تعرف بلادنا منذ مدة غير قليلة ارتفاعا كبيرا في أثمنة اللحوم الحمراء، ومع اقتراب شهر رمضان يضع المغاربة، ومنهم البيضاويون، أيديهم على قلوبهم خوفا من ارتفاع جديد في أثمنتها وخصوصا مع ما يسجل من ضعف للقدرة الشرائية التي يعاني منها أغلبهم، كما يتساءلون عن أسباب هذا الارتفاع وعن الحلول التي من شأنها أن تعيد الأثمنة إلى ما كانت عليه سابقا، وفي هذا الصدد قال أحمد العمري، عضو المكتب التنفيذي للتجار والمهنيين والكاتب العام لفرع المجازر، إن هذا الارتفاع راجع إلى ضعف القطيع الوطني الذي يتجه نحو الانقراض إن لم تتخذ إجراءات استعجالية تحول دون ذلك، وأضاف في خرجة إعلامية، أن هذا الارتفاع يسجل حتى في أوروبا التي اتجهت هي الأخرى إلى الاستيراد من إسبانيا مما أدى إلى الزيادة في الثمن من البلد المصدر، وأكد أن ارتفاع الأثمنة في شهر رمضان لا يسجل سوى في العشر أيام الأولى منه، مضيفا أنه بخصوص ضعف القطيع الوطني الذي يتجه نحو الانقراض توجهنا منذ 2019، يقول، سواء إلى هذه الحكومة أو إلى الحكومة السابقة، ودققنا ناقوس الخطر لكن دون أن يتم أخذ تنبيهنا على محمل الجد، ومن بين الحلول التي قدمناها استيراد العجول القابلة للذبح وترك العجلة الولود لتجهيز الخلف، نفس الأمر بالنسبة للغنم، في السنة الماضية اتخذت الحكومة قرار استيراد الأبقار والأغنام، وعندما تم استيراد الأغنام كانت هناك إعانة من الدولة وصلت 500 درهم للرأس، لكن للأسف هذه الإجراءات لم تدم طويلا حيث استمرت من عيد الأضحى إلى رأس السنة، وهذا غير كاف، واليوم ليس لدينا اكتفاء ذاتي، فالبهائم قليلة والأثمنة مرتفعة، فلو اتخذ القرار في 2019 ما كنا لنسقط في هذا المشكل، نافيا أن يكون هناك احتكار من طرف المهنيين الذين ليس من صالحهم أن يستوردوا دون أن يبيعوا بضاعتهم بهدف رفع الأثمان.
وعن التأثير السلبي لدخول خروف “الميرينيوس” الإسباني على القطيع المغربي قال المتحدث إنه ليس هناك أي تأثير سلبي لهذه الفصيلة الأوربية على القطيع المغربي لأن هذا الأخير بدأ في الانقراض، ومن يحتفظ ببعضه هم الكسابة الكبار، وذلك بسبب سنوات الجفاف المتتالية، غير أن هناك نقطة أخرى مهمة تسببت في هذا المشكل الكبير، ويتعلق الأمر بالاتجاه نحو ذبح إناث الأغنام، مما يعني أن الكساب أصبح يبيع كل القطيع بما فيه “الخروفة”، وذلك بسبب غلاء الأعلاف، وهو أمر خطير سيؤدي إلى القضاء على الإنتاج والخلف، لذا على الحكومة والمكتب الوطني للصحة اتخاذ قرار منع ذبح إناث الخرفان… نفس الأمر ينطبق على الأبقار، وهذه القرارات يجب اتخاذها عاجلا، في ظل بعد المسؤولين عن الفلاحين وعن الواقع، وبعدهم عما يروج داخل القطاع ميدانيا واتخاذهم قرارات لا تصب في مصلحة الجميع .
وعن أثمنة اللحوم في سوق الجملة قال إن ثمن الكيلو الواحد بلغ البقر 75 درهما والغنم 120 درهما ما يعني أن الجزار بالتقسيط سيضيف هامش الربح والمصاريف وسيرتفع الثمن إذاك، مؤكدا أن الدولة كانت قد وضعت سقفا لعدد من رؤوس الأغنام التي سيتم استيرادها في السنة الماضية ولكنها لم تستورد كلها بسبب غلائها من مكان استيرادها أو قلة السلعة المعروضة، في المغرب يتم ذبح ما بين 5 إلى 6 ملايين رأس في عيد الأضحى، ونتساءل هنا عن الخلف حيث يلزمنا سنتين من الاستيراد لكي نتمكن من تعويض القطيع الوطني، وهذا
الاختلال في التوازن لم يكن قبلا لأن سياسة الحكومة في هذا الإطار غير سوية فلو أن المسؤولين أنصتوا لنا كمهنيين، ولو أنهم استشارونا منذ 2019 ما كنا لنصل إلى هذه النتيجة وهذه الوضعية المؤسفة، وذكر بما وقع في أوائل التسعينيات بعد منع الاحتفال بعيد الأضحى، آنذاك تم استيراد الأغنام وفي السنة الموالية كان هناك اكتفاء ذاتي، وهذا ما يجب اتباعه حاليا إن أردنا استرجاع القطيع والمحافظة عليه.
