بداية الرايس بيزران سعيد اشتوك المتوفى بتاريخ 7/9/1989 رحمة الله عليه .لم يترك أسطوانات أو أشرطة كاسيط كما هو الشأن بالنسبة للرايس المقاوم جانتي لكون الزوايا وبعض الفقهاء ظرفذاك اعتبروا الشعر والغناء من الموبيقات ومع ذلك استطعنا جمع منتخبات من شعره من بعض أفراد فرقته ومن الرواة من محبيه وقمنا بإصدار ديوان له بمساهمة ابنه الطبيب الدكتور محمد بيزوارة وهو ديوان أولي سنة 1998 للتعريف بصاحب مدرسة متميزة بتحررها من القيود التقليدية المفرطة التي غل بها المجتمع المحافظ الشاعر وكلمته الشعرية خاصة عندما يتعلق الأمر بكل جمال جميل، وما يصطلح عليه بالغزليات «تايرى». شاعرنا الرايس بيزوران سعيد اشتوك فتح باب تايرى، الحب العفيف على مصراعيه يشبه نزار قباني في غزلياته، لم يترك ولو نافذة واحدة موصدة ما أن يستمع شيخ مسن رائعة من روائعه الغزلية حتى ترى وجهه مشرقا ضاحكا مودعا شيخوخته مستعيدا شبابه تاركا التسابيح تسقط من يده وهو يشارك المجموعة غناءها بصوته في هذه السهرة وتلك.
قبل الإتيان بنماذج من شعره الاجتماعي المغنى وتعريبها يجدر بنا التذكير بما قدمه كشاعر رقصة اجماك وتيرويسا للثقافة واللغة الأمازيغيتين حافظ كغيره من فطاحل تيرويسا.
اللغة الأمازيغية كغيره من الممارسين لفن أجماك وأحواش وفن تارايست في الوقت الذي هاجرها أبناؤها بل منهم من يضمرون لها العداء.
حافظ الشاعر الرايس بيزوران سعيد كغيره من الرواد الأوائل أمثال الحسين جانطي، الحاج بلعيد، بوبكر أنشاد، وبوبكر ازعري، والحاج محمد البنسير، والحاج عمر واهروش، وآخرون، حافظوا على الترات الفني بلباسه التقليدي المميز من جلباب وفرجية وخنجر بخيطه الحرير وعمامة وعلى آلاته الموسيقية وبألحانه الموروثة بل وجدد العديد منهم، وأحسنوا التجديد، عكس المحدثين الذين حاولوا التجديد فصيروا الجيد رديئا مشوها تمجه الأذن.
تقوم هذه الشريحة النشيطة ضمنها شاعرنا سعيد اشتوك بتوفير الحاجيات اليومية لأسرها من أكل وشرب وملبس ومتطلبات التمدرس والعلاج والكراء وغيرها، بل ومنهم من ترك أطرا خدمت وتخدم الوطن والمواطنين تشقى في سبيل إسعاد الآخرين، وهذا تحول نوعي وعيا منهم بما يتطلبه العصر وكانت تلك رسالة قوية لزملائهم ممن أهملوا تربية الأبناء، ومن هؤلاء الذين تركوا أطرا الرايس سعيد أشتوك الذي ترك إطارا طبيا هو اليوم في خدمة المجتمع، وكان المرحوم إضافة إلى ذلك فلاحا ناجحا وعضوا منتخبا يدافع عن السكان بالغالي والنفيس ومن المساهمين في تأسيس فرقة حسنية أكادير ورعايتها.
وكغيره من الممارسين للأغنية الأمازيغية بمسوؤلية يقومون بدور الوظيفة الإعلامية وينشرون معاناة الطبقات الشعبية المسحوقة المحرومة من التطبيب ومعاناتها مع الجفاف والغلاء والحرمان من التعليم ظرفذاك.
دافع الروايس عن الطبقة المسحوقة، ونسوا أنفسهم ومعاناتهم المتجسمة في عدم الاعتناء بهم سواء تعلق الأمر بالجهات المسؤولة كوزارة الثقافة أو بضعف مردودية مكتب حقوق المؤلفين بل وانعدامها خاصة عندما يتعلق الأمر بحمايتهم من القرصنة التي جعلت مؤسسات التسجيل تتخذها ذريعة لدفع ما لا يسمن ولا يغني من جوع، هذه نظرة موجزة عن عطاءات ومعاناة الروايس.
