بحضور نوعي وازن، ضم عمداء كليات وفنانين تشكيليين وأدباء ومسرحيين وإعلاميين، شهدت قاعة الندوات بالطابق الثاني للمكتبة الوسائطية لمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، زوال الجمعة 26 أبريل 2019، بمبادرة كريمة من محافظ المسجد، الأستاذ بوشعيب فوقار، حفل تقديم رواية «ولي النعمة» للكاتبة المغربية (من أصول موريتانية) سلمى مختار أمانة الله. وهو الحفل، الذي شهد نقاشا علميا وأدبيا رصينا ورفيعا، امتد لثلاث ساعات كاملة، أطرته مداخلتان أدبيتان لكل من الناقد المغربي الكبير الدكتور إدريس الناقوري والأستاذ الباحث الدكتور محمد بلاجي، بتسيير من المسرحي المغربي المسكيني الصغير.
لقد قدم الناقد إدريس الناقوري مداخلة مطولة، من موقعه كباحث ممحص، يمايز بين الرأي والنقد، وينتصر دوما لمسؤوليته الأدبية والأخلاقية في إبداء الرأي النقدي أمام الأعمال الأدبية، خاصة الروائية منها. فكانت مداخلته، كقراءة، أطروحة رصينة فككت الكثير من البناء الأدبي لرواية «ولي النعمة»، تأسست على مدخلين كبيرين، يتعلق الأول بالجانب الشكلي، فيما انحصر الثاني في الشق المضموني. هكذا، فإنه بالنسبة للأستاذ الناقوري، فإن الرواية كتعبير أدبي، لها ضوابط شكلية واجبة، تفرضها الصنعة الأدبية، تلزمه بالتساؤل مع الحضور عن مدى تحقق ذلك في الرواية موضوع القراءة، فخلص إلى أنها رواية تحررت كثيرا من تلك الشروط، معددا الأدلة على ذلك، مما اعتبر من وجهة نظره أمرا غير مقبول نقديا، حتى وإن كان متفهما لمعنى الإنزياح صوب التجريب. لكنه من موقعه النقدي لم يكن يرتاح دوما لتيار التجريب سواء في الرواية أو في الشعر. وبالتالي، فإن نقده لرواية «ولي النعمة» مؤطر بموقفه المعرفي الأدبي والأكاديمي ذاك، معتبرا أن الكاتبة لم تمارس صرامة أدبية على مستوى البناء الروائي شكليا، مرجعا ذلك إلى أن هذا العمل الروائي يعتبر باكورة الأعمال الروائية للكاتبة، مما يرى أنه يلزمها مستقبلا بواجب الإنتصار لأدبية الأدب من خلال الرواية. وهو الرأي الذي لم يتجاوب معه كثيرا أغلب المتدخلين من الحضور، من موقع اعتبارهم أن روحية الإبداع هي في حرية التحليق بما يحقق إمكانية خلق جمالية جديدة، تعلي من قيمة الأدب كتعبير.
على المستوى المضموني، توقف الدكتور الناقوري كثيرا عند تفاصيل ضافية برواية «ولي النعمة» التي اعتبرها رواية لقضية المرأة، معددا الأدلة على ذلك، بل إنه لمح في أكثر من مناسبة، على أنها رواية تتقاطع مع السؤال السياسي المغربي، من موقع النقد لسلبيات ذلك الواقع، وأن الكثير من شخوص الرواية لهم تقاطعات مع شخوص حقيقيين بالمغرب، سواء في الدولة أو في المجتمع. وأنها بذلك نجحت في أن تعكس إشكالات حقوقية وسلوكية وتربوية قائمة فعلا ضمن النسيج المغربي.
مداخلة الدكتور محمد بلاجي انتصرت لما وصفه ب «القراءة العاشقة» للنص الروائي، الذي اعتبره نصا جديرا بالمتعة الأدبية، وأنه نص يجد مستنده القوي أدبيا في انتصاره لتعددية الأصوات بالمعنى الباختيني (نظرية بوليفونية الأصوات للناقد الروسي ميخائيل باختين). معتبرا أن اللغة واحدة من مجالات قوة النص الأدبي ذاك، وأن الشخوص تعكس واقعا إشكاليا، مرتبطا بتيمة معنى القيم، من خلال قلق السؤال الأخلاقي المؤطر لها، المرتبط بصدقيتها أمام ذاتها وأمام العالم. وأن سر الجواب لمسارات قصص الشخوص تلك، وتعالقها في ما بينها، يجد جوابه في ختام النص من خلال مصير لوحة الزمردة. وأنه متفق مع الدكتور الناقوري في ما يرتبط بعنوان الرواية، الذي يمارس خداعا للقارئ، كونه لا يعكس حقيقة حبكة النص الروائي، وهذا في نظره عادي ومطلوب في العمل الروائي، وأنه لو خير كقارئ للنص لانتصر أكثر لعنوان «الزمردة».
مناقشات الحضور، التي صدرت عن معرفة أدبية وأكاديمية، أجمعت على أن الرواية، تأسيسا على قراءة الناقدين الكبيرين، تعكس كونها رواية إشكالية تغري بالقراءة، وأنها رواية صادمة بالمعنى الإيجابي جماليا. وأنه بسبب من ذلك، فقد ربح الصف الأدبي المغربي صوتا روائيا جديدا واعدا، وأن رواية «ولي النعمة» تعتبر فعليا أول الغيث الجميل لميلاد أديبة مغربية هي الأستاذة سلمى مختار أمانة الله، القادمة إلى الأدب من مجال القانون والحقوق، وأنها تغتني بتعدد مشاربها الثقافية، كونها من أب موريتاني وأم مصرية، لكنها ولدت وكبرت وعاشت بالمغرب. فهذه الخلطة الجميلة، تعتبر عنصر غنى معرفي وإنساني لها.
تقديم رواية «ولي النعمة» للروائية سلمى مختار أمانة الله بالدار البيضاء.. البحث عن معنى الزمردة المفقودة سياسيا
الكاتب : أنس عثمان
بتاريخ : 02/05/2019