أعلن القضاء التام على «خلافة» تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، غير أن سجلها الموثق بمقاطع فيديو وحشية عن عمليات إعدام يبقى مطبوعا في أذهان الجميع في العالم وسيستخدم نموذجا لزرع الرعب في العالم.
وبعد هجوم كاسح عام 2014 مكنه من احتلال مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق أعلن فيها قيام «الخلافة»، خاض تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان يتحكم في ذلك الحين بمصير سبعة ملايين شخص، حملة دعائية مكثفة على الإنترنت حيث كان يبث أشرطة كثيرة متقنة التصوير والإخراج.
لكن حضوره على الإنترنت ينحسر اليوم بشكل متزايد مع مقتل قادته أو فرارهم، وتشتت قواته وتدمير مراكزه الإعلامية وصعوبة تواصله مع قيام أجهزة الاستخبارات في جميع أنحاء العالم بمراقبة قنوات اتصالاته أو قطعها.
غير أن مشاهد جندي سوري تدهسه دبابة وطيار أردني ي حرق حيا في قفص والعديد من الفظاعات الأخرى التي ارتكبها التنظيم المتطرف من قطع رؤوس صحافيين أجانب وعمال في المجال الإنساني، ستبقى ماثلة في الأذهان.
وقال الباحث في المركز الدولي لدراسة التطرف في معهد «كينغز كوليدج» بلندن تشارلي وينتر «هذا سيبقى بالطبع في ذاكراتنا، تماما مثلما بقيت القاعدة في أذهان الجميع بعد مقتل أسامة بن لادن.
لم يكن تنظيم الدولة الإسلامية أول تنظيم استخدم العنف الدموي في دعايته. فسبق أن نشر تنظيم القاعدة شريط فيديو لإعدام الصحافي الأميركي دانيال بيرل في 2002 في باكستان، كما أن عصابات تهريب المخدرات المكسيكية تعرض بانتظام مقاطع فيديو لعمليات قتل بقطع الرأس.
غير أن مقاطع تنظيم الدولة الإسلامية تتميز بخطاب وإخراج أشبه بأفلام هوليوود، ما جعلها تطال جمهورا أوسع بكثير. كما أن استخدام التنظيم لمواقع فيسبوك وتويتر ويوتيوب وتطبيق تلغرام مكنه من إحراز ملايين المشاهدات.
وقال وينتر إن تنظيم الدولة الإسلامية وظ ف «كمية من الوقت والمال والطاقة والموارد البشرية أكبر بكثير من أي مجموعة قبله لإنتاج هذه الدعاية» مضيفا «كانوا سباقين في الاستفادة الأمثل من هذه الدعاية وطرق إنتاجها».
ويرى المحللون أن المجموعة أثبتت عن مهارة خاصة في استخدامها شبكات التواصل الاجتماعي لنشر التطرف بين آلاف الشبان المسلمين الذين يشكون من التهميش، من خلال بث صورة قوة لا تقهر في ميادين المعركة أو استخدام وسم عن المغني الكندي الشاب جاستن بيبر في دعايتها.
وفيما هيمنت مشاهد الصلب أو قطع الرؤوس على الصحافة الدولية، سعى التنظيم في مقاطع فيديو أخرى أن يظهر صورة حياة «هانئة» و»سعيدة» في أرض «الخلافة» التي أعلنها في مناطق سيطرته.
وقال الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية مارك هيكر إن «معظم مقاطع الفيديو، وبصورة عامة معظم المحتويات على الإنترنت التي أنتجها تنظيم الدولة الإسلامية في تلك الفترة، كان يعرض في الواقع محتوى خياليا، يحاول أن يظهر أنها تريد بناء دولة فاضلة ومجتمعا مثاليا «.
وكان المقاتلون الأجانب رأس حربة هذا الجهد الدعائي، عبر التقاطهم صور «سيلفي» حاملين أسلحة كلاشينكوف. واعتبر الصحافي الفرنسي المتخصص في شؤون الجهاديين دافيد تومسون في كتابه «لي روفونان» (العائدون) أنهم يرسمون صورة حياة هانئة في كنف «الخلافة».
