بوصلة الشعور

تتشابه الوجوه، رغم تباين درجات التماثل والاختلاف، أحيانا تكون بعض الوجوه جميلة مليئة بصخب الحياة، في حين قد تكون أخرى سمجة قبيحة، من المفترض حينا أن يرتقي بعضنا سُلّم الوسامة إلى آخر درجاته، وينأى بعضنا عن أول أدراجه.
نؤمن جميعا أن الوجوه مرايا قادرة على أن تعكس العوالم الجوانية للبشر، فإننا على يقين أن ذاك الشحوب ما هو إلا أثار التعب، بقايا الريبة والظنون التي خالجت الصدر وسكنته لأيام وليال، هذه العملية التي تتوالى بمرور الدقائق والثواني قد تنتابك بعدها مشاعر السكون الذي يعيدك للحظة؛ للكلمة؛ للوعد، وكل حركة قد تزرع بين أوصالك قشعريرة تُرجع إليك الإحساس بدفء النبرة وفرح اليقين، اليقين بانبثاق البديل، بعدما كنت أعزل مسلوب الإرادة أمام قوة لم تكن في الحسبان. إن تعاقب هذه المراحل وتغير الحال والأحوال، يحتاج منا الاجتهاد في تصميم المواقع وترسيم الحدود والإحداثيات، لكن ما أصعب المنال! وما أخطر المغامرة حين يتعلق أمر ترسيم الحدود بمجال الوجدان والشعور.
صدقا، ما أصعب شكل النهايات والخواتم التي يصل إليها الشعور ليقف حائرا تعدد الخيارات، تائها أمام شكل النهاية التي سيسكن إليها وينزوي داخل أركانها، ما أصعب الخيار، صدقا إن شكل الخواتم يختلف، قد تكون النهاية إعلانا لولادة حياة جديدة حيث تنمو وتتكاثر، وربما تكون النهاية موتا أو عقما دائما وكلاهما مرّ.
إن لحظة الفطام وإن كانت لحظة قاسية، فاعلم أن من قسوتها سيشتد عودك، وحينها ستكون عندك القدرة على اختيار طبيعة شعورك، بل ستحتاج إلى فروع هذا الشعور، بل كل منا يحتاج إلى هذه اللحظة، إلى هذه الولادة الثانية، وكل منا ستكون له منظومته الشعورية والوجدانية التي تُميزه عن الآخرين. البشر شتى منا الصادق والكاذب المنافق؛ والمحب والكاره؛ والأمين والسارق؛ والمخلص والخائن (,,,) وكل صورة في الحياة هي انعكاس لمنظومة الشعور ومرآة عاكسة لجوهره. قد يأتي على الشعور حين من الدهر يقف عند مفترق الطرق، وقد يخسر الداخل والخارج ذاك هو الإفلاس الذي لا يجد القوة القادرة على تحريكه أو الدفع به، بل لا يجد حتى الجسد القادر على تحمل الأعطاب والنكسات التي عصرت الأوجاع وحولتها إلى دموع تبقى رهينة داخل الأحداق، فلو نزلت لغسلت كل الآلام وأزالت ندوب الجراح.
كان وسيظل الشعور بوصلة وصمّام أمان، هو من يعكس صور الطيبة وهالة الحب في عيون الآخرين، هو الأصل والحقيقة، هو الأمل ساعة انقطاع أطياف الرجاء، إن خلفية الشعور لا تقبل الزيف والتحريف ولا تقنع بالنزر القليل.
أقول لك خذ الحكمة أنى وجدتها ومن فم من كان ناطقها، وأقول لك: كن حرا، كن كما تشاء أو شئت أن تكون، لكن لا تكن إلا أنت في طبعك وأحاسيسك، ابتعد قدر ما استطعت عن كل زيف أو نفاق ينفي آدميتك، لا تنس وأنت سارح بخيالك متأملا ملكوت الدنيا والمدى اللانهائي أن تجعل الشعور خلفية وطوق نجاة لحياتك وملاذا لأمن وطمأنينة الآخرين، واعلم أننا لا مطلق ولا كمال لنا نحن معشر بني البشر، لكن ستبقى خلفية الشعور بوصلة حياتك.
يحدث أحيانا أن ينأى بعضنا عن آدميته ويُجهز على قوانين فطرته، لكن وسط الرماد يشتد عنف الصراع بين السواد والبياض، بين الخير والشر، حرب يضرمها ما تبقى من صحوة الشعور، لذا لا تغريك طريق يكثر سالكوه لأن طريق الخير والحق قلّ عابروه، واعلم أن أصحاب الحق في نعمة من ضمائرهم وراحة في أنفسهم لأنهم يسيرون خلف بصيص أنوار تضئ عتمة الطريق، وتقيهم عثرات وزلات المسالك.
قانون الطبيعة يحكمنا، وحين تنتهي المساحة الزمنية المسموح بها، ستكون قاضيا ومتهما لترى وتحكم على طبيعة اختياراتك، ستكون بوصلة شعورك قد قادتك شطر نهايتك وحصدت ما حصدت من جميل أو قبيح صنيعة شعورك، فطوبى لمن كانت غلة حصاده يانعة والويل لمن خانته بوصلة شعوره، لذا احرص على اختيار بوصلة شعورك وكن متيقنا من طبيعة قبلتك، وسر بخطاك واثقا صوب ما شئت أن تكون.


الكاتب : الكاس سهام

  

بتاريخ : 31/03/2022