا من والاهم ودبروا اغتيال من عاداهم، ومهما يكن فإن هؤلاء المتعاملين لم يكونوا صادقين في ولائهم للبرتغال إلا بمقدار ما يمكنهم الوجود البرتغالي من استقرار سياسي يضمن الرواج التجاري . ورغم ذلك فقد انقسم السكان إلى ما أسماه حسن الوزان بالأحزاب المؤيدين للبرتغال، والمؤيدين للاسبان المسلحة والمناهضين لهما …ومحرك الجماعة الأخيرة هم الفقهاء ورجال الزوايا، ونتيجة لهذا الصراع ضعفت السلطة وكثرت العصابات المسلحة. ونفس النهج اتبعه البرتغاليون في آزمور، لهذا يمكن القول إن مطامح وأطماع الأعيان والتجار حد كثيرا من ازدهار مدينتي آسفي وآزمور وحولتهما إلى ثكنات عسكرية.
كان اليهود بمنطقة دكالة آنذاك ينقسمون إلى طبقتين، الطبقة الارستقراطية وهي التي تسعى للحفاظ على مصالحها، وبهذا الهدف تعاملت مع البرتغاليين، وطبقة فقيرة تشتغل في الحرف، ولم يسجل الحسن الوزان أي تعسف ضد اليهود من طرف السلطات المغربية أو المسلمين عامة، لذلك فإن الرأي القائل بأن اليهود المضطهدين سهلوا دخول البرتغاليين غير مقبول، وقد عانى اليهود كثيرا من الاضطهاد في اسبانيا والبرتغال فاضطروا إلى النزوح نحو الحواضر المغربية ومنها موانئ دكالة في نهاية القرن 15 م، وكان لهؤلاء النازحين من شبه الجزيرة الايبيرية رصيد ثقافي مهم مكنهم من السيطرة والتفوق على اليهود المحليين، لذلك فإن الطبقات الدنيا من اليهود لم تكن لهم يد في التعاون مع البرتغاليين والطبقات العليا لم تتعامل مع الاستعمار لصالح عامة اليهود بل لتحقيق مصالحها فقط، وقد فطن البرتغاليون إلى أن أعيان اليهود يعملون لمصالحهم الخاصة ويتعاملون مع الأقوى، لذلك نجدهم يرحلونهم عن آسفي عندما زحف عليها جيش السلطان الأعرج السعدي سنة 1541 م خوفا من أن يسهلوا دخول المسلمين السعديين، ومن بين الأسر المتعاملة مع البرتغال أسرة « زميرو» في آسفي التي كان أكبر أفرادها طبيبا قبل أن يصبح حاخاما أكبر بعد احتلال المدينة، ثم عاملا للاستعمار وتاجرا كبيرا وقام أخواه بأدوار مماثلة، وكانت أسرة «الديب» بآزمور بدورها برتغالية ولعبت كذلك دورا مهما لصالح التوسع البرتغالي . وبحكم الأصل ومعرفتهم اللغة البرتغالية فقد ضمن هؤلاء لأنفسهم دور الوساطة التجارية والسياسية، وبسبب مواقفهم وتعاملهم لصالح البرتغاليين فقد تعرض اليهود عامة لعداوة المسلمين.

شيوخ القبائل:

عندما بدأ التوسع البرتغالي في دكالة وفشل جهاد القبائل التي عجزت عن حماية نفسها وعجز النظام الوطاسي عن الوفاء بالتزاماته الوطنية في الدفاع عن السكان ، اضطرت هذه القبائل إلى الخضوع ولو على مضض، لكن الغريب أن بعض القبائل في دكالة ساعدت البرتغاليين على التوسع وحاربت قبائل أخرى من أجل هدا الغرض، الأمر الذي دفع ببعض مؤرخي الاستعمار إلى فهم أن هذه القبائل قبلت عن طواعية التعامل مع البرتغاليين . والواقع أن أخطاء الأنظمة القائمة في المغرب ( الوطاسيون الهنتاتيون بنواحي مراكش – والسعديون في أول أمرهم ) التي تتلخص في عدم تقديم أية مساعدة للقبائل القريبة من الثغور، دفعت بعض القبائل إلى الخضوع إلى الاستعمار، كما أن التحركات الوطاسية ضد البرتغاليين لم تكن تزيد البلاد إلا خرابا، ففي سنة 1514 م دخل الناصر الوطاسي دكالة على رأس جيش مهددا متوعدا البرتغاليين، فلم يواجههم واكتفى بتخريب المنطقة عقابا للقبائل المتعاملة مع الأجانب فتراجع الإنتاج . ومن بين أسباب تعامل بعض القبائل مع الاستعمار البرتغالي، الدور الذي قام به بعض شيوخ القبائل، فبدخول القبائل الهلالية لمنطقة دكالة تركز النظام القبلي البدوي الذي يجعل القبيلة تدين بدين شيخها، فتولي من والى وتحارب من حارب وتخضع لمن خضع وكمثال على ذلك نذكر أنه عندما حوصرت آسفي سنة 1510 م حضرت كل القبائل الدكالية للجهاد والمشاركة في الحصار ما عدا أقربها إلى المدينة، وهي عبدة لأن شيخها حسون توصل برشاوى سنة 1509 م من البرتغاليين كما أن بعض الشيوخ المتملقين أو الطامعين في السلطة أبدوا استعدادهم لخدمة المستعمر.
خلاصة القول، أصبح المجتمع الدكالي متفككا، وأصبحت القبائل لا تقرر، بل تتصرف حسب هوى شيوخها، حيث اختفت المقاييس التقليدية لاختيار الشيوخ الذين أصبحوا لا يخفون مواقفهم من البرتغاليين، إذ سرعان ما أدخل بعضهم نفسه تحت حماية التجار البرتغاليين …
عرفت مختلف نواحي المملكة المغربية نهضة معمارية متنوعة جليلة الشأن إبان عصر الأشراف السعديين. وقد شملت تلك النهضة مختلف أنواع العمارة الإسلامية من حربية كبناء الأسوار والحصون والأبراج والقلاع، ودينية كبناء المساجد والزوايا والأضرحة والقباب، ومدنية كتشييد القصور والمساكن والمصانع وغرس البساتين وتصميم المياه، وقد تميز العهد السعدي في بدايته بالجهاد، لذلك لم تعط أهمية كبيرة للتاريخ المحلي لدكالة، ولم تنته هده الفترة إلا في عهد أحمد المنصور، ويظهر من خلال رسالة رسمية بعثها أحمد المنصور السعدي إلى ابنه الشيخ المامون حاكم مراكش أن دكالة كانت تضم آنذاك نفس القبائل التي توجد اليوم، وهي أولا أولاد بوعزيز، أولاد فرج، أولاد عمور، أولاد بوزرارة، العونات، الحوزية، وتجدر الإشارة إلى أنه منذ عهد قريب استقرت في الضفة اليمنى لنهر أم الربيع قبيلتا هشتوكة والشياظمة.


الكاتب : إعداد: أحمد مسيلي

  

بتاريخ : 29/06/2018