تداولت الفلسفة مند البدايات الأولى فلسفة الجمال، ونظر العديد من الفلاسفة لهذه الفلسفة، ولسنا هنا بمعرض استحضار وجهات النظر، وإنما نبتغي التطرق لإمداد الطفل بالقيم الجمالية. فالحياة لحظات نستشعر فيها أحيانا الجمال، ويتسرب إلينا احساس جميل، فندرك كنه إنسانيتنا.
ولا غرابة مما أصبحنا نعيشه اليوم من الرداءة والسخافة. فأمسينا نخاف على أطفال اليوم من الغد، فكل ما يتلقاء الطفل عبر مؤسسة الأسرة والمدرسة وكذا الشارع، ووسائل الإعلام… هو ما سيكون عليه في المستقبل. ومع انتشار التفاهة والسخافة،والعنف والفكر المتطرف، والتفكير الأحادي البعد، كان لزاما علينا التدخل، والوقوف عند هذه اللحظة من أجل المستقبل.ونطرح العديد من الاسئلة، كأن نقول مثلا: كيف يمكن لأطفالنا استيعاب ومحاصرة العديد من الصور والمواقف والمفاهيم التي تغدي علبته السوداء، التي تتحكم في مشاعره حاليا، وفي سلوكه مستقبلا؟
من وجوه الإجابة عن هذا السؤال، هو ضرورة تغدية تنمية الوعي /الرؤية / الحس الجمالي عند الطفل.كيف ذلك؟ كلنا ندرك أهمية استشعار الجمال وتذوقه من مصادر متعددة، نذكر منها الجمال في الطبيعة، السماء والنجوم،والبحاروالأمواج، الثلوج والقمم، وغروب وشروق الشمس… وكذاجمال الكائنات كروعة الإنسان والحيوانات وسحر النبات… والجمال في الفنون المختلفة إنطلاقا من قطعة موسيقية، مرورا بالرسم وعالم الألوان… ومشاهدة فلم أو مسرحية وتذوق قصيدة شعرية أو نص أدبية، وكذلك إدراك جماليات العلوم… جمالية الوجود.
نكاد نجزم أنه كلما ارتقينا بالحس الجمالي عند الطفل، كلما قمنا بحل العديد من المشاكل التي يعيشها الإنسان المعاصر، للفنون قوة خارقة بالسمو بالإنسان إلى مصاف الكمال، والترفع عن كل المساوئ التي تؤدي إلى الندم، والابتعاد عن القبيح.
جوهر الفن هو الجمال، إذ يجمع الشعور والإحساس والعاطفة والعقل في لحظة واحدة، ويمكننا أن نربي أطفالنا على هذه الاحاسيس والمشاعر، والقيم الجمالية، انطلاقا مما يتلقاه في المدرسة والاسرة ووسائل الاعلام. في المدرسةمن الضروري دعم مواد التفتح، فالدروس الأولى للتفتح الفني،خلال التعرف على الألوان الأساسية والثانوية، ومزج الالوان والحصول على ألوان أخرى، يمكننا نمرر رسالة أن الاختلاف وارد من الضروري التعايش مع الأخر، إضافة على تنمية الذوق، وهناك ألوان عدة للتعبير عن الذات بطرق عدة، كل ولونه المفضل.
من خلال القصائد الشعرية يمكن أن نغوص بالطفل في عوالم متعددة، فيدرك رحابة الوجود، فينمي لذيه ملكة التذوق، ويتعرف على الصور الشعرية وطرق التعبير، باللغة الشاعرية والمجازية، والتغني بالطبيعة… فيعبر بكل حرية وبلا قيود.
ولا يمكننا أن نقلل مما يعكسه المسرح على شخصية الطفل، سواء بمشاهدته، أو ممارسته على الركح، وقد أظهر التجارب أنه ينمي الرصيد اللغوي ويقوي التعبير الجسدي، مما يذكي الذكاء الاجتماعي، فنحصل على مواطن سوي، يتجاوب مع جميع أحداث عالمه.
الأنشودة لها وقع كبير على شخصية الطفل من الناحية النفسية والاجتماعية، والإندماج مع الأقران، وتقوية الأذن الموسيقية، وتنشط الذاكرة ومن خلالها يتعلم بشكل سلس، فننمي مجموعة من الأحاسيس الجيدة. وعلى الأسرة تعزيز كل هذه القيم الايجابية الجمالية بالمواظبة مثلا على مشاهدة المسرح…
الحس الجمالي يؤدي بشكل ملموس إلى الإبداع،وتهذيب النفس، والحماس والفعالية، إضافة إلى الإحساس بالغير، وإدراك ثقافة الاختلاف والتعايش، فعلينا أن نراجع كل ما يشاهده أطفالنا من مواد إعلامية وبرامج تلفزية، فلها قوة التأثير في توجههم، والذي في الغالب بعميلة التسطيح يؤدي إلى تكوين إنسان نمطي إستهلاكي.
نكون قد نجحنا في تصورنا حين يقبل الطفل على الجماليات، ويترفع على القبيح والرديء، طفل يواظب مستقبلا على زيارة السينما، والتردد على المتاحف، وزيارةالمعارض الفنية، والإقبال على الأمسيات الأدبية والشعرية، ويدلو بدلوه في المجال الفكري…
تربية الحس الجمالي لدى الطفل
الكاتب : ذ/توفيق الراوي
بتاريخ : 12/04/2017