تكريم بديعة الصقلي ولطيفة بناني سميرس.. أول نائبتين برلمانيتين بالبرلمان المغربي

 

أكاديميون يناقشون ستين سنة من عمل المؤسسة التشريعية

احتفى البرلمان المغربي بالنائبة البرلمانية بديعة الصقلي كأول امرأة تنتخب نائبة برلمانية عن الفريق الاشتراكي والتي تعذر عليها حضور هذه الفعالية وحضرت زميلتها النائبة بناني سميرس المحتفى بها كذلك.
وجاء التكريم على هامش تخليد البرلمان المغربي للذكرى 60 لقيام أول برلمان منتخب في المملكة المغربية، وافتتحت المناسبة بأشغال الندوة الوطنية، والتي نظمت تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، وتميز الافتتاح بالرسالة الملكية التي شددت على الرقي الأخلاقي بالممارسة البرلمانية، والتي نشرناها كاملة في عدد أول أمس .
وفي كلمة بهذه المناسبة، أشاد رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، الذي ترأس الجلسة الختامية لهذه الندوة إلى جانب رئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة، بمساهمة النائبتين المحتفى بهما في تطوير العمل البرلماني وتعزيز الحضور النسائي في المؤسسة التشريعية، واصفا تكريمهما بـ» اللحظة الرمزية الرفيعة».
كما نوه رئيس مجلس النواب «بما تقوم به جميع النساء البرلمانيات وكافة الفاعلات السياسيات من مختلف مواقع تواجدهن، وجميع النساء المغربيات، مساهمة منهن إلى جانب إخوانهن الرجال في مسيرة التنمية والتحديث التي يقودها جلالة الملك محمد السادس»، مشيرا إلى أن المرأة المغربية بصمت على أول دخول للبرلمان منذ الولاية التشريعية الخامسة (1993-1997)، «لتعلن عن دخول المملكة لمرحلة جديدة، عنوانها التمكين السياسي للمرأة المغربية».
وكشف في هذا السياق، عن إطلاق دراسة من قبل مجلس النواب، حول «التمثيلية النسائية في البرلمان خلال ثلاثين سنة من العمل النيابي 1993-2023»، تثمينا لمشاركة المرأة في الحياة السياسية وإسهامها الفعال في النهوض باختصاصات البرلمان المغربي. وشكلت التحديات التي تواجهها الممارسة البرلمانية وآفاق تطويرها وتجويدها محور أشغال الجلسة الثانية من الندوة الوطنية المخلدة للذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي .
وناقش عدد من الأكاديميين والباحثين، خلال هذه الجلسة التي ترأسها رئيسا مجلسي النواب والمستشارين جملة من القضايا التي تهم تعزيز الممارسة البرلمانية، وآليات وآفاق انفتاح المؤسسة التشريعية على محيطها، والتحديات الجديدة للعمل البرلماني، والإشكاليات التي تواجهها الديمقراطية التمثيلية، مسلطين الضوء على الأشواط المهمة التي قطعتها المؤسسة البرلمانية المغربية بعد 60 عاما على إحداثها، على المستويات التشريعية والرقابية والتقييمية والدبلوماسية، وكذا التحديات والعقبات التي تواجهها الديمقراطية التمثيلية وموقع المؤسسة التشريعية على المستوى الدولي.
في هذا الصدد، ناقش هؤلاء الأكاديميون في الجلسة الأولى للندوة المنظمة تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، خصوصية النظام البرلماني في ضوء مقتضيات الوثيقة الدستورية، باعتباره يرتكز على الثنائية البرلمانية وعلى مأسسة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بالإضافة إلى تعزيز الديمقراطية التشاركية كمجال جديد لتعزيز المبادرات التشريعية وتقوية الثقة في المؤسسات.
وفي هذا السياق اعتبر الأكاديمي والرئيس السابق للمجلس الدستوري محمد أشركي، في مداخلة له حول الثنائية المجلسية أن «نظام الثنائية البرلمانية بالمغرب يتميز بالتفرد لأنه يتيح تمثيلية أوسع للمجتمع للتعبير عن التعددية»، مشيرا إلى أن الدستور ينص على «تمثيل الجهات والجماعات الترابية الأخرى والغرف المهنية ومنظمات المشغلين وممثلي المأجورين (..) كما هو مشاع في العديد من مجالس الشيوخ».
وسجل أشركي، أن هذه التمثيلية «نادرة» وتوجد فقط في دستور دولتي إيرلندا وسلوفينيا، إذ تمثل الجامعات في مجلس الشيوخ الإيرلندي، فيما يضم مجلس سلوفينيا الوطني 40 عضوا يمثلون المشغلين والمأجورين وجماعات الأنشطة الاقتصادية وغير الاقتصادية، مبرزا أن هذا الأخير يبقى قريبا من مجلس المستشارين المغربي.
