تطبيقات اللايف: ترفيه رمضاني أم سعي محموم لجمع الهدايا والمال؟

ما إن يحل «سيدنا رمضان»، الضيف العزيز على القلوب، حتى يخفت بريق عادات ومهن لصالح أخرى، وليست جميع هذه العادات أو الحرف موسمية، غير أنها تنشط أكثر خلال ليالي الشهر الفضيل، وهي لا تقتصر على المغرب فقط، بل على جميع الدول العربية، ولا ترتبط بنمط المأكل أو الملبس، وإنما بطقوس الترفيه والربح ، من خلال التطبيقات الإلكترونية، والتي تجمع بين الترفيه وتوفير الدخل المادي، والتي زاد الإقبال عليها تزامنا مع فرض حظر التجول ليلا، لعامين على التوالي خلال شهر رمضان بسبب تداعيات جائحة كوونا، هذه التطبيقات التي عوضت ليالي السمر بالأحياء والمقاهي تستمر هذه السنة في تسجيل نسب اقبال واسعة بالموازاة مع ما سبق من أنشطة، في إطار فتح ساعات التجول، لتتساوى أسباب استخدامها بين الرغبة في الترفيه و بين الحاجة إلى المال.

 

ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من تطبيقات المحادثات، مثل salsa» «bigo live» «loups» «sugo وغيرها، والتي تبدو من الوهلة الأولى على أنها وسائل ترفيهية، للتعارف والتسلية وتبادل الآراء، شأنها في ذلك شأن الفايسبوك أو الانستغرام…، غير أن هذه الأخيرة تختلف نوعا ما، بحيث أنها بالموازاة مع توفيرها جوا من التسلية، وإتاحة الفرص أمام التعارف الاجتماعي، فهي من الممكن أن تفتح بيوتا، وتوفر دخلا لمستخدميها قد يصل إلى مبالغ طائلة شهريا، عن طريق الدعم بالهدايا، لاسيما خلال شهر رمضان بحيث يكون الربح مضاعفا .
وترتبط هذه التطبيقات بمفردات هجينة لم نكن نعرفها من قبل، يتم تداولها بعروض العمل على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل ‹المشرفة› ‹الوكيل» و«الداعمين» و«المضيف(ة)»، بحيث تكون فيها هذه الأطراف الأربعة جزءا من العملية الربحية، وذلك دون الحاجة إلى شواهد أو دبلومات، وغالب الأحيان راعيات هذه الإعلانات من النساء، فما إن يستوفين العدد المرغوب فيه، حتى ينشئن مجموعة على الواتساب، ليشرحن للراغبين والراغبات كيفية العمل وقيمة الأرباح المحصل عليها، والمطلوب هو قضاء ساعات تحددها كل وكالة على حدة، على كل مضيفة أو مضيف أن يقضيها أمام هاتفه من بيته، وهو يحادث الناس من مختلف الجنسيات، أو يستعرض مواهبه الفنية أمامهم، بالطرق التي تشرحها المشرفات، سواء بواسطة الفيديو أو الصوت والرسائل، وتختلف سياسة كل تطبيق عن الآخر، بحيث هناك تطبيقات يقبلن فقط الفتيات ويطلبن منهن أشياء معينة، من أجل استمرار المحادثة أكبر عدد ممكن من الدقائق، والحصول على أكبر عدد من الهدايا «الكوينزات « التي تتحول إلى مبالغ مالية تتقاضاها هؤلاء الفتيات كل شهر، وهناك تطبيقات أخرى توازي بين حضور الشباب والبنات كمضيفين دون أي شروط، ويكتفى بإبراز المواهب أمام الداعمين أو الدخول في محادثات عامة، هذه الأنشطة يتزايد الإقبال عليها خلال الليالي الرمضانية، وفي هذا الصدد تقول جواهر (28سنة) من مدينة فاس – اسم مستعار «حنا كنخدموا فرمضان، بالليل و حتى بالنهار، ولكن بالاحترام، كندير 4 السوايع كل نهار وكناخد عليهم الدعم من عند الوكيل واخا ما يرميوش عليا الهدايا، تقريبا 500 درهم، و كنتكلم غير مع الناس اللي كيحتارموني، أما كاين بنات إللي كيبقاو مدة طويلة فالتطبيق وكيديروا الخاطر للداعمين كيربحوا حتال 4000 و5000 درهم في الشهر».

