رغم الدعوات الدولية لخفض التصعيد، تواصل إسرائيل وإيران تبادل الضربات، مما يثير مخاوف من نزاع إقليمي أوسع، حيث دخل الطرفان في مواجهة عسكرية مباشرة غير مسبوقة منذ الجمعة الماضية، مع تبادل هجمات صاروخية وجوية مكثفة أسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة.
وبدأت الأزمة بهجوم إسرائيلي مفاجئ على مواقع عسكرية ونووية في إيران، ردت عليه طهران بإطلاق صواريخ بالستية وطائرات مسيرة على إسرائيل. ومع دخول النزاع يومه الرابع، تتصاعد التوترات وسط دعوات دولية لخفض التصعيد، بينما يستمر الطرفان في تبادل التهديدات.
وفي إيران، دعا الرئيس مسعود بزشكيان إلى الوحدة الوطنية، مطالبًا بوضع الخلافات السياسية جانباً. وأعلنت السلطات القضائية إعدام شخص متهم بالتعاون مع الموساد الإسرائيلي، وتعهدت بمحاكمات سريعة للمشتبه بهم. في إسرائيل، من جهة أخرى، دعا توعد وزير الدفاع يسرائيل كاتس بأن «سكان طهران سيدفعون الثمن»، بينما أفادت الشرطة باعتقال مواطنين إسرائيليين بتهمة التجسس لصالح إيران.
الخسائر البشرية والمادية
وفقاً للحصيلة الرسمية الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يوم الاثنين، قتل 24 شخصاً في إسرائيل جراء الضربات الصاروخية الإيرانية منذ الجمعة، بينهم 11 قتيلاً إضافياً منذ منتصف ليل الأحد. تضمنت الحصيلة أربعة قتلى في بتاح تكفا قرب تل أبيب، ثلاثة في حيفا، وشخص في بني براك، إضافة إلى قتيلين انتشلا من تحت الأنقاض في بات يام. وفي إيران، أعلنت وزارة الصحة مقتل 224 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 1200 آخرين منذ بدء الهجمات الإسرائيلية، معظمها استهدفت العاصمة طهران ومدن أخرى مثل مشهد. وأفادت تقارير إيرانية بمقتل خمسة أشخاص في ضربة إسرائيلية على مبنى سكني في وسط طهران يوم الأحد.
كما أظهرت صور ومقاطع فيديو من تل أبيب وحيفا مباني سكنية مدمرة وحرائق، بينما أفاد مراسلو وكالة فرانس برس في القدس عن انفجارات قوية وتحليق دفاعات جوية إسرائيلية. وفي طهران، تصاعدت أعمدة الدخان الأسود بعد ضربات استهدفت مواقع عسكرية ونووية، بما في ذلك مبنى تابع لوزارة الخارجية، وصفته إيران بأنه «هجوم متعمد».
التطورات العسكرية
أعلن الجيش الإسرائيلي يوم الاثنين تدمير «ثلث» منصات إطلاق الصواريخ أرض-أرض الإيرانية، حيث نفذت أكثر من 50 طائرة حربية غارات استهدفت 120 منصة. كما قصف الجيش مقرات تابعة لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في طهران، ومطار مدينة مشهد، وهي الضربة الأبعد داخل الأراضي الإيرانية. وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تدمير المنشأة الرئيسية في موقع نطنز النووي، مشيراً إلى أن الهجمات قد تؤدي إلى تغييرات في قيادة إيران.
من جانبها، توعدت إيران بضربات «أشد تدميراً» ضد أهداف إسرائيلية حيوية، مؤكدة إصابة مدن إسرائيلية بدقة. وأطلق الحرس الثوري موجة جديدة من الصواريخ البالستية ليل الأحد، مما أدى إلى إصابة عدة مواقع، بما في ذلك مبنى سكني في حيفا. وقال المتحدث العسكري الإيراني رضا صياد إن «الأراضي المحتلة ستصبح غير صالحة للسكن»، محذراً الإسرائيليين من أن الملاجئ لن توفر الأمان.
البرنامج النووي الإيراني
كان البرنامج النووي الإيراني محور التوترات، حيث تتهم إسرائيل والولايات المتحدة طهران بالسعي لتطوير أسلحة نووية، وهو ما تنفيه إيران، مؤكدة سلمية برنامجها. وقد أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي أمس الاثنين عدم وجود مؤشرات على هجوم على المنشأة السفلية في نطنز، لكنه أشار إلى أن انقطاع التيار الكهربائي قد ألحق ضرراً بأجهزة الطرد المركزي. وطالبت إيران الوكالة بإدانة الهجمات الإسرائيلية على منشآتها النووية، بينما أعلنت عن زيادة إنتاج اليورانيوم المخصب، دون الوصول إلى مستويات تصنيع الأسلحة.
المواقف الدولية
أثارت الأزمة ردود فعل دولية متباينة. دعت الصين إسرائيل وإيران إلى اتخاذ إجراءات فورية لخفض التصعيد، مؤكدة دعمها لحل الخلافات عبر الحوار. وأجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي اتصالات مع نظرائه الإيراني والإسرائيلي، معربًا عن معارضة بكين لانتهاك إسرائيل القانون الدولي. كما دعت إيران الدول الأوروبية، خاصة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، إلى إدانة «العدوان» الإسرائيلي.
في الولايات المتحدة، أعرب الرئيس دونالد ترامب عن انفتاحه على وساطة روسية بقيادة فلاديمير بوتين، لكنه دعا الطرفين إلى «إبرام تسوية». وأكد مسؤول أمريكي أن ترامب عارض خطة إسرائيلية لاغتيال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. في المقابل، رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فكرة وساطة روسية، معتبراً أن الولايات المتحدة هي الأقدر على التفاوض بفضل نفوذها العسكري.
وتهيمن الأزمة على قمة مجموعة السبع في كندا، حيث يسعى القادة لصياغة موقف مشترك، فيما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الحل التفاوضي هو الأفضل، بينما دعت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إلى اجتماع لوزراء الخارجية لتنسيق الجهود الدبلوماسية.
التداعيات الاقتصادية
حذر رئيس المصرف المركزي الألماني يواخيم ناغل من «صدمة نفطية» محتملة نتيجة النزاع، مشيراً إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة 13% يوم الجمعة. وصل سعر برميل النفط الأمريكي إلى 73.82 دولاراً، وبلغ برميل برنت 74.97 دولاراً أمس الاثنين.كما دعا ناغل إلى الحفاظ على سياسة نقدية حذرة في منطقة اليورو، محذراً من أن نزاعاً مطولاً قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة.
وقد تسبب النزاع في نزوح سكان من طهران، حيث اصطفت طوابير السيارات عند مخارج المدينة. وأعلنت الحكومة الإيرانية تجهيز المساجد ومحطات المترو كملاجئ.و في إسرائيل، دعا الجيش السكان إلى البقاء قرب الملاجئ، حيث دوت صفارات الإنذار مرات عديدة.
تعليق الصورة : موقع ضربة صاروخية إيرانية في بني براك، شرق تل أبيب