في خطوة استباقية واستجابة لتزايد التهديدات الصحية المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة، نظمت المديرية الجهوية للصحة والحماية الاجتماعية بجهة بني ملال خنيفرة، لقاء جهويا توعويا وتواصليا، تحت شعار «لنحمي أنفسنا من التسمم بلدغات الأفاعي والعقارب»، وذلك في إطار مخططها الجهوي للتواصل، وبتنسيق مع المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية، وبدعم من عمالة إقليم خنيفرة.
اللقاء الذي احتضنته قاعة الاجتماعات الكبرى بمقر عمالة الإقليم، ترأسه الكاتب العام للعمالة، بحضور المدير الجهوي والمندوب الإقليمي للصحة والحماية الاجتماعية، وممثلين عن المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية، ومدير المستشفى الإقليمي بخنيفرة، إلى جانب أطر صحية وطبية جهوية، وشركاء مؤسساتيين، ومنتخبين، وممثلين عن المجتمع المدني، وعدد من الفاعلين الترابيين المهتمين بالصحة والبيئة. ويأتي تنظيم هذا اللقاء التواصلي في ظرفية استثنائية تشهد فيها بلادنا موجة حر غير مسبوقة، ساهمت في ارتفاع حالات الإصابة بلسعات العقارب ولدغات الأفاعي، خاصة في المناطق القروية والجافة والنائية، وتعد جهة بني ملال خنيفرة من بين الجهات الأكثر عرضة لهذه الظاهرة، بالنظر لطبيعتها المناخية والبيئية، وتوزيعها السكاني المرتكز على الفلاحة والمجال الغابوي، حيث تزداد فرص التعرض لهذه الأخطار خلال فصل الصيف.
ويشكل اللقاء جزء من الأسبوع الوطني الذي أطلقته وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، والمخصص للتحسيس بمخاطر التسمم الناتج عن لسعات العقارب ولدغات الأفاعي، والذي تسعى من خلاله إلى الرفع من الوعي المجتمعي بمخاطر هذه الإصابات، وإبراز سبل الوقاية منها والتكفل العلاجي الفوري، تفاديا للمضاعفات الخطيرة التي قد تصل حد الوفاة، خاصة في صفوف الأطفال والمسنين. وقد تضمن اللقاء تقديم عروض علمية دقيقة، من بينها عرض للمدير الجهوي للصحة والحماية الاجتماعية حول الوضعية الوبائية بجهة بني ملال خنيفرة، وعرض ممثل المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية، حول الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التسممات، أبرزت في مجملها معطيات دقيقة عن مدى انتشار هذه الإصابات ومخاطرها على الصحة العامة.
ومن خلال ما تم عرضه، تم تسجيل على الصعيد الوطني حوالي 25 ألف حالة سنويا من التسممات الناتجة عن لسعات العقارب، ونحو 200 حالة لدغات أفاعٍ، مع تفاوت كبير في التوزيع الجغرافي حسب المناخ وطبيعة المناطق، وتعد المناطق الجافة وشبه الجافة الأكثر عرضة، فيما تشكل جهة بني ملال خنيفرة بؤرة حساسة بالنظر إلى خصوصيتها الجغرافية والبيئية.، حيث تم على مستواها خلال سنة 2024 تسجيل 3823 حالة لسعة عقرب، بمعدل جهوي بلغ 139 لسعة لكل 100 ألف نسمة، وبلغت نسبة الأطفال دون 15 سنة منها حوالي 27 %، ما يعكس الهشاشة الصحية لهذه الفئة، فيما تم تسجيل حالتي وفاة بسبب لسعات العقارب، وبخصوص لدغات الأفاعي، فقد تم تسجيل 38 حالة، نتج عنها أربع وفيات، كلها بإقليم خنيفرة،. وفي المقابل، لم تسجل أي حالة وفاة خلال النصف الأول من سنة 2025.
وخلال ذات اللقاء، تم التأكيد على تطور الاستراتيجيات الوطنية في التعامل مع هذه الظاهرة، حيث تم التخلي منذ سنة 2001 عن استعمال المصل المضاد لسم العقارب، بعد أن أثبتت الدراسات العلمية الوطنية والدولية عدم فعاليته، بل وتسببه في مضاعفات صحية خطيرة، وهو ما أيدته منظمة الصحة العالمية، وعززته بلاغات رسمية سابقة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية. في المقابل، تعتمد الاستراتيجية الوطنية حاليا على مصل فعال مضاد لسم الأفاعي، خاص بالأنواع المنتشرة في التراب الوطني، حيث تقوم المديرية الجهوية بتوزيعه بشكل سنوي على الأقاليم المعنية، بناء على خريطة المخاطر، وتتوفر حالياً على كميات كافية منه في مختلف المؤسسات الاستشفائية الجهوية، لضمان التكفل العلاجي الفوري بالحالات الطارئة.
