تبني جلالة الملك لمشروع الدولة الاجتماعية منع كل محاولات استغلال شقاء الناس

تأكدت تحليلات الاتحاد خصوصا واليسار الوطني عموما من كون الحل الجدري للوضعية التنموية في المغرب
يمر عبر الدولة الاجتماعية، نريد منك أن تحدثنا عن ملامح هذه الدولة فيي برنامج الاتحاد منذ ربع قرن على الأقل؟

صحيح لقد تأكدت تحليلات الاتحاد ليس فقط في كون الحل الجذري للوضعية التنموية في المغرب يمر عبر الدولة الاجتماعية، بل أساسا في ربط قيام هذه الدولة بالخيار الديمقراطي وتوسيع مجال المشاركة الشعبية الحرة والنزيهة في اختيار من يدبر الشأن العام مع ما يستتبع ذلك من إشاعة ثقافة حقوق الانسان وخلق الانفراج الحقوقي الضروري ضمن مناخ بناء الدولة الاجتماعية المتضامنة
لقد شكل هاجس بناء الدولة الاجتماعية أحد أهم عناوين البرنامج السياسي للاتحاد منذ تأسيسه واستمر هذا الهاجس مع خيار النضال الديمقراطي وهو ما يفسر أن القاعدة الواسعة من مناضلات ومناضلي الاتحاد والعاطفين كانت دائما ولا تزال من الطبقات المتوسطة والمسحوقة والتي بقيت لعقود على هامش كل برامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتي لم يرتفع مؤشر الاهتمام بها بشكل ملحوظ الا مع حكومة التناوب بقيادة أخينا المجاهد عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله وزاد هذا التوجه الاجتماعي للدولة قوة ووضوحا في المسار بتولي جلالة الملك محمد السادس مقاليد الحكم.
وعموما يمكن القول أن هاجس بناء الدولة العادلة المتضامنة بعمق اجتماعي بقي في طليعة البرنامج المجتمعي والسياسي للاتحاد منذ رعيله المؤسس الذي أكد أحد قادته التاريخيين الفقيد عبد الرحيم بوعبيد في رسالته الموجهة الى الشباب « أن النظم الاشتراكية هي الكفيلة وحدها بتلبية رغائب الجماهير الكادحة في الخروج من التخلف وبناء مجتمع انساني عادل وحر» وصولا الى القيادة الحالية بزعامة الأستاذ ادريس لشكر الذي أكد في أرضية ترشحه لقيادة الاتحاد على « أن أخطر ما يتعرض له المغرب اليوم هو سوء تقدير درجة الحرمان ورديفه المتمثل في التطلع للأفضل لذلك يتعين علينا كحزب اشتراكي ديمقراطي أن نضطلع بمهمة صياغة وأجرأة منظومة فكرية وايديولوجية وسياسية تتكون من بدائل مدققة تقطع الطريق على مستغلي شقاء الناس»
وقد شكل تبني جلالة الملك لمشروع الدولة الاجتماعية وانخراطه في تتبع تفاصيل تنفيذه وسبل انجاحه قطعا لكل محاولات استغلال شقاء الناس وفقا لتعبير الأخ الكاتب الأول.

أنت مسؤول نقابي وسياسي وبرلماني، كيف ترى مساهمة الاتحاد وامتداداته النقابية في الدفاع عن الأفق أولا ثم في تنزيله مؤسساتيا وميدانيا ثانيا