عمل غير مرخص في رمضان

أغلب التطبيقات المخصصة للدردشة، يعود إنشاؤها إلى الصين ودول شرق آسيا، وتضمن وجود الفتيات والشباب العرب بواسطة الوكلاء، مراعية الخصائص الثقافية لهذه الشعوب، بحيث تضاعف المكاسب خلال رمضان، وتستخدم أيقونات دينية باللغة العربية، كما تلعب على وتر المصاريف التي تزداد خلال هذا الشهر لتستقطب أكبر عدد من المحتاجين ماديا، فيقوم أشخاص من مختلف الجنسيات العربية بإنشاء وكالات بعد التواصل مع إدارة التطبيق، وإنشاء وكالة لا يتطلب سجل تجاري أو بطاقة ضريبية أو عقد تأسيس، بل يعمل بنظام الشحن، أي يتوجب على الوكيل أن يشحن الكوينزات عن طريق حسابه البنكي، وبعدها يبحث عن الذين سوف يشتغلون معه، لاستثمارها، وهنا يأتي دور المشرفات اللواتي يقمن باستقطاب ولعب دور الوساطة وشرح طرق العمل، للمضيفين والمضيفات، الذين ينشطون مقابل الدعم، والداعمون هم أناس يشترون هدايا عبارة عن رموز، كل رمز منها يساوي عددا معينا من النقط، وكلما زاد عدد النقط المحصل عليها، زاد عدد الدخل، وتختلف أغراض إنشاء هذه الوكالات من وكيل لآخر، كما تختلف نوايا هؤلاء الداعمين، فمنهم من ينشئها للربح بالدرجة الأولى، وإن كانت شروط العمل مخلة بالأخلاق، وهناك من يجعلها وسيلة للتبرع، لاسيما بين صفوف السوريين، و غالبا في التطبيقات التي يكون فيها الدعم متبادلا، أثناء الفقرات التي تقدم سواء للغناء، الشعر والأبراج أو المسابقات الثقافية، و يقول بلال 29 سنة وهو سوري يقطن بالولايات المتحدة الأمريكية : «أنا فتحت الوكالة منذ أزيد من أربع سنوات بهدف مساعدة الحالات الحرجة ببلدي ودعم المحتاجين منهم و لست الوحيد فهناك العديد من السوريين خارج البلد يخصصون مبالغ عن طريق هذه التطبيقات كتبرعات شهرية لاسيما بشهر رمضان الكريم».

وسيلة للترفيه والتسلية المربحة

يلجأ العديد إلى تطبيقات اللايف للترفيه والتسلية خلال الأمسيات الرمضانية، وهي تسلية تكلف الشحن لأجل تلبية طلبات المضيفات في الحصول على الهدايا والدعم، الذي يخول لهن الحصول على أجورهن، فهناك تطبيقات لا تسمح للرجال بولوجها دون شحن الهدايا، مع أنه ليس دائما الغرض من ولوج هذه الأخيرة يكون فقط لأجل الدردشة المدفوعة الثمن، بل من أجل ألعاب الحظ المربحة كالبوكير…، التي صارت تستقطب مختلف الأعمار وجميع الجنسيات. حسب تصريح أحمد 40 سنة من مدينة الدار البيضاء: «بقاات فيا هاذ البلية من ايام الحجر الصحي، كندخل نتكلم مع الناس وكنتعاون مع البنات اللي خدامين تما وبصراحة ماكيعجبنيش الحال نشوف بنات بلادي فهاذ التطبيقات، واخا ماشي كلهم سلوكهم خايب فيهم بنات الناس محترمات ومحتاجين الخدمة ولكن مالقاوش المساعدة».