وقد شددت مداخلات الأطر الصحية المشاركة في اللقاء التواصلي على أهمية تعزيز التنسيق بين كافة المتدخلين، من سلطات محلية، وجماعات ترابية، وجمعيات المجتمع المدني، لتكثيف الحملات التحسيسية، وتوفير التوعية الكافية للسكان في المناطق المعنية، من أجل تفادي تكرار الحالات المأساوية التي يكون ضحيتها في الغالب أطفال أو أشخاص في وضعية هشاشة. ودعت المديرية الجهوية للصحة عموم المواطنات والمواطنين إلى اتباع عدد من التدابير الوقائية البسيطة، وشددت على ضرورة التوجه الفوري إلى أقرب مؤسسة صحية في حال حدوث لسعة أو لدغة، وتجنب كليا اللجوء إلى الأساليب التقليدية مثل الكي أو بتر العضو المصاب أو استعمال الأعشاب، لما تشكله من تهديد إضافي للحياة، مع تطوير وتعزيز آليات اليقظة المجتمعية، وإرساء ثقافة الوقاية.
وفي سياق متصل، فات لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، خلال الأيام الأخيرة، أن أكدت أن المغرب يعد من بين الدول الأكثر تنوعا بيولوجيا في أنواع العقارب، وفقًا لما أكدته الدراسات الوبائية الوطنية، فقد تم إلى حدود اليوم إحصاء حوالي 50 نوعا مختلفًا من العقارب، منها ما لا يقل عن 20 نوعا سامة تشكل تهديدا مباشرا وخطيرا على صحة الإنسان، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وانتشارها في الأوساط القروية. وأفادت الوزارة أن النسبة الساحقة من لسعات العقارب تسجل بالمناطق القروية والجبلية خلال الفترة الصيفية، الممتدة بين شهري ماي وشتنبر، مما يعزز الطابع الموسمي لهذه الإصابات ويضاعف من المخاطر الصحية المصاحبة لها، أبرزت الوزارة أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و15 سنة يمثلون الفئة الأكثر هشاشة في مواجهة هذه السموم، نظراً لصغر بنيتهم الجسمية وحساسية أعضائهم الحيوية.
أما في ما يتعلق بالثعابين، فقد تم تحديد وجود 30 نوعا متنوعا داخل التراب الوطني، من بينها 8 أنواع مصنفة كسامة وخطيرة، تتوزع على فئتين: فئة أولى تضم نوعا واحدا من «الكوبرا» يُعرف باسم أفعى «بوسكي»، وفئة ثانية تشمل سبعة أنواع قاتلة، أبرزها الأفعى المقرنة، والموريتانية، والفلكية، وبيضاء البطن، وهي كلها زواحف سامة يمكن أن تؤدي لدغاتها إلى مضاعفات صحية جسيمة، بل وحتى الوفاة في حال غياب التكفل الطبي الفوري. وبخصوص التوزيع الجغرافي، أظهرت المعطيات الوبائية أن جهات سوس ماسة، وطنجة تطوان الحسيمة، ومراكش آسفي، ودرعة تافيلالت، وبني ملال خنيفرة، والجهة الشرقية تسجل أعلى معدلات التسمم بلدغات الأفاعي، فيما تتركز حالات لسعات العقارب بشكل ملحوظ في جهات مراكش آسفي، والدار البيضاء سطات، وسوس ماسة، ودرعة تافيلالت، وبني ملال خنيفرة، وهو ما يستدعي يقظة متواصلة تتلاءم مع هذا التوزيع الجغرافي المتفاوت.
وطالب المشاركون في هذا اللقاء بتوزيع نقاط طبية على العالم القروي وتوفير سيارات إسعاف خاصة رهن الإشارة خلال هذه الفترة الحرجة، إلى جانب الدعوة لوقف الاعتماد على العلاجات التقليدية التي أثبتت محدوديتها في التصدي للحالات الخطيرة، والتي قد تؤخر نقل المصاب وتفضي إلى تفاقم حالته الصحية، مع الدعوة إلى إشراك الجماعات الترابية في حملات التحسيس وانخراطها في خدمة نقل المصابين.