وحول بيع بعض الجزارين للحم الغنم بثمن لا يتجاوز خمسين درهما أوضح أن هؤلاء جلبوا النعجة الإسبانية التي انتهت دورة إنتاجها، والتي لم يعد في استطاعتها الإنجاب أو إنتاج الحليب واستوردوها بأبخس الأثمان، لقد أراد الإسبان التخلص منها فاشتراها هؤلاء ليبيعوها للمغاربة مع العلم أن لا فائدة غذائية فيها، وهذا يعتبر غشا، متوجها إلى جمعية حقوق المستهلك لحماية الناس من هذا النصب والغش محملا المسؤولية أيضا للمكتب الوطني للسلامة الصحية الغذائية لأنه، قبل سنوات، كان هناك ثلاثة أنواع من الطوابع : الممتاز والأخضر والعادي الأحمر، ثم الأزرق الخاص بالنعجة والبقرة، غير أنه تم الاستغناء حاليا عن الطابعين الأخضر والأزرق وتم الاحتفاظ بالطابع الأحمر فقط الذي يمهر به جميع أنواع اللحوم دون تمييز، وهذا مشكل يجب حله، كما أن هذا الأمر، يقول،
يدخل ضمن مسؤولية القسم الاقتصادي بالعمالات التي يوجد بها مثل هؤلاء الجزارين الذين عليه مراقبتهم …
اللحوم التي يتم استهلاكها بالدار البيضاء مصدر 50 في المئة منها يأتي من المجازر الحضرية أما الباقي فكله من خارج الدار البيضاء من الأسواق القروية والقليل عن طريق الذبيحة السرية، وهو ما يطرح مشكل الجودة، فبالنسبة للحوم الآتية من مجازر الدار البيضاء، هي ممتازة تخضع لمراقبة صارمة قبلية وبعدية بخلاف اللحوم الأخرى التي تذبح في ظروف غير صحية وغير مراقبة، ومع ذلك يتم توزيعها داخل الدار البيضاء، بكل أريحية، ودون أن يتعرض لها أحد وقد طالبنا، يقول المتحدث، كثيرا بمنع ولوج هذه الشاحنات التي توزع اللحوم وتجلبها من خارج البيضاء لكن دون استجابة من المعنيين لأن هناك لوبيات متخصصة في توزيعها، إضافة إلى نسبة من الذبيحة السرية لكنها قليلة، أما بالنسبة للجزارين فإن 60 في المئة منهم مرتبطون بالمجازر الحضرية التي تصل قدرتها الإنتاجية إلى 75 ألف طن سنويا ولكنها لا تنتج سوى 30ألف طن، هناك تسيب يعرفه هذا الميدان خصوصا أنه كانت هناك دورية من المصلحة البيطرية والقسم الاقتصادي للولاية، والأمن، وممثل المهنيين خاصة بالمراقبة ولكن للأسف هذه الدورية لم يعد لها وجود، ولم تعد تطبق منذ خمس أو أربع سنوات، مطالبا بإيلاء أهمية قصوى لملف اللحوم باعتباره يرتبط بصحة المواطنين وبالأمن الغذائي .
ورغم أن المجازر العصرية للدار البيضاء تمكنت من الحصول على شهادة الايزو لمدة ست سنوات متتالية وهي مجازر عصرية جدا من ناحية النظافة والمراقبة وتعتبر من أحسن المجازر في إفريقيا كلها إلا أن هناك توجه لتنقيلها من مكانها رغم أن الأموال التي تم رصدها لبنائها تجاوزت الملايير (ما يقارب 75 مليارا ) عبارة عن قرض من أبناك إسبانية، وهو قرض لن يكتمل حتى سنة 2030 مؤخرا، وتساءل المتحدث من أين سيأتون بالسيولة لبناء مجازر جديدة؟ مع العلم أن الدار البيضاء غارقة حتى أذنيها في الديون ، وهذا هو العبث، مجزرة لم تكمل تسديد ديونها تدمر وتنقل إلى مكان آخر، نحن ضد تنقيل المجزرة يقول، بسبب أولا تبذير المال وهدر الآليات الموجودة في المجازر الحالية التي لن تعود لها فائدة، وهذا ما يعني رمي المال هباء منثورا ثم هناك مشكل البعد إن تم تنقيلها إلى السوالم أو إلى الخيايطة مما سيزيد من تكلفة اللحم ثم إن نسبة 40 أو 50 في المئة من المهنيين لن يذهبوا إلى تلك المجازر، وهذا ما سيشجع أكثر الذبيحة السرية والذبيحة خارج المدار الحضري !
بُنيت بقرض بلغ 75 مليارا مازال في ذمة البيضاء .. تنقيل المجازر العصرية يثير استغراب المهنيين
الكاتب : خديجة مشتري
بتاريخ : 06/03/2024