تاريخ العبودية، العرق والإسلام 2 : «عن العرق، النوع والعبودية في الخطاب الإسلامي»

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل شمل أيضا العبيد «البيض» المستوردين من الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، وكذلك العبيد العرب الذين كانوا على الأرجح أسرى حرب وغالبا ما كان يتم إطلاق سراحهم مقابل فدية، وهي ممارسة مربحة بين البدو، يرى المؤرخ «أبو الفرج الأصبهاني» (ت 967)، الذي قام بتأليف عمل متعدد الأجزاء عن الشعر والأغاني العربية، أنه: «في عصر ما قبل الإسلام، استعبد العرب أطفالهم المولودين من العبيد الإناث الذين خدموا الرغبات الجنسية لأسيادهم

 

 

… اختلفت القواعد التي تحكم العبودية في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وفقا للعادات القبلية للمجتمعات البدوية والتجارية، وبدلا من قانون العبودية الروماني الأكثر توحيدا، حدثت تعاليم النبي محمد(صلى لله عليه وسلم) (570-632)، خلال فترة انتقالية من التاريخ العربي وخلقت مجتمعا مركزيا، مذكرا أن على المسلمين أن يرجعوا إلى مصدرين فقط لتقرير جميع أمورهم: «القرآن» و«السنة» (تعاليم وممارسات النبي محمد). في ما بعد وفاة النبي، تولى علماء المسلمين مهمة تقديم الاستشارات والقرارات الشرعية باستخدام القرآن والسنة كمصادر أساسية، لذلك تشكلت مدارس «الفكر الفقهي» حول كبار العلماء الأوائل مثل: «أبي حنيفة» (توفي عام 767) و«مالك بن أنس» (توفي عام 796) و»محمد الشافعي» (توفي عام 820) و»أحمد بن حنبل» (توفي عام 855).
أصبحت هذه المدارس تعرف بأسماء هؤلاء العلماء، وبمناهجهم الفقهية ك«الحنفية»و«المالكية»و«الشافعية»و«الحنبلية»، ولاتزال هذه المدارس الأبرز في الممارسة الدينية والفقهية السنية. أما بالنسبة للممارسة الشيعية، فإن النظام القانوني ل«الشيعة الإمامية» (الإثني عشرية) يمثل السكان الشيعة، حيث يعتبر «جعفر بن محمد الصادق» (702-765) مؤسس المذهب الشيعي الإثني عشري.
*إذا ما قول القرآن في العبودية؟
ألهم المسلمون، الذين يسعون إلى تطبيق التعاليم القرآنية على ممارسة العبودية، مؤسسة قانونية موحدة للعبودية. يعتبر القرآن هو السلطة الأصلية والنهائية للإسلام، ويمثل التوجيه الإلهي للمجتمع الإسلامي. لقد تعرض القرآن لتفسيرات عديدة، ليست كلها مفهومة(تنبغي دراية معمقة باللغة العربية)بنفس القدر، لكونه يحتوي على نوعين من الرسائل:بعضها واضح وبديهي (آيات محكمات)وبعضها مجازي (آيات متشابه).
يرى الكاتب أنه:«عندما يقول لله «أن لا أحد غيره يعرف المعنى النهائي الحقيقي للقرآن»، فهذا يعني أن أي شخص يدعي معرفة الحقيقة المطلقة للقرآن، ويحاول فرضها على الآخرين هو في النهاية يحل محل لله، ومن ثم فإن الفعل وعملية التفسير المستمرة منطقية ونتائجها ليست ثابتة أو مغلقة أبدا”. يوضح «محمد أسد» (توفي عام 1992)، وهو مفكر مسلم – بولندي – نمساوي ومترجم للقرآن، ما يلي: «هناك العديد من العبارات في القرآن التي تخضع لأكثر من تفسير واحد – ولكنها مع ذلك – ليست مجازية، تماما كما أن هناك العديد من التعبيرات والمقاطع التي على الرغم من صياغتها المجازية، تكشف للعقل الباحث معنى واحدا ممكنا فقط».
تتطلب الآيات القرآنية عن العبودية، فحصا دقيقا بشكل خاص،يستخدم القرآن بشكل عام، المصطلحات التالية: «الفتيات» (fatayat)، بمعنى «الصبيات»، وهي جمع كلمة»فتاة»؛ «الرقاب» (riqab)جمع لكلمة «الرقبة»؛ «ما ملكت أيمانكم»، بمعنى «ما تمتلكه يدك أو يمينك»، إذ تشير هذه المصطلحات إلى العبيد كممتلكات شخصية.
يتجنب القرآن «عمدا» تسمية الشخص المستعبد باسم «عبد» (pl. ‘abid) وللمؤنث «أمة»(ama)، لأن الكلمتين في القرآن مخصصتان لوصف المطيعين للخالق، ومن هنا جاء استخدام لغة غير مباشرة مثل “ما ملكت أيمانكم” (ما تمتلكه أيديهم اليمنى). من المهم، ملاحظة أن كلمة «عبد» (الجذر ‹.b.d) لها معاني مختلفة، ويكمن الفرق في صيغ الجمع والأسماء في صفة «عبد» والجمع «عباد»، وفي كلمة«عابد» وجمعها «عبيد».
تلفت القواميس العربية الكلاسيكية الانتباه إلى هذه التمييزات، حيث قدم الخبير في المعجم العربي «محمد الزبيدي» (توفي في القاهرة عام 1791)، في قاموسه الضخم «تاج العروس» تفاصيل وافية عن كلمة «عبد» ومشتقاتها المتعددة. يذهب «إدوارد لين» (1801-1876)، وهو باحث و مختص في المعجم البريطاني، إلى أبعد من ذلك ليقول – في معجمه العربي – الإنجليزي – المستند إلى العديد من القواميس العربية الموثوقة مثل «الزابيدي» أنه: «يجب ملاحظة أن عامة الناس، يتفقون في إحداث فرق بين «عبد» و«عباد»، من خلال المعنى الأول ل«العبيد» [والأخير يعني «عباد لله”]»..


الكاتب : ترجمة: المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 13/03/2024