عن دار النشر أبي رقراق، صدر للمؤلفة هدى الخطابي رواية موسومة ب «أشباح التاريخ»، تتكون هذه الرواية من 229 صفحة من الحجم المتوسط، زينها غلاف يحمل لوحة للمؤلفة عبارة عن فارس يمتطي فرسه في أهبة الدفاع عن نفسه، ليكون هذا الإنجاز مكتملا شكلا ومضمونا.
لقد صنفت هدى الخطابي الكتاب ضمن مشروعها المتسلسل ارتباطا بالأزمنة والأمكنة، حيث حددت بدقة تواريخ الأحداث بشخصياتها ومسالك تطورها ابتداء من سنة 1911 بأجدير إلى غاية 1961 بالقاهرة، كما صنفت فصوله حسب حيواته، حيث جعلت من الحياة الأولى عنوانا لفصلها الأول تحت عنوان «أجدير» بينما الفصل الثاني عنونته ب «اجتماع» أما الفصل الثالث فقد اختتمته بعنوان «القاهرة».
فمن خلال رصد المؤلفة للعنوان الرئيسي للرواية، فقد أشارت إلى أن الشخصيات أصبحت عبارة عن أطياف بعدما أن كانت السند الحقيقي للمقاومة المغربية من خلال عنوان فرعي جاء على لسانها كما يلي «لكي تسقى هذه الأرض المغربية بالدم، وبدموع الشجعان التي لا تنسى».
كل الفصول جعلت من هذا الكتاب شاهدا على مراحل هامة من حياة القائد والمجاهد عبد الكريم الخطابي الذي ناضل ضد الاستعمار الإسباني آنذاك بكل شجاعة وبسالة، أصبحت هذه التضحيات فيما بعد نموذجا وطنيا من نماذج المقاومة ورفع الذل عن الشعب المغربي بالنسبة لدول العالم الثالث.
لم تكتف المؤلفة بهذه الأحداث فقط، بل عملت على تفكيك تفاصيلها لما سمعته من أبيها حول جدها حتى تتمكن من الوقوف على أحداث حقيقية.
فما يهمنا في هذا الكتاب، هو البحث عن الجانب الخيالي Fiction الذي يعتمد الحبكة الأدبية والتسلسل الحكائي المبني على الصور المجازية من استعارة وتشبيه…، والذي عملت فيه الكاتبة على الاحتفاظ على الجانب السردي باللغة الفرنسية بأسلوب سلس يدل على تمكنها من دواليب اللغة وتأويلاتها.
إن ما يميز هذا الكتاب، هو مروره على جل المحطات التي مر منها وحل بها المجاهد عبد الكريم الخطابي، بأمكنتها وأزمنتها، دفعت المؤلفة لزيارتها بالريف قبل الشروع في تدوين وكتابة الأحداث، فيما تسبب في تكتل هذه الوقائع بغناها وعبرها، لتصبح نموذجا للمقاومة في العالم الثالث، أشاد بها كبار المقاومة في العالم كالزعيم «هوشي منه» بالفيتنام.
إذن، تبقى الحيوات التي أدرجتهم هدى خطابي في هذه الرواية ليست سوى تأكيدا على التسلسل الكرونولوجي لمواصفات تاريخية حددت من خلالها الكاتبة الذاكرة المتعلقة بكتابة التاريخ « كما ذكرنا في بداية الحديث عن هذا الكتاب».
ولهذا، كان الكتاب عبارة عن شهادة وصفية لحقيقة الأحداث، التي تميل للسرد التاريخي أكثر منه للسرد الأدبي لقلة الاهتمام بالخيال بمفهومه الواسع الذي ينفتح على تعدد التأويلات الممكنة حسب رأيي الشخصي.
يقول الماريشال ليوطي في ص 12 من نفس الكتاب يوم 13 دجنبر 1925 عن عبد الكريم الخطابي: « بدون منازع يملك روح القيادة جعلته يفهم إيجابيات جيش نظامي وحديث».
تتعرض الكاتبة في هذا الجزء من الكتاب إلى دور حركة المقاومة في المتخيل المغربي، كان أبطالها من أفراد عائلتها، ولهذا كان من الصعب المزج بين الحقائق التاريخية في علاقتها بالسرد، حيث تم في هذه الرواية الاشتغال على الجانب الواقعي والخيالي معا، بمعنى آخر، أن الكاتبة جعلت من نصوصها نقطة للتقاطع بين ما هو علمي وآخر أدبي لتوفق بين عنصرين اثنين جعلا من مؤلفها بؤرة تجتمع فيها كل العناصر المؤثثة للنص التوليدي الإبداعي بالضرورة.
فالاستلاء على عتاد وأسلحة المستعمر كان هو النتيجة التي توصلت إليه الساردة كدليل على إصرار المقاومة للدفاع عن وجودها وهويتها، دفع الناشط والإعلامي الفرنسي (جاك دوريو) بأن يدلي بشهادته حيث قال «في ص 46 « لقد عشنا انتصار شعب أبي.. لقد استطاع أن يطرد الإسبان من منطقتهم مما غير توازن القوى لصالح المغرب ضد الإمبريالية التي استعمرتهم».
لتقف الكاتبة على آخر زيارة للمغفور له محمد الخامس لبيت وعائلة المجاهد عبد الكريم الخطابي، سنة 1961، كآخر خطوة عرفتها هذه المرحلة الحاسمة في تاريخ المغرب.
ولا ننس على أن الكاتبة هدى الخطابي هي من عائلة عبد الكريم الخطابي وتنتمي لعائلة مناضلة ومثقفة، فأبوها هو محمد العربي الخطابي، شغل مناصب عديدة في الدولة ويعتبر مقاوما وعضوا في الحركة الوطنية وكاتبا ومفكرا، أما أمها هي الفنانة شمس الضحى أطاع الله أول امرأة مغربية خريجة المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان سنة 1960.
لكن السؤال الجوهري في الأخير، هو هل استطاعت هذه (الرواية) أن توفر عناصر السرد أم كانت تميل إلى الحكي التاريخي، وهل تمكنت من استنباط العناصر المخيالية التي يجدر أن توجد في أي عمل روائي؟.
كلها أسئلة عالقة ومرتبطة برأي المتلقي، وتبقى رهن الحكم الأخير لذوقه ورأيه حول هذا الكتاب.
بين الحقيقة والخيال في رواية «أشباح التاريخ» لهدى الخطابي
الكاتب : شفيق الزكاري
بتاريخ : 04/10/2025

