إيه…
يا بيلوان
منذُ أودَعتكَ تُرابا كنتُ تمرغ فيه ِ
حِين تُجنُّ
منذُ أدَرتُ ظَهْرِي المَعقُوف
لأسْمائِكَ المُعتلَّة…
ومنذُ هَمْهماتِي الغامِضةِ عندَ رأسكَ
وأنا أقُولُ لنفسِي…
هذَا الكَائنُ الغَرَائبي
الذّي لمْ يغْلق عيْنيهُ وهُو يموتُ
حَتمًا سيعُودُ ليصْحبنِي إلى جزِيرَة الأبدِ …
لنغْرسَ أصَابعنا فِي عيْنِ الشّمسِ…
ونسْتضيءُ بالصّخرَة السَوْداء
فربَّما
الكَواكبُ
كُلهَا عَمْياء…
وَنلدَ مِن محْضِ الصُدْفةِ
آدَميات صَاخبة
تحْملُ ثِقلَ هذا الجَبلِ
الصّامتِ
وبِهَذيَانِها المُفْرطِ في المَتاهةِ
سَترُد ُّ لِلظِّل مَفْرشهُ الثَّلجِي
لمَوسمِ انتِحار ِالدِيدَانِ
التِّي لَمْ يكُنْ مِنْ حَظِّها التَّحلِيق بَعِيداً …
خَوفًا منْ صَدَى الفُصُولِ البارِدةِ ’
خَوفًا
مِنَ جَائعِ هَشَّمتِ الذِئابُ حلمَهُ
فَباعَ قِرميدَ قَصرِهِ لِنملةٍ طاعِنةً فِي المَكْرِ ….
فَتكلَّف العَراء
لِنقَرفصَ معاً تحْت ظلِّ النسيانِ
وَننفُثُ في الأرْضِ
بِدايةَ الوجَعِ
فإن اختَمرتِ فِي أذهَاننا
لُعبةَ البقاءِ
نشُدُّ السرابَ من مُنتصفِه
وَنلْوي ذَيلهُ لِشجَرةِ الاغْترَابِ
فإنْ هُو أضاءَ الطّرفَ الأخر مِن الجزيرَة
قَبلناهُ سيّداً
علَى الظَّهيرَة ورَصّعناهُ بِماءِ الذهبِ
وإنْ تَلعثَمَ قصَائِدَ الشُعراءِ
بَترنَا قدمَه اليُسرَى
وكبّلناه بحَبلٍ في عزِّ صَدَاه
مِن الوَريدِ إلى الوَريدِ …
لكِنَّ
السرَاب مُدمنٌ على الرَّحيل
على الابتعَادِ
على صَقلِ المُصادَفاتِ…
عَلى التّمنِي بالمُعجزاتِ
هُو لا يهْدأ والرّيحُ تميلُ…
فإن خِلتهُ نَائمًا فهُو يقِظٌ
وإن حسبتهُ ثابتا فهُو المُتحركُ
هُو الهَاربُ من جُرمٍ اقترفَهُ الأجْدادُ
وأداةُ الجَريمَة بين أضراسِهِ …
إنْ مَسَكناهُ خنَقناهُ بأصَابعَ مَشلُولَة
هو المُطاردُ من عسْكرِ المَدينةِ
عَاريًا إلاّ من خَيبتهِ..
إنْ طَرقْنا بَابهُ صَارَ لُغزًا لاَ يذْكرُ ..
هُو الماءُ حِينَ نعْطشُ جميعاً
وتَقاسِيم الأغْلالِ لا تنْتهِي
هو الدُخانُ حين تغْضبُ السّماءُ
ويتَرمَّلُ مِن حَولِنا الحظُّ
فَنتبنى غَيمةً شَارِدَة
تَعْرقُ جَمراً يتمَخَّضُ عنهُ دمارُ القبيلةِ …
هُو ذاكَ الذّي يَظهرُ ويختفِي
بَيننَا
يَا بِيلوان…
لأنفَردَ بأغنياتِي الحَزِينة
ويَدي عَلى عكَازي المُصابِ بسَرطانَ الصّمت
وتنفَرد أنتَ بالنُباحِ..
هُو نقْطةُ الصفْرِ إلى مَا لا نهَاية
مُنذُ بدأتُ أخطُو حَافيًا
إلى آخِرِ يومٍ شيّعتكَ فِيهِ
علَى إيقَاعِ الرعْدِ
وتلْوينَات
البرْقِ …
أرْكنتُكَ جُثَّة هامِدَة علَى حَافةِ المُحالِ
وأنتَ تُقاومُ ببسْمةٍ نادرَة
وأرْكنتُ جَسدِي فَوقَ قَبركَ النّدِي
أرَدّدُ
اسمك
بصَوتٍ
مَهزُومٍ
ومن حَولي أسْراب منَ الحَمقَى
تأكلُ أسْمالهَا بعِشْقِ النّمل
فَأتنمّلُ …
أحَركُ الأعوادَ الَيابِسَة جِهةَ النّهرِ
وأقِيسُ العَلامَات بثِقلِ السِنينَ
ثُمَّ أدثِّرها بنَوبةِ الاطمِئنانِ
فَأتهدّنُ….
وأحْيانًا أسْقط كُل الألقَاب
علَى خَواء مُطلقٍ
تَعبرهُ الصَّواعقُ لرصْدِ حالاتِ الجبلِ
ليظلَّ اسمكَ حُلمًا
تَتيمَّنُ به كُلُّ الكلابِ
وتستبشِر به النساءُ أخِر سَعدٍ
للظَفرِ بابن السُلطانِ…
كمَا كنتُ
مُتيمِنًا
مُستبشرًا بك
وأنت تجوبُ صحْراءَ البِعادِ…
إيه يا بيلوان
قلتُ لنَفسِي انَّكَ لنْ تَمُوتَ …
وستنبعِثُ مِن تُرَابكَ
لِتبنِي جِسْرًا مِنْ رُخامٍ
ونَعبُرَهُ معًا .
بيلوان ينبعث من ترابه
الكاتب : عبد اللطيف رعري
بتاريخ : 11/09/2020