أولا وللإنصاف لابد وأن يقر الجميع أن المطالب الاجتماعية بمختلف مستوياتها وتجلياتها في سياق البحث عن ما نسميه اليوم الدولة الاجتماعية في مغرب ما بعد الاستقلال كانت انتاجا صرفا لمدرسة الاتحاد ولمناضلات ومناضلي الاتحاد وعمد الحزب منذ السنوات الأولى للتأسيس على توفير البنيات التنظيمية الحاضنة لهذه المطالب كتنظيمات موازية للحزب حملت هذا المشروع المجتمعي ودبرت آليات تأطير المطالب المرتبطة به وخاضت معارك نضالية بطولية في سبيل الدفاع عن تلك المطالب، وحشدت له الأطر الحزبية والنقابية الحاملة لهذه الرسالة والمعبئة لاعتناقها من لدن أوسع الفئات المجتمعية المعنية بهذا التوجه الإصلاحي، الواجهة البرلمانية في كانت مستوى ثاني مهم سيعرف تطورا ملحوظا بعد رغم التضييقات وأساليب التلاعب بالإرادة الشعبية التي عرفتها الانتخابات آنذاك الا أن الاتحاد عرف كيف يحول فريقه بالبرلمان الى صوت حقيقي للترافع عن القضايا والتطلعات الاجتماعية العادلة للشعب المغربي
لقد كان هذا المسار شاقا لكنه كان مهم في خلق القناعة الجماعية بجدوى الدولة الاجتماعية وبأهمية خلق مناخها المساعد سياسيا واقتصاديا هذه القناعة الجماعية تم تكريسها من طرف جلالة الملك في خطوات متتالية للإصلاح السياسي والدستوري و إقرار المفهوم الجديد للسلطة وفي برامج مجتمعية مهمة انطلقت بإطلاق التغطية الصحية والحوار الاجتماعي مع حكومة التناوب وتكرست عبر الحكومات المتعاقبة من خلال توسيع قاعدة التغطية الصحية وبرنامج راميد لتصل اليوم الى اعلان جلالته عن المشروع الملكي الضخم للحماية الاجتماعية والدعم المباشر، والذي نواكبه بكل اليقظة والحرص الضروريين لإنجاحه باعتباره مشروعا وطنيا بهذا نراهن عليه في خلق مجتمع التضامن والمساوات.

تقتضي الدولة الاجتماعية العمل بالتغطية الاجتماعية وفي صلبها المنظومة الصحية، كيف تعامل الاتحاد والنقابة مع هذا البند الهام في حاضر ومستقبل المغرب؟

كما أشرت سابقا فان التغطية الصحية الاجبارية بالنسبة للأجراء لم تعرف طريقها الى الإقرار الا مع حكومة التناوب وهذا أمر لم يكن غريبا اذا ما تم ربطه بالبرنامج السياسي والاجتماعي الذي رفعه الاتحاد في انتخابات 1997 والتي بوأته صدارة المشهد الانتخابي بعدما تسيد صدارة المشهد السياسي لعقود، هذا الالتزام وهذه الرؤية كان لابد من التدرج في أجرأتها أولا لشح الإمكانيات المادية المتاحة والمغرب آنذاك مهدد بالسكتة القلبية ثانيا لمحدودية الموارد البشرية المؤهلة لإقرار خطوة أكبر في هذا الشأن لا على مستوى الأطباء ولا على مستوى الممرضين والأطر التقنية والإدارية المتخصصة ولذلك كان هاجس تكوين الأطر الوطنية حاضرا وأخذ نصيبه من الاهتمام وفي هذا الشق المهني كان دور النقابة حاسما من خلال انخراطها البناء في إنجاح الحوار الاجتماعي وضمان السلم الاجتماعي الكفيل بتحصين أجواء الإصلاح.
اليوم ومع الشروط العالمية التي أفرزتها أزمة كوفيد 19 زاد الضغط على ضرورة توسيع قاعدة التغطية الصحية وتأهيل الأطر واستقطاب النخب المتخصصة هناك حرب حقيقية في هذا المجال والمغرب كان في صلب هذه المعركة التي انطلقت ابان أزمة كوفيد 19 بمتابعة صارمة لجلالة الملك عبر توسيع العرض الصحي من خلال فتح باب استثمار رؤوس الأموال في المجال الصحي والرفع من الطاقة الاستيعابية للأطر الطبية والشبه طبية وأطر التمريض والتقنيين في القطاعين العام والخاص فضلا على إعطاء جلالة الملك لتعليماته باستقطاب الأطر الطبية الأجنبية وهو الأمر الذي يفرض جعل الوظيفة الصحية في المغرب اليوم أكثر جاذبية وتحفيز على المستوى المادي
تقديرنا لهذه المرحلة وشروط انجاحها هي التي تجعلنا اليوم في صلب دعم المطالب العادلة لشغيلة القطاع الصحي ومتابعا يقضا وأحيانا بحدة لأزمة كليات الطب بالمغرب ليس باعتبارها ملفات فئوية عادلة ومشروعة فحسب، بل لكونها مدخلا مهما من مداخل تطوير العرض الصحي في بلدنا.

