اختارت إدارة الدورة الرابعة لمهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي، بقيادة الإعلامية فاطمة النوالي، تكريم ثلة من المخرجين والممثلين العرب من بينهم المبدع المغربي هشام العسري وهو في أوج عطائه المتنوع.
بمناسبة هذا التكريم، وللتعريف بجوانب من بيوفيلموغرافيا هذا المخرج المشاغب، أعمم الورقة التالية التي أعددتها عنه، في إطار اشتغالي على قاموس خاص بالمخرجين السينمائيين المغاربة:
هشام العسري وخصوصيته السينمائية:
أفلام هشام العسري السينمائية فيها تجريب وتجريد واختلاف وتمرد على ما هو سائد، بعضها ينتمي إلى الكوميديا السوداء، وبهذا فهي عصية الفهم على المتلقي العادي، وغير قابلة للتصنيف الكلاسيكي، في حين أن أعماله التلفزيونية في غالبيتها موجهة للجمهور العريض وقد أثار بعضها (السيتكومات والسلسلات والمسلسلات بشكل خاص) ردود فعل سلبية لدى النقاد لكونها سطحية وتهريجية لا ترقى في نظرهم إلى ما حققه من تفرد على مستوى كتابته السينمائية، بل هناك نوع من التناقض بين ما أنجزه سينمائيا وما حققه تلفزيونيا. وبغض النظر عن هذه المفارقة، وعن تجاوبنا أو عدم تجاوبنا مع أفلامه السينمائية وطابعها الغرائبي- العبثي وفضاءاتها وشخوصها السوريالية، لا يسعنا إلا الإقرار بأن هذا المخرج المشاغب له أسلوبه الخاص في الكتابة وله عوالمه المميزة له سينمائيا وهو بذلك من الأصوات والحساسيات الشابة التي ضخت دماء جديدة في شرايين الإبداع السينمائي المغربي إلى جانب حكيم بلعباس وفوزي بن السعيدي ونور الدين لخماري وغيرهم من مخرجي التسعينيات والألفية الثالثة. أفلامه إذن تشكل نقلة نوعية في مسار «سينما المؤلف» بالمغرب، وتذكرنا بأفلام سابقة لمصطفى الدرقاوي ومحمد أبو الوقار ونبيل لحلو والتيجاني الشريكي وغيرهم.
تتشكل فيلموغرافيا المخرج هشام العسري، الذي أصدرت الجمعية المغربية لنقاد السينما سنة 2019 كتابا جماعيا عن تجربته السينمائية بعنوان «هشام العسري.. سينما التمرد»، من العناوين التالية: «محطة الملائكة» (2009)، «النهاية» (2010)، «هم الكلاب» (2013)، «جوع كلبك» (2015)، «البحر من ورائكم» (2015)، «ضربة في الرأس» (2016)، «الجاهلية» (2018)…، وهي أفلام سينمائية روائية طويلة أولها من إخراج مشترك بينه وبين محمد مفتكر ونرجس النجار. هذا بالإضافة إلى مجموعة من الأفلام القصيرة من قبيل «وشم العذاب» (2002) و»علي جناح» (2004) و»لوناتيكا» (2005) و»بخط الزمان» (2006) و»اندرويد» (2012) و»البيداء تعرفني» (2017) و»الفيلم العربي الأخير» (2020) و»أندرويد وزومبي» (2020) و»بدون عنف» (2020) …. وأعمال تلفزيونية نذكر منها ما يلي: أفلام «فاميلة جنب الحيط» و»أنا نورا أولا» و»نهار زوين» و»عمي نوفل»… وسيتكومات «كلنا جيران» و»كنزة فالدوار» و»نايضة فالدوار»… ومسلسلات «همي ولاد عمي» و»فوق السحاب» و»لطفي النحيلة»…
ومعلوم أن السيناريست والمخرج هشام العسري من مواليد عين السبع بالدار البيضاء يوم 13 أبريل 1977، حاصل على بكالوريا الآداب العصرية سنة 1996 وعلى إجازة في القانون من كلية الحقوق بالمحمدية سنة 2001. استفاد في الفترة من 2000 إلى 2003 من تداريب تكوينية في تقنيات كتابة الفيلم القصير والسيتكوم بمراكش والدار البيضاء تحت إشراف كتاب سيناريو متمرسين، كما شارك في الجامعة الصيفية للمدرسة الوطنية العليا لمهن الصورة والصوت (FEMIS) بباريس، وفي تدريب «أرسطو 1» للتكوين في كتابة وتطوير مشاريع الأفلام الطويلة في إطار برنامج أوروميد بروما وبيروت ومراكش…
قبل تفرغه لكتابة السيناريوهات والإخراج مارس النقد السينمائي من خلال نصوص نشرها في بعض الجرائد والمجلات المغربية وغيرها، كما مارس ولا يزال كتابة الشعر والقصة القصيرة والرواية والنص المسرحي والرسم والموسيقى وحصلت بعض نصوصه الأدبية على جوائز تشجيعية.
ارتبط لفترة من حياته بالمخرج نبيل عيوش وشركته «عليان»، حيث اشتغل معه من 2004 إلى 2008 مديرا لكتابة الأفلام القصيرة والطويلة والبرامج التلفزيونية وغيرها، كما كلف بالإدارة الفنية لما لا يقل عن نصف الأفلام الطويلة الثلاثين التي أنتجت في إطار مشروع «فيلم أندوستري» بشراكة مع «الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة»، حيث كتب وأخرج بعض الأفلام الطويلة منها «شعب المكانة» و»عظم الحديد»…
لم يكتب هشام العسري سيناريوهات أعماله السينمائية والتلفزيونية فحسب، بل شارك في كتابة سيناريوهات أعمال لمخرجين آخرين من قبيل: الأفلام السينمائية الروائية الطويلة «رحمة» (2003) و»حديث اليد والكتان» (2007) لعمر الشرايبي و»عود الورد» (2007) للحسن زينون و»يما» (2013) لرشيد الوالي… وبعض السلسلات والسيتكومات.
تجدر الإشارة إلى أن المبدع متعدد المواهب هشام العسري يشكل حالة خاصة في حقلنا السينمائي لأنه غزير الإنتاج أولا، ويشتغل في آن واحد في مجالات مختلفة يكمل بعضها البعض الآخر، ثانيا، فبالإضافة إلى ما ذكرناه أعلاه أخرج أو كتب العديد من الوصلات الإشهارية والفيديو كليبات الموسيقية وجينريكات البرامج التلفزيونية والكبسولات، كما انفتح مبكرا على الأنترنيت من خلال قناته الخاصة على اليوتوب التي شكلت بالنسبة له حقلا أساسيا للتجريب وفضاء أكثر رحابة وحرية لإبداع وعرض أعمال بالفيديو تتسم بجرأة أكبر يتناول من خلالها بسخرية لاذعة بعض الطابوهات الاجتماعية والسياسية والدينية. كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن أفلامه السينمائية الطويلة اختيرت للعرض في أكبر المهرجانات العالمية (برلين بشكل خاص) وحصل بعضها على جوائز داخل المغرب وخارجه.