وتابع أشركي أن نظام الثنائية البرلمانية بالمغرب «متوازن» داخليا وخارجيا، وهو ما تعكسه تركيبة مجلس المستشارين، إذ أن ثلاثة أخماس من أعضائه ينتخبون من ممثلي مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى والثلثين الباقيين لممثلي الغرف المهنية ومنظمات المشغلين، وهو ما «يساهم في تعزيز ممارسة البرلمان لوظائفه وتعزيز جودة الممارسة الديمقراطية».
وتساءل أشركي عن مستقبل الثنائية البرلمانية في المغرب، داعيا إلى رصد الممارسة التي تنفي اعتبار نظام الثنائية البرلماني يبطئ التشريع، في الوقت الذي يؤكد فيه الباحثون أن «ما تشكوه القوانين هو التسرع وليس البطء، لأن التسرع قد يؤدي إلى تطبيق للقانون بشكل غير صحيح»، مضيفا أن «الزمن يجب أن يكون في خدمة جودة التشريع وليس العكس».
وردا على اعتبار أن نظام الثنائية يؤدي إلى رفع الكلفة المالية للدولة، قال الأكاديمي إنه «لا يمكن بناء تقييم المؤسسات على اعتبارات محاسبية»، بل يجب «الحديث عن المصلحة العامة والجدوى التي تقدمها المؤسسة»، مضيفا أنه «إذا أنتجنا قوانين جيدة فتطبيقها سيكلف أقل، والعكس صحيح»، لذلك «من الأحسن أن ننفق على الجودة».
من جانبه، تطرق أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، عبد الحفيظ أدمينو، إلى أبرز سمات تطور العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لاسيما على مستوى اقتسام سلطة المبادرة التشريعية الذي أنتجته الممارسة السياسية المغربية.
وذكر أدمينو أن القواعد الدستورية أفرزت إقرار نوع من التلازم وتقوية الارتباط بين الأغلبية الحكومية والبرلمانية، كما أن الدساتير توجهت نحو تقوية المأسسة بين الحكومة والبرلمان» لاسيما من خلال الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والتي يرتكز دورها على تسهيل الحوار بين الجهازين التنفيذي والتشريعي».
وأوضح أدمينو أن هذه الوزارة لعبت دورا مهما في تمثيل الحكومة في البرلمان وفي التقريب بينهما، معتبرا أنها «وظيفة تتأثر بأغلبية مريحة من عدمها، على اعتبار أن الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان يكون في أوضاع صعبة عندما لا يتحقق الدمج الوظيفي والعضوي بين الأغلبية البرلمانية والأغلبية الحكومية».
كما لفت الأستاذ الجامعي إلى إقرار قانون تنظيمي خاص بالحكومة 65.13 تضمن التزامات على الحكومة الاضطلاع بها علاقة بالمؤسسة التشريعية، والذي عزز من المأسسة ونقل مستوى الممارسة إلى مستوى النص القانوني، بالإضافة إلى إقرار نظام خاص بالمعارضة، إذ أن «التطور البرلماني المغربي أفرز الحاجة إلى تمتيع المعارضة البرلمانية بوضع قانوني يمكنها من ممارسة حقوقها».
وفي مداخلة أخرى لأستاذ العلوم السياسية محمد الطوزي، حول تقييم السياسات العمومية وسؤال نجاعة الفعل العمومي، تناول الجامعي الحقل المفاهيمي المؤسس للتقييم، مشددا على تحديد الفرق بين التقويم والمراقبة والمساءلة والمحاسبة.
وأشار الطوزي إلى أنه بالعودة إلى الأدبيات المؤسسة لمفهوم التقييم، يمكن القول إن تقرير الخمسينية أرخ لهذا المفهوم و»إن لم يستخدم مناهج التقييم (..) لكنه كان شفافا»، مضيفا أنه «طرح أفقا لتطوير السياسات العمومية في المغرب».
مقابل ذلك، اعتبر الأكاديمي أن معيقات التقييم باعتبارها «عملية للتتبع»، ترتبط بجوانب ثقافية ذات صلة بتحديد المسؤوليات في الثقافة السياسية، مبرزا أن «لا يؤسس للتقويم كممارسة تواكب السياسات العمومية إلا إذا كان هناك مجال للفاعل السياسي والترابي يقبل المجازفة/مواجهة المخاطر»، وهو «ما شخصه النموذج التنموي الجديد في ما يتعلق بنجاعة السياسات العمومية».
كما أكد على أهمية جودة المعطيات وتحيينها من أجل متابعة وتقويم السياسات العمومية من «المحطة صفر»، لبلوغ نتائج ذات جودة.
من جهته، أكد الأستاذ الجامعي جواد النوحي، في مداخلة له حول «السياسات العامة والسياسات العمومية»، أن وظيفة تقييم السياسات العمومية تجد «زخما نظريا كبيرا»، ولذلك فإن «ممارسة وظيفة التقييم تحتاج إلى تبني نمط برلماني مغربي يعتمده البرلمان».