وذكر الخبير في مؤسسة الخدمات الموحدة الملكية رافاييلو بانتوتشي على سبيل المثال الجهادي البريطاني المولد جنيد حسين الذي كان يستخدم موقع «تويتر» وشبكات التواصل الاجتماعي، لتشجيع المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية في أنحاء العالم للتحو ل الى «ذئاب منعزلة» وتنفيذ اعتداءات.
ويقول بانتوتشي إن «الأشخاص المكلفين التواصل (في التنظيم) هم فتيان في العشرينات من العمر يتصر فون داخل تنظيم إرهابي كما لو كانوا في منزلهم (…) لم يقوموا بأي شيء استثنائي».
وجعل هذا الوجود على شبكات التواصل الاجتماعي من مروجي أفكار التنظيم عبر الانترنت هدفا رئيسيا للاستخبارات الدولية. وفي الآونة الأخيرة، استخدم هؤلاء «الشبكة العميقة» (وهو جزء مشفر من الشبكة الإلكترونية يستحيل ضبطه) وزواياها الخفية لتشجيع عناصر التنظيم والمتعاطفين معه على التحرك.
وبحسب الباحث وينتر، فإن تأثير التنظيم على الدعاية الإرهابية كان «هائلا «. ورأى أن «هذا الأمر أعطى بعدا عالميا إلى الإيديولوجية (الإرهابية) كما لم يفعله أحد من قبل. وسيكون لذلك حتما تأثير على الجهاديين في السنوات القادمة».
رغم خسارته الباغوز، آخر معقل له في سوريا، واعلان قوات سوريا الديموقراطية القضاء على «خلافته»، لا يزال تنظيم الدولة الاسلامية يحتفظ بمجموعات عدة مرتبطة به تعرف باسم «الولايات» لمواصلة معركته، ولكن في أشكال أخرى.
في تقريره الاخير حول هذا الموضوع والذي نشر في شباط/فبراير، عرض الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش قائمة بثماني مناطق لا يزال التنظيم المتطرف موجودا فيها، تضاف اليها خلايا نائمة شكلها في سوريا والعراق، ما يعني أنه لا يزال ناشطا وقد يبقى على هذا النحو في المستقبل القريب.
وقال غوتيريش في تقريره، وهو الثامن حول الموضوع، «رغم ان تنظيم الدولة الاسلامية تحول شبكة سرية، بما في ذلك في سوريا والعراق، إلا أنه يبقى تهديدا كمنظمة شاملة لها قيادة مركزية».
– في اليمن، لا يزال التنظيم حاضرا في محافظة الجوف، لكنه ضعف إثر معارك خاضها مع الفرع المحلي لتنظيم القاعدة الجهادي في محافظة البيضاء في تموز/يوليو 2018. وتقول الامم المتحدة «لا يزال لتنظيم الدولة الاسلامية معسكرات متحركة وعدد من المقاتلين يتراجع في مجمل البلاد».
– في ليبيا «لا يزال التنظيم يشكل تهديدا» وفق غوتيريش، إذ «ينشط مقاتلوه على ساحل البحر المتوسط بين اجدابيا وطرابس، وكذلك في جنوب البلاد». وهم يشنون بانتظام هجمات على مراكز للشرطة للاستيلاء على اسلحة.
– في مصر، لا يزال فرع التنظيم ناشطا بعدما بايع «الخليفة» أبو بكر البغدادي في تشرين الثاني/نوفمبر 2014. ولم يسجل خلال 2018 تراجع عدد المقاتلين التابعين لجماعة «انصار بيت المقدس» رغم أن الجيش المصري يواصل عملياته العسكرية ضد التنظيم.
– في إفريقيا وفي منطقة الساحل تحديدا، بايعت مجموعتان التنظيم المتطرف ولا تزالان نشطتين بحسب الامم المتحدة. المجموعة الاولى هي «تنظيم الدولة الاسلامية في الصحراء الكبرى» بقيادة عدنان ابو الوليد الصحراوي وتضم بين مئة ومئتي مقاتل في وسط شمال مالي.
وفي منطقة بحيرة تشاد حيث تتقاطع الحدود بين تشاد والنيجر ونيجيريا، تضم «الجماعة الاسلامية في غرب افريقيا»، وهي جناح لجماعة بوكو حرام، 1500 الى 3500 جهادي وفق الامم المتحدة، بقيادة أبو مصعب البرناوي.