ماهي في تقديرك المخاطر التي تتهدد الوصول الى الدولة الاجتماعية كما تتوافق عليها القوى الحية مع الملكية في مغرب المستقبل؟

هناك أخطار عدة تتهدد هذا الحلم الوطني الكبير أولها التوظيف السياسوي الضيق لمشروع وطني كبير لا سبيل لإنجاحه الا بانخراط الجميع وبحرص الجميع على أن يذهب الى مداه ولذلك فإننا نعتبر أن جلالة الملك كان حكيما عندما بادر الى إقرار هذا المشروع سعيا الى جعله مشروعا مجتمعيا من الجميع والى الجميع ولا مجال فيه للمزايدات السياسية ونسبه لهذا الحزب أو ذاك
ثانيا تهديد الخيار الديمقراطي عبر تكريس تغول مؤسساتي يقصي الأصوات المعارضة حتى من حق ابداء الرأي ذلك ـن تعزيز الخيار الديمقراطي ببلدنا وتطوير المشهد السياسي والنقابي وتشجيع المشاركة السياسية في مجتمع ذي بنية شابة يبقى رهانا مضمونا لضمان انخراط أجيال الغذ في إنجاح أوراش اليوم
ثالثا التقلبات السياسية ونعتبر أن الأوراش الاجتماعية الكبرى المرتبطة بإرادة ملكية واضحة وصريحة ودعم مجتمعي قوي لا ينبغي أن تخضع للتقلبات التي قد يعرفها المشهد السياسي وأخص بالذكر هنا قطاعي الصحة والتعليم الذي لابد فيه من نظرة استراتيجية تقطع مع منطق التدبير المتردد الذي طبع مسار مختلف مشاريع الإصلاح التي انتهت الى فشل ذريع يؤدي ثمنه الشعب المغربي جهلا وأمية وبطالة وهشاشة
رابعا فيما يخص الشق المرتبط بالتغطية الصحية والدعم المباشر للأسر هناك تخوف مشروع حول استدامة التمويل وهذه النقطة لطالما اثرناها كحزب عبر مختلف مؤسساته أو كنقابة، اليوم هناك تخوف مشروع حول استدامة تمويل التغطية الصحية والدعم المباشر خاصة مع البطء الذي تعرفه وتيرة الانخراط وتسوية الاشتراكات من طرف مختلف الشرائح الاجتماعية المعنية وهي نقطة لابد من معالجتها أولا بالتوعية والتواصل الجدي بعيدا عن مظاهر البهرجة والشو الإعلامي ثالثا ضمان انخراط القطاع الغير مهيكل والذي الى يومنا هذا ليست هناك رؤية حقيقة وناجعة لضمان انخراط هذه الفئة وتقدير مساهماتها

تزامنا مع هاته التوجهات الاستراتيجية تحضر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كيف تقدر عملها ونتائجها وافاقها المستقبلية؟

حقيقة شكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مبادرة رائدة لمحاربة الفقر و الهشاشة وتحفيز العنصر البشري على الانخراط في مشاريع مدرة للدخل وسواء عبر مراحلها المتعددة أو محاورها المتنوعة ساهمت المبادرة الوطنية الى حد كبير في خلق فرص حقيقية لفئات واسعة من الشعب المغربي ممن لم يستفيدوا من مختلف مشاريع الاستهداف الاجتماعي للفئات المعرضة للفقر والبطالة والهشاشة خاصة في العالم القروي
اليوم وبعد حوالي عشرين سنة على إطلاق هذه المبادرة الرائدة والتي شكلت أحد العناوين البارزة لعهد الملك محمد السادس مازالت لها راهنيتها وأهميتها في الدعم والمواكبة وتحسين شروط عيش الأفراد والجماعات، تطويرها رهين بتقييم شامل وعلمي دقيق لنتائجها وبرصد حاجيات المجتمع وتحديد نقط التدخل أخذا بعين الاعتبار تطور هذه الحاجيات وتطور المجتمع في حد ذاته.

 

 * عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين
الكاتب العام للفدرالية الديموقراطية للشغل…


الكاتب : يوسف ايذي *

  

بتاريخ : 29/07/2024