انتقد عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، ضعف نتائج الإصلاحات الكبرى بالمقارنة مع المجهودات التي بذلتها البلاد فيها، مشيرا على الخصوص إلى بطء وتيرة الإنجاز وعدم إتماما. وضرب أمثلة بالعديد من الإصلاحات المتعثرة، مشيرا على الخصوص لإصلاح التعليم الذي يراوح مكانه، والاستراتيجية الوطنية للتشغيل التي وصف الأهداف المحدد لها بأنها «غير واقعية وتحتاج إلى تدابير ملموسة لبلوغها»، كما شرح الجواهري، في كلمة ألقاها خلال تقديم التقرير السنوي لبنك المغرب لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على هامش احتفالات عيد العرش، اختلالات ونواقص إصلاحات المقاصة والإدارة والتقاعد ومناخ الأعمال والاستثمار والجهوية الموسعة وقدم اقتراحات وتوصيات البنك المركزي من أجل تجاوزها.
وقال الجواهري «مما لا شك فيه أن المغرب بذل جهودا كبيرة خلال السنوات الأخيرة. إلا أن مستوى ما تحقق من إنجازات يشير إلى أن بلادنا ليست فقط بحاجة لمواصلة الإصلاحات وتوسيع نطاقها، بل أيضا وبصفة خاصة لإنجاح تنفيذها وﻹتمامها في الآجال المحددة».
وأضاف الجواهري أن «العديد من الأوراش المهيكلة التي تم إطلاقها، لم يتم إتمامها بعد وبعضها الآخر لم يحقق النتائج المرجوة»، مشيرا على سبيل المثال، إلى أن إصلاح منظومة التربية والتكوين لا يزال يراوح مكانه بيع مرور ثلاث سنوات على إطلاق الرؤية الاستراتيجية 2030، وذلك «في الوقت الذي تستمر فيه المدرسة المغربية في تسجيل نتائج باهتة وإفراز شباب تنقصه المؤهلات اللازمة للاندماج بشكل ملائم في سوق الشغل».
وشدد الجواهري على أنه «ينبغي اليوم على جميع الفاعلين أن يتجاوزوا الانقسامات وأن يتعبأوا لإنجاح هذا المشروع المهيكل. ولعل إحدى الأولويات في هذا الإطار تتمثل في التعجيل بالمصادقة على مشروع القانون الإطار، الذي من شأنه أن يشكل ميثاقا حقيقيا يلزم كافة الأطراف المعنية».
كما انتقد الجواهري هزالة نتائج سياسات التشغيل، مشيرا إلى أن «البرامج والإجراءات المتفرقة التي اتخذت منذ عدة سنوات التي لم تأت بنتائج ملموسة». وأضاف الجواهري أن «السلطات شرعت مؤخرا في إعداد استراتيجية وطنية للتشغيل أفضت إلى وضع مخطط للنهوض بالتشغيل بروم تحقيق عدة أهداف تبدو غير واقعية وتحتاج إلى تدابير ملموسة لبلوغها».
أما بخصوص إصلاح المقاصة، فأشار الجواهري إلى أنه بوشر في فترة مواتية بسبب انخفاض أسعار النفط واعتبر نموذجيا على المستوى الإقليمي، إلا أنه افتقد إلى إجراء التتبع الذي كان متوقعا لأسعار الوقود بعد تحريرها، إضافة إلى عدم تطبيق إجراءات المواكبة. وقال «بعد خمس سنوات من انطلاقه، فإن المنحى التصاعدي لأسعار النفط حاليا يضع هذا الإصلاح على المحك، ويثير التساؤل من جديد حول الظروف التي أحاطت بتطبيقه. ويتعين اليوم استكماله وتعميمه في إطار سياسة أكثر شمولا تنبني على اعتماد الأسعار الحقيقية من أجل توزيع أفضل للموارد وفي الوقت نفسه دعم الأسر الأشد حاجة».
وتابع الجواهري قائلا «إن التفكير بشأن وضع نظام لاستهداف الساكنة، والذي تم إطلاقه منذ عدة سنوات، لم يتجسد بعد على أرض الواقع، بينما يشكل في حد ذاته مطلبا أساسيا لإضفاء قدر أكبر من الانسجام والفعالية على مجهودات الدولة في المجال الاجتماعي. ويزداد هذا الأمر إلحاحا بالنظر لما تعانيه العديد من البرامج الاجتماعية من إكراهات مالية شديدة تهدد استمراريتها».