وتوقف النوحي عند التحديات التي تواجه البرلمان فيما يتعلق بأثر آليات الرقابة على فعل صناعة السياسات العمومية، «لكي يصبح البرلمان المغربي المنتج والمقيم الفعلي والمتميز للسياسات العمومية، على اعتبار أن هذه الوظيفة لم تعد حصرا في ضوء الدستور على المؤسسة التشريعية، ولكن انفتحت على فاعلين آخرين مثل هيئات الحكامة، مما يطرح سؤال «تميز البرلمان».
وتابع الأكاديمي أنه من الضروري أن تكون تقارير البرلمان ذات جاذبية في ضوء زخم تقارير العديد من الفاعلين في مجال تقييم السياسات العمومية، مؤكدا على أهمية مؤشر الفعالية في التقييم والذي يرتكز على «إنجاز السياسة العمومية في الجدول الزمني المحدد».
في سياق ذي صلة، أكد النوحي على ضرورة تجاوز الالتباس الذي يطرحه التقييم في تقاربه مع مفهوم المراقبة، داعيا إلى ضرورة فصل التقييم عن التشريع والمراقبة في النظام الداخلي لمجلسي البرلمان، موضحا أن برلمانات اليوم «هي برلمانات مأسسة تقييم السياسات العمومية «.
الأستاذ الباحث عبد الله ساعف، أكد من جهته أن موقع المؤسسة البرلمانية تعزز مع مرور الزمن، سواء من زاوية الصلاحيات التي خصها بها الدستور، والتطور في اتجاه تعزيز وتقوية أدوارها في مجالات التشريع والمراقبة الديمقراطية والتقييم، أو على مستوى البنيات ووسائل العمل، مبرزا أنه بعد 60 سنة من تأسيسه، أصبح البرلمان يضطلع بدور جديد يتميز عن مراحل سابقة، لاسيما بعد دستور 2011 الذي عزز الدور الدبلوماسي للمؤسسة البرلمانية.
وأضاف ساعف أن البرلمان ساهم عبر مختلف مراحله في توسيع دوائر النخب، سواء المركزية الوطنية أو المحلية الترابية، وتعزيز حضور المرأة وموجات التشبيب، ومشاركة الهيئات النقابية ورجال الأعمال والعديد من الفئات التي لم يكن لها حضور في قلب المؤسسة التشريعية في الماضي، مشيدا في ذات الوقت بالتطور الذي شهدته المؤسسة على مستوى البحث والتحليل في الشأن البرلماني من خلال إحداث مركز للأبحاث والدراسات.
وأبرز أهمية الاستقرار والاستمرارية التي تعرفها الولايات البرلمانية المتواترة من خلال استنفاد الزمن التشريعي، بخلاف فترات سابقة من تاريخ البرلمان، مؤكدا أن هذه الاستمرارية واستنفاد زمن الولاية التشريعية «قوى موقع البرلمان في الحياة السياسية المغربية».
من جانبه، رصد الأستاذ الباحث، عمر الشرقاوي، عوامل انفتاح المؤسسة البرلمانية على محيطها، مستعرضا في هذا الصدد مجموعة من المؤشرات،
من جانبه، تطرق الأستاذ الباحث عبد الحي المودن إلى التحديات التي يواجهها العمل البرلماني على المستوى الدولي في ضوء التحولات التي عرفها العالم في السنوات الأخيرة «والتي تمثل تحديات خطيرة لمسألة الممارسة الديمقراطية والبرلمانية، سواء في الأنظمة غير الديمقراطية التي يعتبر فيها البرلمان مؤسسة هامشية، أو حتى في بعض الأنظمة الديمقراطية التي لا تركز على موضوع البرلمان بقدر ما تنظر إلى كيفية اتخاذ القرارات من مصادر وفضاءات مختلفة».
وأشار إلى أن الانتقال الديمقراطي الذي عرفه العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ما لبث بعد فترة قصيرة أن شهد تراجعا، خاصة في الأنظمة غير الديمقراطية التي كان يتوقع أن تتحول إلى أنظمة ديمقراطية، مضيفا أن الديمقراطيات التقليدية عرفت هي الأخرى أزمة ديمقراطية بدرجات متفاوتة وأصبحت «ديمقراطيات جوفاء» لا تؤدي إلى إنجازات عميقة تصب في صالح الأفراد، بل تعيد إنتاج الاختيارات السياسية التي تقوم عليها هذه الأنظمة.
من جهتها، تطرقت الأستاذة الباحثة سلوى الزرهوني إلى التحديات والإشكاليات التي تواجهها الديمقراطية التمثيلية اليوم، قراءات متقاطعة حول مراحل التطور الدستوري لبنية ووظائف البرلمان، مسلطة الضوء بشكل خاص على نظام الثنائية البرلمانية والعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وآلية تقييم السياسات العمومية.


الكاتب : محمد الطالبي

  

بتاريخ : 20/01/2024