تطالعنا يوميا العديد من الاخبارعن تنامي ظاهرة الانتحار في المغرب,بحيث اننا اصبحنا كل يوم نرى ونقرأ في الصحف ان فردا على الأقل انتحر.
انتشرت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة بكثرة,بحيث اصبح المغرب يحتل الصدارة مقارنة مع باقي الدول الأخرى,فحسب التقارير السابقة لمنظمة الصحة العالمية حول الانتحار،فإن المغرب يحصل على نصيب الأسد مسجلا أرقاما مخيفة على مستوى الوطن العربي.
الإقبال على هذه الظاهرة يشمل جميع الفئات العمرية كبارا وصغارا,لكن الفئة الاكثر اقبالا هي الشباب الذي تتراوح اعمارهم مابين 15 و 30 سنة, فلكل واحد منهم دوافع وأسباب مختلفة ،أدت به الى التفكير في الانتحار و وضع حد لحياته بشكل نهائي، حيث يلجئون إليه للتخلص من الضغوطات النفسية والمشاكل الاجتماعية كالبطالة والفقر والتفكك الأسري والخيانة واضطراب الهوية الجنسية وغيرها من المعاناة الأخرى .
وحسب ما ورد في وسائل الإعلام الوطنية خلال الآونة الأخيرة ،انتحار شاب يبلغ من العمر 29 سنة شنقا بواسطة سلك كهرباء لأسباب مجهولة, وفي نفس الأسبوع على التوالي سجلت محاولة انتحار لفتاتين قاصرتين بسم الفئران،علما أن هذه ليست المرة الأولى التي يقدمن فيها على ارتكاب هذا الفعل.
الإعلام سلط الضوء على هذه الوقائع المفجعة في وقت تنتظر الساكنة تحرك الجهات المسؤولة للقيام بخطوات للحد من انتشار هذه الظاهرة.
وحول هذا الموضوع ،قال أستاذ علم النفس الاجتماعي محسن بنزاكور, في اتصال هاتفي مع جريدة «الاتحاد الإشتراكي» أن الانتحار له بعدان ،البعد الأول نفسي نتاج مرض نفسي وعقلي والثاني نتاج الضغوط الاجتماعية ويضاف إليه ما نسميه نحن بالاضطراب النفسي وليس المرض النفسي, ومن أهم الأسباب في مجتمعنا هي عدم الإندماج والتكيف مع البيئة التي يعيش فيها, وهذا هو أول مؤشر للمقبلين على الانتحار، نجد أن الأغلبية لديهم معاناة اجتماعية وديون وخيانات زوجية,فالمقبل على الانتحار تتغلب عليه مشاكله بحيث يصعب عليه حلها .وفي هذه الحالة يرى انه إنسان فاشل وليس له أي دور في الحياة وليست له القدرة على أداء وظيفته بطريقة منتظمة ومنتجة, فهذه العوامل تدفع الشخص لإمكانية الانتحار. و أضاف بنزاكور، أن الإنسان المتوازن له سلوك معين , فهو يحاول تطوير نفسه ويصبح أفضل مما كان عليه سابقا, بينما المنتحر لا يسعى أن يشبه الآخرين ويبدأ في الشك في ذاته وعدم الثقة بالنفس, وبالتالي نجد الانتحار مرتبط كليا بالشق النفسي الاجتماعي.
كما أشار أستاذ علم النفس الإجتماعي ،أن الإقدام على الانتحار هو ضعف و ليس شجاعة, وهذا ما يجعلنا نميز بين المقدم على الانتحار و المنتحر, فالمقدم على الانتحار قد لا يضع حدا لحياته , نسميها فقط محاولة انتحار ،يمر الى الفعل و لا يحقق الهدف .أما بالنسبة للمنتحر هو الذي لم تعد تربطه أي صلة في الحياة ويلجأ الى الطرق السريعة كشرب السم أو شنق نفسه, فكل ما كانت المسألة سريعة نتأكد أن الارتباط بالحياة لم يعد موجودا.
وأشار بنزاكور إلى أن معدل الانتحار في الآونة الاخيرة مرتفع جدا حسب ما كشفت عنه منظمة الصحة العالمية سنة 2016 فعدد الذين حاولوا الإنتحار وصل الى معدل مقلق لأن الوضع الإجتماعي غير مستقر وشخصية الإنسان المغربي تغيرت مابين الأمس واليوم, لأن المنظومة الإجتماعية لم تعد مثل ما كانت عليه سابقا،في القديم كانت مبنية على فكر الجماعة وحاليا تغيرت لأننا أصبحنا مجتمع استهلاكي, الإنسان يعيش فيه بمفرده, بحيث أصبح الفرد أكثر تشبثا بالذات في مقابل الجماعة, وكل هذه العوامل ترسخ في ذهن الإنسان أنه متخلى عنه وليست له جماعة ضامنة لاستقراره و لحقوقه.
و واصل بنزاكور أن في المغرب ليست لدينا مؤسسة قائمة الذات ممكن أن يلجأ إليها المواطن و بالأخص أصحاب المشاكل المادية, بينما في الدول الأخرى التي تحترم نفسها فهي تتكلف بهذه الحالات الإجتماعية بإيجاد مخارج وحلول لهم لتسديد ديونهم.
وتابع بنزاكور بأن المنتحرين يتشكلون في إطار ما هو نفسي اجتماعي, جراء بعض المظاهر الإجتماعية , بمعنى أوضح (الحكرة) التي نجدها في البلاد وبقوة، ويضيف أن التفكك الأسري ليس سببا مباشرا, و إنما عامل من العوامل المساهمة التي إذ اأضيفت الى بعضها قد تفضي إلى الانتحار.
وأردف المحلل النفسي أن أطفال اليوم يعانون نوعا من العزلة,لأنهم لم يندمجون اجتماعيا وعاشوا مع الشاشة, فمنذ الصغر يعرفون أمرين فقط الشاشة و المدرسة, مما نتج عن ذلك هشاشة في البنية الشخصية و ضعف على مستوى الكفاءات والمهارات الإجتماعية, وغياب كلي لإيجاد حلول فيها نوع من الذكاء. هذه كلها أسباب تجعل من الشخص يعجز أمام أي مشكل وينعزل عن العالم بأكمله.
واختتم محسن بنزاكور بتوجيه رسالة ونداء خاص للمؤسسات الحكومية المغربية, بأن تفكر من الناحية الإجتماعية إذ أرادت التقليل من الإنتحار.