– في الصومال تهيمن حركة الشباب الاسلامية المرتبطة بالقاعدة على الحركة الجهادية، لكن مجموعة مرتبطة بتنظيم الدولة الاسلامية «تتعايش» معها منذ منتصف 2018، بحسب الامم المتحدة. وعرفت هذه المجموعة خصوصا باغتيال موظفين ورجال أعمال. وفي منطقة بونتلاند المجاورة، يبقى مقاتلون من تنظيم الدولة الاسلامية نشطين في منطقتي كاندالا وبوصاصو حيث أقاموا معسكرات تدريب وقاموا بتخزين السلاح، وافدين خصوصا من اليمن المجاور.
– في افغانستان، تضم المجموعة الجهادية المرتبطة بتنظيم الدولة الاسلامية بين 2500 وأربعة آلاف مقاتل في ولايات ننغرهار ونورستان ولغمان في شرق البلاد. وتوضح الامم المتحدة أن «تنظيم الدولة الاسلامية يملك معسكرات تدريب في افغانستان وأقام شبكة خلايا سرية في مدن أفغانية عدة بينها كابول».
– في آسيا الوسطى «يسعى تنظيم الدولة الاسلامية الى توسيع أنشطته» بحسب التقرير الاممي الذي يشير الى اغتيال أربعة سياح أجانب في طاجيكستان في تموز/يوليو 2018.
– في إندونيسيا، شنت «جماعة أنصار الله» المرتبطة بالتنظيم المتطرف سلسلة هجمات نفذها جهاديون عائدون من سوريا أو العراق، وآخرون «محبطون» أرادوا التوجه الى هذه المنطقة لكنهم منعوا من ذلك وباتوا ينشطون في بلادهم.
إضافة الى المناطق المذكورة، نبه غوتيريش الى آلاف من الجهاديين الذين تمكنوا من العودة الى بلدانهم الام بعدما قاتلوا في سوريا والعراق، علما بأن بعضهم تمكن من القيام بذلك من دون إمكان رصده، فيما حوكم آخرون وسجنوا لكنهم سيستعيدون حريتهم يوما ويمكن أن يشكلوا خطرا بدورهم.
التهديد الجهادي يطرق ابواب غرب افريقيا
يحذر خبراء ومصادر أمنية من أن تدهور الاوضاع الأمنية في بوركينا فاسو التي تواجه تزايدا مقلقا للهجمات الجهادية، يهدد بالامتداد الى بلدان خليج غينيا، المستثناة حتى الان.
ويتعرض شمال بوركينا فاسو، الذي انتقلت اليه الفوضى السائدة منذ 2012 في مالي حيث تتكاثر المجموعات المرتبطة بشبكة القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية، مزيدا من الهجمات الدامية منذ ثلاث سنوات.
وسرعان ما امتد الاضطراب في الأشهر الاخيرة الى مناطق أخرى منها المنطقة الشرقية، المتاخمة لحدود توغو وبنين.
وقال بكاري سامبي، مدير «تمبكتو انستيتيوت» في دكار، ان «هذا الاحتدام غير المسبوق مؤشي على ما يبدو الى ان بوركينا هي القفل الاخير الذي تريد هذه المجموعات كسره للوصول الى بلدان افريقية تقع على الشاطئ.
لذا، فإن المناطق الشمالية لهذه البلدان التي تعتبر حتى الان جزر استقرار في منطقة مضطربة، يمكن ان تصبح «مناطق انكفاء» للجهاديين المتحصنين في مناطق حرجية وريفية معزولة على طول الحدود التي يسهل اختراقها.
واعتبر سامبي إن «توسيع نطاق تحركاتهم بعيدا من مركز التحرك الحالي للحركة الجهادية، سيتيح لهم من جهة أخرى الوصول إلى البحر عبر موانئ غرب إفريقية»، وبالتالي طرق جديدة للتزود بالأسلحة.
وباستثناء ساحل العاج التي استهدفها اعتداء اسفر عن 19 قتيلا في 2016 في غران-بسام، لم يقع أي هجوم في بلدان خليج غينيا.