ولم يفت والي بنك المغرب التعريج إلى الورش الكبير للجهوية الموسعة، مشيرا إلى أنه «رغم التقدم المحرز في تطبيقه خاصة على المستوى التشريعي. يبقى رهينا بتوفر الكفاءات الضرورية لتدبير الشأن العمومي، والتنسيق الفعال بين السلطات الإدارية المحلية والمركزية، وتطوير موارد للتمويل خاصة بالجماعات الترابية علاوة على تحويلات الدولة. وهناك تحدٍ رئيسي آخر أمام هذا الورش، أبرزته التجربة المعيشة منذ الانتخابات الجماعية والجهوية، التي تم تنظيمها لأول مرة بعد هذا الإصلاح، ويتعلق بضرورة إفراز منتحبين يولون اهتماما أكبر بالمصلحة العامة ويضعونها فوق الاعتبارات الحزبية».
وبخصوص مشروع إصلاح الإدارة العمومية، ذكر الجواهري بمضامين خطاب العرش لسنة 2017 التي وضعت الإصبع على مكامن الخلل في الإدارة المغربية. وأضاف قائلا «إن التوجه أخيرا نحو اعتماد نظام التعاقد لا يبدو أنه يشكل إجابة ملائمة للتحدي الذي يفرضه هذا الإصلاح».
كما أشار الجواهري إلى محدودية التدابير المبتورة المتخذة في إطار إصلاح التقاعد خلال سنة 2016، والتي اعتبرها مجرد مسكنات أمام ارتفاع أعداد الموظفين المحالين على التقاعد، الشيء الذي «يسرع تدريجيا من وتيرة نضوب موارد الصندوق المغربي للتقاعد، وبالتالي يؤكد الحاجة الملحة للشروع في الخطوات المقبلة، من أجل استكمال الإصلاح الشامل بشكل يضمن استدامة جميع أنظمة التقاعد».
وخلص الجواهري إلى أن «كافة هذه الملاحظات تفضي إلى استنتاج ضرورة تعزيز ممارسة التقييم من أجل ضمان التنفيذ السليم للإصلاحات وإتمامها في الآجال المحددة من أجل تحقيق أقصى قدر من المردودية. ومما لا شك فيه أن هذه الممارسة قائمة لكنها غير ممنهجة ونطاقها محدود، مما يثير جدلا متكررا حول نتائج بعض الاستراتيجيات القطاعية».
وأضاف الجواهري في كلمته أمام الملك قائلا «لقد حقق بلدنا تحت قيادتكم تقدما ملحوظا من حيث تعزيز استقراره ووضعه الإقليمي، كما يدل على ذلك عودته إلى الاتحاد الإفريقي وانضمامه إلى اتفاقية التجارة الحرة القارية ورغبته في الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، كما أنه لا يزال يستقطب الاستثمارات الأجنبية، ويتمتع بثقة المؤسسات الدولية، ويحظى بتقييم إيجابي من لدن وكالات التصنيف. ولتدعيم هذه المكتسبات والحفاظ عليها، ينبغي لبلدنا إعادة النظر في حكامة السياسات العمومية لإضفاء قدر أكبر من الانسجام والنجاعة والمردودية على الإصلاحات التي يتم تنفيذها. ويتعين كذلك تقوية الشفافية في عملية صنع القرار على المستويين المركزي والمحلي، وزيادة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتقييد الحرية الفردية بواجب احترام الآخر والقانون. ومن شأن ذلك كله، أن يعطي رؤية أوضح للمواطن وللفاعل الاقتصادي، ويقوي التماسك الاجتماعي، والانخراط في الشأن العمومي».
وأكد أن المغرب، «في ضوء ما يواجهه من تحديات، يحتاج اليوم إلى إقلاع حقيقي وتعبئة شاملة لجميع قواه الحية بغية إعادة إرساء مناخ من الثقة والسلم الاجتماعي ووضع الاقتصاد على مسار يحقق نسبة نمو أعلى وفرص شغل أكبر. حينئذ سيكون بلدنا قادرا على ضمان ظروف معيشية أفضل لمواطنيه والتصالح مع شبابه وإعادة منحهم الأمل بمستقبل أفضل».
تقرير بنك المغرب للملك ينتقد ضعف نتائج الإصلاحات الكبرى وعدم إكمالها : أوصى بتعزيز آليات التتبع والمراقبة لضمان إنجاحها وإتمامها في وقتها
الكاتب : المواسي لحسن
بتاريخ : 01/08/2018