يعرف ميناء الجرف الأصفر، بين الفينة والأخرى، تسجيل حالات سرقة، و التي قد تبدو عادية داخل ميناء يمتد على مئات الهكتارات وتشتغل فيه العديد من الشركات المستقرة بشكل دائم وأخرى تشتغل إما مؤقتا حسب الورشات ، أو عبارة عن شركة للمناولة . إلا أن بعض السرقات تثير أكثر من تساؤل وتكشف عن «ثغرات» أمنية من غير المقبول أن تسجل بميناء بهذا الحجم ؟
فأن يتسلل غريب إلى الميناء و يقتحم مصنعا أو مستودعا ، أو سفينة أجنبية، وأن يغادر الباخرة والميناء، بعد أن اخترق الحواجز والدوريات الأمنية وعدسات الكاميرات وإجراءات الحراسة ، التي من المفروض أن تكون مشددة ، فذلك جرس إنذار كبير .
فإذا كان المركب الصناعي الجرف الأصفر اعتبر أكبر موقع كيميائي مندمج في العالم، فهو أيضا ذو موقع حساس، بسبب تصنيع وإنتاج مواد كيماوية في غاية الخطورة. غير أن الميناء يعرف أحيانا «تعثرا « من الناحية الأمنية، في وقت يحمل كل طرف مسؤولية مايقع للأطراف الأخرى، علما بأن مفوضية الشرطة مسؤولة عن الأمن بكافة مرافق الميناء ، فيما الدرك البحري يتحكم في الماء ، بينما الوكالة الوطنية للموانئ هي من تسهر وتنظم العمل داخل الميناء وتتوفر على ترسانة بشرية ولوجستيكية كبيرة.
فالولوج إلى الميناء يخضع لعملية دقيقة تستوجب الإدلاء بجواز المرور ، سواء المسلم من طرف مصلحة الاستعلامات العامة والتقنين التابعة لمفوضية الأمن أو الوكالة الوطنية للموانئ، إلا أنه عند حدوث أي مشكل يحمل كل طرف الطرف الآخر المسؤولية . فمباشرة بعد حدوث عملية التسلل الى الباخرة البانامية ، قبل ثلاث سنوات، أكد مسؤول يعمل بالميناء ، «أن السرقة وقعت خارج الميناء، في منطقة تابعة للدرك الملكي، على مقربة من إدارة الوكالة الوطنية للموانئ، وأن الجهة التي باشرت البحث هي درك سيدي بوزيد، وليس المفوضية الخاصة بالجرف الأصفر»، في الوقت الذي لا يتحمل الدرك أية مسؤولية داخل الميناء باستثناء دركه البحري المسؤول عن كل ما يوجد فوق الماء .فقبطانية الجرف الأصفر التابعة للوكالة الوطنية للموانئ هي المسؤول الأول والأخير عن أمن البواخر وحمولتها والطاقم الذي يوجد على متنها. كما أن القبطان والطاقم التابع له من رجالات الرصيف هم الذين يراقبون حمولة الباخرة عند رسوها، كما يراقبون دفترها البحري ويحررون محضرا عن كل صغيرة وكبيرة تخص البواخر القادمة والمغادرة للجرف الاصفر.
«إن ما يحدث أحيانا بالميناء يستدعي أكثر من لجنة تفتيش، يقول مصدر من عين المكان ، ذلك أن بعض البواخر يخضع طاقمها أحيانا لما يشبه الابتزاز من قبل البعض، خصوصا في ما يخص مواد غذائية بعينها والسجائر الفاخرة والخمور الراقية، فيما يعمل البعض الآخر على مقايضة سلع بسلع بعيدا عن أعين الرقيب»، علما بأن قبطانية الجرف الأصفر تقوم بتكليف ذات الفرق التي يوجد من بين أعضائها من لم يطالب بإجازته الادارية منذ أزيد من 10 سنوات .أما بشأن فرق الأمن الخاص التي تدخل تحت مسؤولية القبطانية ، فإن بعض الشركات لا تطبق معايير السلامة المتفق عليها في دفتر التحملات، حيث أفاد مصدر عليم بأن العدد المصرح به، والذي تؤدي عنه الوكالة أموالا طائلة، ليس هو عدد أفراد الحراسة الموجود على ارض الواقع، حيث لا يتجاوز النصف في أحسن الحالات، علما بأن بعض الشركات المفروض فيها الحراسة بكلاب بوليسية لا توجد كلابها الا في الأوراق؟
أطراف متعددة التقتها الجريدة ،أكدت أن جوازات المرور الخاص بالشركات تمنح أحيانا فارغة وموقعة على بياض لبعض أرباب الشركات من أجل ملئها بأسماء العمال ويتذرع بعض هؤلاء بتغيير أطقمها مرات عديدة، إلا أن هذه العملية تقود أحيانا الى احتفاظ «الحراكة» بجوازات المرور من اجل تسهيل عملية الولوج الى الميناء، ومن شأن سقوطها في أيد غير آمنة القيام بأعمال من شأنها المس بسلامة الميناء؟».
كما تعمل بعض الجهات المفروض فيها تشديد المراقبة وإعمال القانون، على تسهيل مأمورية بعض الشركات التي تعمل داخل الجرف الأصفر، وذلك بالتوسط من أجل تشغيل أفراد من أقربائهم مقابل التغاضي عن بعض تجاوزاتها، مما قد يسهل عمليات التسلل بالنسبة الى الحراكة واللصوص في غياب كاميرات المراقبة / المعطلة، سواء المثبتة بالبوابات أو الأرصفة، رغم أن المشروع كلف عشرات الملايين ورغم حساسية الموقع. كما لم يتم تثبيت أجهزة السكانر في البوابات الحساسة من أجل إخضاع «الاجانب» الى التفتيش الآلي، و تعمد شركات مكلفة بالنظافة والبستنة الى تشغيل يد عاملة مصرح بها في كناش التحملات، مما يكلف تحملات مالية إضافية بالنسبة للوكالة.
إن مسألة أمن الميناء لم تعد مجرد نقطة تدخل في جدول أعمال المسؤولين، وإنما الأمر أضحى أكبر من ذلك بكثير، فقد بات يتحتم – وبشكل مستعجل – على السلطات المعنية ومختلف أصحاب القرار، إعادة النظر في التدابير الأمنية المعتمدة في حراسة وتأمين الميناء والمنطقة الصناعية ذات الموقع الاستراتيجي الحساس.