بعد هذا التقديم المختصر لابد من تقديم نماذج من شعر الشاعر بيزوران سعيد اشتوك. في إحدى أمسياته استغل الشاعر تواجده في عرس حج إليه جمهور من الرجال والنسوة ولاحظ وجود أحد المنتخبين بين الحضور، برلماني المنطقة، ووجه إليه خطابه، كجريدة ناطقة، وهو يرتجل الشعر ارتجالا مستعملا حنجرته الدافئة وألحانه الرائعة لتحمل الخطاب إلى أذن المستمعين ثم إلى ذاكرتهم كرسالة واعية هادفة، والقصيدة التي غناها في هذا الحفل كانت طويلة ومعنونة بعنوان (تاماضونت).
خاطب االحضور قائلا :
الليعاون ءاوليد ءاك نوفا سوتلناغ
نطالب إيما غيد إيحاضرن ءايي سلمن
سلمغ سلمن إضارن ءايي سلمن
أعان الله الذين وجدناهم وأحاطوا بنا
وأطلب التسليم من جميع الحاضرين
سلمت وسلمت الأرجل وسلمت الأرض
بعد هذه التحية للجمهور وجه الخطاب للنائب البرلماني وقال :
نمر با الحاج إبراهيم ءاكين وصوح
لوازير إد تلميكيرت نحاك لما ليك
ئناتاس هاتي تازيرت نخاصاك ئميك
ءاغاراس ءولاضوو ءولاسول ءامان
ءو لايا لكوليج ءاكيسن ئلين نفرخان
أريد أن أوصيك يا الحاج إبراهيم
الوزير الذي تلتقي به وربما الملك
قل له : إن (تيزيرت) تحتاج إلى
الطريق وإلى الكهرباء وكذا الماء
وإلى الإعدادية ليدرس فيها الأبناء.
أما رأيه في العلاقة بين الناس السائدة في ذلك الوقت، والتي تغيرت شكلا ومضمونا بالمقارنة مع ما كان سائدا بين الناس من تعاون وتضحيات متبادلة فقال :
ءور نسول ئلي يا ءوركاز ءات سول نكي تامنغ
ءامداكل ءورئلي غاس غارغ يان مناو
لجيب نك نغ ءافود نك نح ءاراونون
نما تاروان بنادم طما كا ساتيلين
لغرض ئحك ئفوغ ءوركن سول ئري يان
مدن كوتن ئلما كيسن لمنافقين
ءانيت ديدك ئش غاسا ح لما حال نون
ئحاك ءوركين لعيب ئكد نتيرمت نون
ئووريد كين ضيد نك ئتى ياك لخير
ليح ءاح تاغ تماضونت ييوي ءايي ييوين
لم يعد يوجد ولو رجل واحد أصدقه
الصديق لا يوجد اليوم إلا في أمور
جيبك أو ركبتيك أو ابنك
أما أبناء آدم فلا يبحثون إلى على الطمع
إذا لم يعد فيكم نفع لن يهتم بكم أحد
الناس كثر فيهم المنافقون
يتناول معك اليوم الطعام في منزلك
وإذا لم يعيبك يعيب طعامك
ويصير عدوك ناسيا خيرك
لما مرضت ابني هو الذي ذهب بي …
لاحظ شاعرنا في وقت مبكر التغيير السلبي الذي طرأ على العلاقات الاجتماعية عكس ما ألفه، انعدمت الثقة بين الناس، والصداقة فقدت ما كان يميزها من تضحيات ومن احترام متبادل، وحصر عدد الأصدقاء في ثلاث : جيبك وصحتك وأبناؤك.
كما أشار إلى النفاق الاجتماعي وعدم الاعتراف بالجميل بل والتنكر له، مذكرا بمرضه كنموذج واختفاء الجميع إلا من ابنه والقصيدة طويلة مليئة بصور اجتماعية من وحي الواقع.