لكن هناك مؤشرات تفيد بوجود نشاط متزايد منذ سنوات. وفي محمية دبليو على الحدود بين النيجر وبنين وبوركينا فاسو، «قد يكون مقاتلون من مالي، قاموا من 2014 إلى 2015 بعملية استطلاع» حتى بنين، حسب تقرير نشره «معهد طوماس مور للبحوث» في مارس،
وفي منتصف ديسمبر، أعلنت أجهزة الاستخبارات في مالي اعتقال أربعة جهاديين من بوركينا فاسو ومالي وساحل العاج، للاشتباه في أنهم خططوا لشن هجمات في هذه البلدان الثلاثة خلال احتفالات نهاية العام.
كما تحدثت مصادر كثيرة أيضا عن «عمليات توغل جديدة لمجموعات صغيرة» تعبر حدود بوركينا فاسو إلى القرى الصغيرة في توغو وبنين، لتطلب من سكانها «حظر بيع الكحول» أو «القاء خطب متطرفة» في المساجد.
ونفذت بوركينا فاسو وغانا وبنين وتوغو عملية واسعة النطاق في مايو ونوفمبر 2018 لمكافحة الجريمة العابرة للحدود، فأدت إلى اعتقال أكثر من 200 شخص، بمن فيهم عدد من الذين يشتبه بقيامهم أنشطة جهادية، في البلدان الأربعة.
وقال مسؤول أمني كبير من توغو لفرانس برس، ان «التهديد حقيقي. الجميع في حالة تأهب»، مشيرا الى تعزيز التدابير العسكرية في الشمال بعد اغتيال الكاهن الإسباني.
واضاف ان «قوات الأمن في توغو وبنين تعمل بالتعاون الوثيق مع قوات الأمن في بوركينا فاسو». واوضح «في الآونة الأخيرة، تم تسيير دوريات بصورة منتظمة في القرى الحدودية، خصوصا في الليل».
وذكرت وكالة «نادمو» الغانية لاعمال الإغاثة ان نحو 300 بوركيني، منهم 176 طفلا، فروا من اعمال العنف في بلدهم ولجأوا الى مقاطعة باوكو في شمال شرق غانا، في الأسابيع الأخيرة.
من جهته، قال الكولونيل أغري قرشي، المتحدث باسم الجيش الغاني لفرانس برس «نراقب الوضع من كثب مع جارتنا (بوركينا فاسو)».
وفي بوركينا فاسو، لم تعلن اي جهة مسؤوليتها عن تسعين في المئة من الهجمات. وينسب معظمها إلى جماعات «أنصار الإسلام»، أو «أنصار الإسلام والمسلمين،» أو «تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، لكن حوالى عشر مجموعات أخرى «أصغر وأقل تنظيما بالتأكيد» تنشط أيضا، وفقا لمجموعة الأزمات الدولية.
يقول رينالدو ديباني، مدير إفريقيا الغربية في مجموعة الازمات الدولية، إن «من الصعوبة بمكان معرفة من يفعل ماذا بالضبط، لأنها مجموعات مسلحة غامضة تتطور علاقاتها طبقا للتحالفات والنزاعات».
واضاف ان «بوركينا فاسو، حيث لا تملك الدولة وسائل المواجهة، أصبحت نوعا ما حلقة ضعيفة يشعلون فيها بؤر التمرد. تزايد الجبهات يتيح لها الهروب من قبضة الجيوش الغربية وقوة دول الساحل الخمس ما يجبرها على التفرق».
وفي هذا الاطار، تبرز ايضا عصابات إجرامية من دون أيديولوجية معينة، لكنها تتأثر بدعاية الجهاديين وتستقر في المناطق الحدودية، الملائمة لكل أنواع التجارة مثل تهريب الأسلحة والمخدرات والذهب بصورة سرية»، بحسب ديباني الذي يتحدث عن «اضفاء طابع جهادي على العصابات»
ومع ذلك، يبقى من الصعوبة بمكان تقييم مدى نجاح المجموعات الجهادية في تجنيد السكان المحليين.
لكن عددا من الخبراء يعتبرون ان الشعور بالاهمال والفقر والمعدلات المرتفعة للأمية في هذه المناطق النائية عن القوى السياسية والاقتصادية، قد يؤدي في نهاية المطاف الى تبني الأفكار المتطرفة.