الخطوة المقبلة لتقدم الآلة..التعلم التلقائي وطائرات تقود نفسها!

 

 

تتطور في تنافسها مع البشر منذ فوزها على كاسباروف

منذ فوز كمبيوتر «ديب بلو» على بطل الشطرنج غاري كاسباروف في 11 مايو 1997، أثبتت الآلة أنها تستطيع التفوق على البشر في مهام معقدة، لكنها لم تتمكن من مجاراتهم من حيث القدرة على التكيف وتنفيذ مهام متنوعة.
ويقول المتخصص في الذكاء الاصطناعي فيليب روليه لوكالة فرانس برس إن فوز «ديب بلو» شكل حدثا «مدهشا من الناحية الثقافية» لكنه «كان مجرد نجاح جيد من الجانب التكنولوجي».
ويوضح المشارك في تأسيس «أرتيفاكت»، وهي شركة متخصصة في الاستشارات والتطوير التكنولوجي في هذا المجال يعمل فيها 800 موظف، أن نجاح «ديب بلو» لم يمث لضمنيا سوى فوز لـ»القوة المتوحشة».
وتحقق الآلة نجاحات في الشطرنج بفضل قوتها الحاسوبية الهائلة التي تتيح لها تحديد كل الاحتمالات المرتبطة بتطورات اللعب خلال مبارة، واستنتاج النقلات التي تتيح الفوز.
لكن الثورة الفعلية تتمثل في ما يتم تطويره حاليا داخل المختبرات والذي يشمل التعلم الآلي (أو التلقائي) والشبكات العصبية الاصطناعية التي أحرزت تقدما كبيرا للذكاء الاصطناعي خلال العقد الفائت.
وفي حين أتقن «ديب بلو» لعبة الشطرنج بفضل بنية كاملة من القواعد المنطقية طو رها البشر فيه، تتولى الآلات الجديدة بنفسها وضع قواعدها الخاصة ضمن فترة تعل م تستوعب خلالها كميات هائلة من البيانات.
ويقول فيليب روليه إن ما يحدث يشكل «انتقالا من البرمجة المفروضة إلى البرمجة بالتعلم».
وتأثير البرمجة بالتعلم في الألعاب بالغ الأهمية، إذ ألحقت الخوارزمية «ألفاغو» التابعة لشركة «ديب مايند» والقائمة على التعل م الآلي الهزيمة عام 2017 بأفضل لاعب في العالم، الصيني كي جي.
وأوضح النائب الفرنسي وعالم الرياضيات سيدريك فيلاني الذي أعد تقريرا تأسيسيا عن الذكاء الاصطناعي عام 2018 أن الهزيمة التي ألحقت بالبشر جراء ابتكار «ألفاغو» برهنت أن «الإنسان أقل براعة مما كان يعتقد. وتبين أن بعض تفاصيل الخوارزمية التي اعتقد بداية أنها كانت بمثابة أخطاء أولية تشكل في الواقع إنجازات مهمة جدا».

