تترك للقارئ مطلق التأويل وإعادة الكتابة : «ساعي البريد لا يعرف العنوان» للروائي محمد سعيد احجيوج

صدرت حديثا عن دار أكورا للنشر والتوزيع بطنجة، رواية لـ محمد سعيد احجيوج بعنوان «ساعي البريد لا يعرف العنوان».
رواية «ساعي البريد لا يعرف العنوان»، وهي الرابعة في المسيرة الروائية للكاتب المغربي محمد سعيد احجيوج، بعد «ليل طنجة» (2022) التي فاز مخطوطها الأول بجائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة، و»أحجية إدمون عمران المالح» (2020) التي تأهلت إلى القائمة القصيرة لجائزة غسان كنفاني للرواية العربية، و»كافكا في طنجة» (2019) التي تُرجمت فصولها الأولى إلى الإنجليزية، الإيطالية، والعبرية.
من أزقة تطوان إلى مكتب الموساد في تل أبيب ثم الإخفاق الذريع في ليلهامر النرويجية والنادل المغربي القتيل، من بادية طنجة إلى حدائق المندوبية ترحيبا بالملك محمد الخامس إلى هولاندا ثم العودة إلى بؤس طنجة، من دراسة الأدب والترجمة إلى التيه في مستنقعات الزواج وشباك رجال المخابرات، ومن غير ذلك إلى ما هو أكثر تتنوع ثيمات رواية «ساعي البريد لا يعرف العنوان» غير أن بؤرة الأحداث فيها تتركز حول موضوع استغلال رجال المخابرات للمرأة جنسيا، سعيا لتحقيق رغباتهم الذاتية أو أداة لتنفيذ عمليات تجسس رسمية.
نقرأ من افتتاحية الرواية: «اختفت جثة إيزل كما تبخر عدنان من قبل وكل ما يهمك الإسباني القتيل. دع العميل الإسباني جانبا وقل لي أين اختفت إيزل. لكنك تريدني أن أبدأ، مرة أخرى، من البداية، وأكتب كل التفاصيل. حسنا: خلود العمراني هو اسمي، أبتعد حثيثا من الثلاثين نحو سجن الأربعين، مطلقة أو ربما ليس بعد، وكل ما سيأتي محض أكاذيب. جهز لي ما يكفي من أوراق وأقلام واقرأ إن كنت قارئا.»
تحمل مهمةَ سرد الرواية امرأةٌ تجد نفسها في جلسة تحقيق، لا تكشف الرواية عن طبيعتها، ملزمةً باعتراف مفصل غير أنها تبدأ سردها بالتنصيص على نسبية الحقيقة في ما ستعترف به من أكاذيب لتفتح باب التأويلات على مصراعيه، وتمد أفق انتظار القارئ إلى ما لانهاية. لدينا جثة جاسوس إسباني، وامرأة أخرى قتيلة اختفت جثتها، وكذلك شخصية غامضة تبقى طيلة الرواية تتأرجح بين الممكن والخيال، بين الوجود والعدم.
كما هي عادة الكاتب احجيوج في رواياته الأخرى، رغم قصر هذه الرواية إلا أنها غنية بحكايات متداخلة ومسارات تنقل القارئ من مستوى تأويلي إلى آخر، وتمزج بين الواقع والخيال، بين الحاضر والتاريخ، لتبني أمام عيني القارئ شبكة متداخلة من الألغاز تتحدى ذكاءه بالقدر نفسه الذي تمنحه فيه حرية مطلقة في التأويل، وإعادة الكتابة.


بتاريخ : 26/10/2022