اختيار أم اضطرار

تتعدد أسباب التحاق الشابات والشباب بهذه التطبيقات، فمنهم من يعتبرها فرصة للظهور والشهرة، وأحيانا لإبراز المواهب التي لا يساعد الوسط الذي يعيشون فيه على إبرازها، في ظل غياب لغة الحوار بين الآباء وأبنائهم، وتكون هذه التطبيقات في كثير من الأحيان مصدرا لكسب لقمة العيش لاسيما للواتي يعشن بالمدن الصغيرة، وظروفهن المادية قاسية، أو للواتي يعشن في بيئة محافظة ولا يقدرن على مغادرة بيوتهن للعمل، وأحيانا أخرى من أجل الكسب السهل الذي توفره هذه التطبيقات الافتراضية إذ يعتبرها البعض توفر المكاسب، بشكل يسير مقارنة بالعمل على أرض الواقع، وتقول في هذا الصدد سارة – 23 سنة من مدينة طنجة: «خديت الدبلوم ديالي العام اللي فات فالسكرتارية وقلبت حتى عييت، ومالقيتش خدمة، وحتى ملي كنلقى كلشي كيبغي غير يحرث عليك، حتال واحد النهار شفت الإعلان ديال هاذشي فالفايسبوك وتكلمت مع السيدة و بديت معهم، كنربح منه مزيان وكيبقى لي الوقت فين نخرج مع صحباتي، المهم كنعدي به بينما لقيت شي خدمة».
وتضيف سعاد- اسم مستعار 30 سنة من مدينة خريبكة: «مالقيتش خدمة نهائيا فمدينتي، حتى الميناج كنخدم فيه نهار آه و10 لا و انا عندي بنت ماكيصرفش عليها باها، واخا مكنربحش منه مزيان ولكن إللي جبته راه ربح».

المخاطر الجانبية

عند تواصل الجريدة مع مجموعة من الناشطين على هذه التطبيقات، وجدنا أنها لا تتسم بالتجاوزات ظاهريا، بحيث أن البعض منها توهم المضيفة بأنه سيتم حظر كل عميل يتجاوز حدود اللياقة والاحترام، وعند البدء في العمل تتفاجأ بأن كل المرتادين على التطبيق الذي تشتغل فيه من نفس العينة، و أن باقي المضيفات يقبل بشكل عادي ضمانا لتجميع أكبر عدد من الهدايا، مما يدفع أغلب الفتيات إلى الانسحاب، وأحيانا تتعهد الوكالات بأن العمل سيتم في سرية تامة، غير أنه يتم فيما بعد نشر مقاطع فيديوات مسربة، يتم نشرها من طرف الداعمين و الوكلاء على موقع اليوتيوب للحصول على نسب مشاهدة عالية، ناهيك عن التطبيقات التي تخترق الهواتف التي تحمل عليها، وتنفذ إلى البيانات الشخصية من صور وغيرها، ويحدث كل هذا في إطار غياب ثقافة التعامل مع المعلوميات وانعدام دراسات توعوية حول التأثير السلبي للتكنولوجيا لاسيما بين صفوف المراهقين.
صحيح أن الشرطة الإلكترونية في المغرب لها دور كبير في عقوبة الجرائم التي ترتكب عن طريق الإنترنيت، ولا سيما جرائم التهديد والابتزاز والتشهير، والسب والقذف… غير أنه لم يعاقب لحد الساعة أي مضيف أو مضيفة على أحد اللايفات المخلة بالأخلاق، بخلاف مصر التي تعتبر هذا النوع من العمل اتجارا في البشر، وقد تم اصدار أحكام وصلت إلى 10 سنوات في حق إحدى الشابة «حنين حسام» التي قامت بإنشاء وكالة على أحد التطبيقات، وعملت على الترويج لها، ليبقى السؤال مطروحا، في ظل هذا الصمت حول هذه الظاهرة، هل في يوم من الأيام ستنتقل هذه التطبيقات في المغرب من وسيلة للترفيه إلى قطاع للعمل غير المهيكل، وهل تمكنت من تجميع ما فرقته الحدود الجغرافية بين الدول العربية؟ فإن اختلفت العادات والتقاليد فالتطبيقات وحدت أنماط الكسب المالي.
(*) صحفية متدربة


الكاتب : سلوى جطاري (*)

  

بتاريخ : 23/04/2022