إلحاق الهزيمة في البوكر

وأكدت الشركة الفرنسية الناشئة «نوكاي» أخيرا أن الآلات أصبحت قادرة حاليا حتى على إلحاق الهزيمة بالبشر ضمن ألعاب موجودة في عوالم غامضة مثل لعبتي البوكر والبريدج.
وتتخطى هذه التطورات البالغة الأهمية عالم الألعاب إذ لم يعد أمام الجهاز إنجازات كثيرة لتحقيقها.
ويشير رئيس الأبحاث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي لدى شركة «ميتا» وأحد أبرز مؤسسي الذكاء الاصطناعي الحديث يان لوكون لوكالة فرانس برس إلى أن الذكاء الاصطناعي حقق خلال السنوات الفائتة «تقدما مذهلا شكل مفاجأة كبيرة» له.
ويضيف «نحن قادرون حاليا» على السماح لإحدى الآلات «بترجمة أي لغة إلى أخرى ضمن مجموعة تضم مئتي لغة» أو «الحصول على شبكة عصبية واحدة تحوي نحو مئة لغة». لكن الآلات لا تزال تصطدم بعقبات.
ويتابع «إن إمكانية إجراء حوار ممتع مع GPT3، وهو منشئ نصوص طو رته شركة «أوبن آي أي» الناشئة لصاحبها الملياردير إيلون ماسك، لا تعني أن البرنامج «سيوفر مساعدة لنا في الحياة اليومية».
ويرى يان لوكون أن الخطوة الناقصة في تطوير هذا المساعد الافتراضي وفي تصنيع سيارة مستقلة فعليا ، تتمثل في الوصول إلى «أسلوب تعلم ذاتي شامل».
ويضيف «كنا نضع جهاز الكمبيوتر أمام مئتي ساعة من عرض مقاطع الفيديو، ليتوصل من خلال هذه الخطوة إلى نوع من «فهم العالم» و»حسن الإدراك»، وهذا ما يسمح له بعد ذلك في الوصول إلى قدرات تعلم «شبيهة بتلك التي نلاحظها لدى الحيوانات والبشر».
ويعرب الباحث عن اقتناعه بأن الآلات ستصل يوما ما إلى «قدرة واسعة على التعلم، وستكون قادرة على تعلم كل ما يتعل مه البشر، مع تمتع بقدرات فائقة في معظم الحالات». ويضيف «لكن متى سنصل إلى هذه المرحلة؟ إن الجواب غير واضح».

طائرات كهربائية ذاتية القيادة

وقد يكون مشهد طائرات كهربائية صغيرة يقودها الذكاء الاصطناعي، تنقل الركاب من محطة «إقلاع عمودي» إلى أخرى، وتتقاطع في أجواء المدن، من قبيل الخيال العلمي ليس إلا في الوقت الراهن، لكن شركات سيليكون فالي تطمح إلى جعله واقعا فعليا خلال عشر سنوات.
وقال المؤسس البلجيكي لشركة «إكس وينغ» الناشئة المتخصصة في تقنيات الطيران الذاتي مارك بييت «سنرى ظهور شبكات من مركبات الأجرة الجوية الكهربائية، سواء أكانت مناطقية أو مخصصة للمسافات الطويلة. سيتغير المشهد كثيرا».
وتستعد شركات عدة في كاليفورنيا لمستقبل قطاع النقل هذا الذي يكفل حلولا للاختناقات المرورية والتلوث.
في حظيرة طائرات في كونكورد بمنطقة خليج سان فرانسيسكو ، تركز «إكس وينغ» على تمكين أي طائرة بمحرك أو طائرة شراعية أو طائرة عمودية الإقلاع والهبوط، سواء أكانت تعمل بالوقود الأحفوري أو بالطاقة الكهربائية ، من أن تسير وتقع وتطير وتهبط بصورة ذاتية، ومن التحدث مع الركاب في الوقت نفسه.
فعندما جلس راين أولسون في قمرة القيادة استعدادا لرحلة لا يلمس فيها لوحة القيادة أو عصا التحكم، بادره صوت أنثوي بالقول إن «نظام الطيار الآلي أطلق».
وبدا أولسون أشبه بمدرب مع تلميذ متقدم، وشبه الطائرة بأنها «تلميذة جيدة، على عكس البشر الذين يتصرفون في كل مرة بشكل مختلف».
وباتت طائرة «سيسنا كارافان» المجهزة بكاميرات وخوادم ورادارات وسواها من المستشعرات، قادرة على الطيران الذاتي في حال كان الطقس جيدا ، لكن «إكس وينغ» تعمل على تمكينها من ذلك حتى في ظل سوء الأحوال الجوية.
واعتبرت نائبة رئيس شركة أخرى هي «آرتشر» لويز بريستو أن «حصول حادث أمر سيئ للصناعة بأكملها(…) لكن الاختبارات مخصصة لهذا الغرض».
وتبدو طائرات «آرتشر» و»جوبي» أشبه بمروحيات ولكن بجناح واحد ومراوح متعددة. وتأمل الشركتان في إطلاق أولى خدمات سيارات الأجرة الجوية بحلول نهاية سنة 2024 على أن يتولى طيارون قيادتها. اما شركة «ويسك آييرو» الناشئة لـ»بوينغ» ولاري بايج (المؤسس المشارك لشركة «غوغل») فيعملان على توفير طائرة عمودية الإقلاع والهبوط من دون طيار.
وتلقت «آرتشر» طلبا مسبقا من «يونايتد إيرلاينز» لشراء 200 مركبة وتعتزم البدء من لوس أنجليس وميامي.
وقالت لويز بريستو «نحن نبني أوبر الجو».
وقدرت بعشر سنوات الوقت اللازم «لكي تتوافر في الخدمة طائرات كافية، ولكي يعتاد الناس على التنقل بهذه الطريقة، ولكي يصبح الفارق ملموسا « في المدن.
ولاحظ استشاري طرق التنقل الجوي الجديدة سكوت درينان أن هذه الرؤى التي كانت تنتمي إلى الخيال، في طريقها إلى التحول واقعا بفضل تقاطع ثلاث تقنيات: الطاقة الكهربائية، والقدرات المعلوماتية وأنظمة القيادة الذاتية.

