تعد صناعة الزليج من أكثر الأشكال الفنية تعبيرا وتجسيدا لأصالة المعمار المغربي ومهارة وحرفية وإبداع الصانع التقليدي المغربي. وتساهم هذه الصناعة، التي تتطلب دقة ومهارة متناهية، ويتطلب إنجازها عدة مراحل، بدءا بتهييء المادة الأولية، مرورا بنقشها ووضع الخطوط وجمع القطع إلى حين الوصول إلى تحفة فنية غاية في الروعة والدقة، في تزيين المباني والقصور والمعالم التاريخية، وإضفاء طابع جمالي خاص عليها.
وتعتمد صناعة الزليج على آليات وأدوات غاية في البساطة، لكن ما يميزها بشكل خاص هو أنها تمارس من قبل «معلمين» مبدعين توارثوا هذه الحرفة وذلك الشغف أبا عن جد، ليساهموا، بذلك، في الحفاظ على هذا التراث المغربي الأصيل والفريد من نوعه، الذي ذاع صيته وفاق حدود أرض الوطن.
ويعتمد المعلم الزلايجي في إبداع هذه الدرر والتحف الفريدة من نوعها، على مكونات وآليات بسيطة تضم، على الخصوص، الطين واللوح الخشبي وملونات معدنية ومطرقات خشبية وفرنا خاصا، مستغلا الخبرة والمهارة التي راكمها لسنين عديدة لإبداع أشكال ورسوم غاية في الروعة والدقة. ويساهم الصناع التقليديون، بقطاع الزليج، في الحفاظ على الخصوصية الإبداعية والفنية للقطاع، وإبراز عبقرية يد الصانع التقليدي المغربي ودقة تصميمه وإبداعه.
تتربع مدينة فاس على قائمة المدن المغربية في مجال الزليج، حيث كانت ولا تزال موطنا رئيسيا لمزاولة هذه الحرفة ، وهو ما يتجسد في المآثر التاريخية المتواجدة بالعاصمة العلمية للمملكة، المصنفة كتراث إنساني منذ سنة 1981، وتوفرها على خزان وطني للطين الرمادي يتجاوز 85 ألف مليون طن في حين أن الطلب الوطني لا يتجاوز 60 ألف طن في السنة.
وتضم العاصمة العلمية أكبر بنية تحتية لإنتاج الزليج بمنطقة «بنجليق»، والتي تمتد على مساحة تقدر بنحو 27 هكتارا، وتتوفر على أزيد من 250 وحدة إنتاجية تقليدية. بينما تضم جهة فاس – مكناس وحدها آلاف الصناع التقليديين في قطاع الزليج والفخار، يساهمون بجلاء في النهوض بفن الزخرفة والمعمار المغربي، وإبداع تحف ودرر فنية غاية في الروعة والدقة.
عن أهمية وأصالة الزليج المغربي، أوضح المدير الجهوي للصناعة التقليدية بفاس – مكناس، عبد الرحيم بلخياط، في تصريح لـ «و.م.ع» أنه «لا يختلف اثنان في كون الزليج المغربي ارتبط بشكل كبير بتاريخ المملكة، على اعتبار أن مختلف المعالم التاريخية بالمغرب مزخرفة ومزينة ومزركشة بالزليج التقليدي»، مضيفا «أن مدينة فاس تعد عاصمة الزليج التقليدي بامتياز، لما تتوفر عليه من مهارات يدوية ضاربة في التاريخ، فضلا عن الكتب التاريخية التي توثق لأعداد دور المعمل (حوالي 888 دار معمل)، منوها بالقفرة الهامة التي حققها القطاع بجهة فاس مكناس خلال السنة الماضية».
وبشأن «جهود تثمين قطاع الزليج»، أشار المتحدث ذاته إلى «وضع عدد من البرامج لتحديث القطاع عن طريق الحث على استبدال الأفرنة التقليدية بالأفرنة الغازية في إطار برنامج» حساب تحدي الألفية»، وكذا التكوين المستمر للصناع في تقنيات الإنتاج والتصميم والتسويق والتدبير والصحة والسلامة».
من جهته، أكد محمد تحيفة، صانع تقليدي للزليج والفخار بمدينة فاس، وورث الحرفة عن آبائه وأجداده، على «أن الزليج اقترن بمدينة فاس منذ تأسيسها قبل أزيد من 12 قرنا»، مشيرا إلى أن العاصمة العلمية تتوفر على ذخيرة مهمة من الطين، يستخرج منه الآجور والزليج، إضافة إلى القرمود الذي يستعمل في تسقيف المساجد وعدد من البنايات والقصور».
وانطلاقا، من المعطيات السالف ذكرها، يتضح أن أصالة وبراعة يد الصانع التقليدي المغربي، بوأت قطاع الزليج المغربي مكانة متميزة داخل وخارج أرض الوطن، حيث أصبح هذا الفن يحظى بإعجاب وطلب متزايد، ويجد موطئ قدم له بمجموعة من الأسواق العالمية.
تمارس من قبل «معلمين» بفاس وغيرها : «صناعة الزليج».. عنوان لأصالة المعمار ومهارة الصانع التقليدي
الكاتب : «و.م.ع»
بتاريخ : 02/11/2022