«مطارات عمودية»

ولكن مع أن التكنولوجيا تسير في الطريق الصحيح ، تواجه الشركات تحديين رئيسيين: البنية التحتية والحصول على الموافقات. وإذ أكد الخبير أن السلطات ليست رافضة للفكرة، فإن الحصول على موافقتها «يستغرق وقتا أطول مما يعتقد».
كذلك ينبغي إقامة «مطارات عمودية» و»واجهة رقمية لإدارة الحركة الجوية وتواصل المركبات في ما بينها».
وثمة أسباب عدة جعلت «إكس وينغ» تختار البدء بالقيادة الذاتية.
وقال مارك بييت «لقد أخذنا طائرة موجودة ومعروفة. أجرينا الحد الأدنى من التعديلات لتحويلها طائرة مستقلة والحصول على الموافقة لتسييرها، ومن ثم يمكننا استكشاف تطبيقات أخرى».
ويفترض بتسيير طائرات من دون طيار أن يتيح خفض الأكلاف وتلبية الطلب في المناطق التي لا يمكن توفير الخدمة الكافية لها، ليس لكونها تفتقر إلى المطارات والطائرات بل إلى القوى العاملة.
وتخطط الشركة الناشئة لتوفير طائرات ذاتية القيادة مخصصة لنقل البضائع أولا ، سعيا إلى الشروع في غضون عامين في استخدامها في نقل السلع التجارية، قبل البدء باستخدامها لنقل الركاب.
ويدرك صاحب الشركة أنه سيواجه مقاومة لكنه مقتنع بأن هذه الرحلات ستكون أكثر أمانا.
وأشار إلى أن «الغالبية العظمى من حوادث الطيران ناتجة من خطأ بشري» ، مذكرا بأن تقنيات الطيار الآلي «تتيح أصلا للناس إلى حد كبير الطيران بمفردهم».
وشرح أن القيادة الذاتية «أبسط» في الجو، حيث تكون البيئة تحت السيطرة المستمرة أكثر مما هي على الطرق البرية.
ولكن ماذا لو تمكن قراصنة كمبيوتر من التحكم بالطائرات الذاتية القيادة عن بعد؟ أجاب مارك بييت بأن التقنية التي صممتها الشركة «تجعل الطائرة تمتنع عن الامتثال للأوامر الخطرة».
وأشار إلى أن الناس كانوا بعد اختراع المصاعد «يخافون كثيرا من استخدامها من دون وجود موظف يتولى تشغيلها (…) أما اليوم فيكفي الضغط على الزر من دون طرح أسئلة. سيحصل الأمر نفسه في ما يتعلق بالطيران».


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 11/05/2022