كرمت السهرة الافتتاحية للدورة السابعة عشرة للمهرجان الوطني لفيلم الهواة بمدينة سطات، يوم أمس الثلاثاء ، الفنان والكاتب المسرحي والسيناريست توفيق الحماني، وذلك بالمركز الثقافي للمدينة.
ولم يندرج هذا التكريم في خانة الاحتفاء الرمزي بفنان محلي فحسب، بل شكّل مناسبة للتوقف عند تجربة فنية كان لها أثر واضح في جيل من المسرحيين الشباب، وأسهمت في بلورة رؤية مختلفة للعمل الفني بالمغرب، تقوم على ربط الإبداع بالسؤال والوعي.
سؤال التحقيق
ما حجم تأثير تجربة توفيق الحماني في المشهد المسرحي المغربي؟،كيف يزاوج فنه بين الأداء الجسدي والتفكير الفلسفي؟
ولماذا يعد حضوره التربوي جزءا لا ينفصل عن أثره الفني؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، تم جمع شهادات لعدد من طلبته، إلى جانب تحليل لبعض أعماله المسرحية والسينمائية، مع التوقف عند مصادر إلهامه الفنية والفكرية.
الشهادات: أثر تكويني وفلسفي
تكشف شهادات كل من زينب فهيم، زاكية زهير، وعادل حلواش، وهم طلبة اشتغلوا أو تتلمذوا ضمن ورشات الحماني، عن حضور تربوي هادئ يقوم على الحوار وبناء التفكير النقدي، بعيدا عن الوصاية أو التلقين.
تقول زينب فهيم:»العمل معه ليس درسا عابرا، بل تجربة تترك أثرها إلى ما لا نهاية… شغفه بالفن ليس هواية، بل أسلوب حياة».
ويضيف عادل حلواش: «لا يقاس ثقل الفنان بما ينتجه من أعمال فقط، بل بالأثر الذي يتركه في نفوس من حوله».
كما كتب أحد طلبته شهادة مطولة جاء فيها:»توفيق الحماني… بحر يهذب شكوك الحائرين، عود المبدعين وعازفهم.
يغني لهم ويسافر مع عزفهم.
أخ المتعلمين ورفيق الحالمين.
مايسترو فوق الخشبة، يراقص الأفكار ويمنحها مشاعر. يبتسم لخوفك ويكشر لضعفك.أنت هنا لتكتشف، لتقول للحياة: ها نحن نحيا.
توفيق فيلسوف في زمانه، لا يحب الجوائز، لكنه يعترف بالعبارات الإنسانية.يحب نفسه ويحترم عقله، ويقول: “أنا أرى، إذن أنا موجود”. توفيق… الواحد المتعدد».
تبرز هذه الشهادات أن تجربة التعلم مع الحماني تتجاوز الجانب التقني، نحو ربط الفن بالوعي والسؤال، وتشجيع الاستقلالية الفكرية وروح التجريب.
الأعمال المسرحية والسينمائية
من مسرحياته مثل «جنان الكرمة» و»عبد الرحمن المجدوب»، إلى أفلامه «بوغابة» و»المطمورة»، يبرز اهتمام الحماني بالبعد الرمزي وبالأسئلة الإنسانية العميقة.
شخصياته ليست جاهزة ولا نمطية، بل كائنات حية ومتفاعلة، تدعو المتفرج إلى المشاركة في تأويلها، حيث يتحول العرض إلى تجربة تأملية تتجاوز المشاهدة العابرة.
تأثير أنطوني كوين في تجربة الحماني
لا يخفي توفيق الحماني تأثره بفلسفة وأداء الممثل العالمي أنطوني كوين، مستفيدا من طريقته في التعامل مع الجسد، النص، والصوت بوصفها عناصر متكاملة لنقل المعنى الإنساني.
ويعد أنطوني كوين (1922–2001) من أبرز ممثلي القرن العشرين، عرف بأدواره المركبة والعميقة، خاصة في أفلام مثل «لورنس العرب»(1962) و»زوربا اليوناني» (1964)، حيث جسد الصراعات الإنسانية بقدرة تعبيرية لافتة، جعلت أعماله قريبة من وجدان المتلقي، بما في ذلك المشاهد العربي.
أثر فردي أم فعل ثقافي؟
رغم وضوح تأثير الحماني على طلبته، يظل السؤال مطروحا حول مدى انتقال هذا الأثر إلى المشهد المسرحي العام.
هل يمكن لممارسة فردية، مهما بلغت قوتها، أن تحدث تحولا مؤسسيا؟
هنا يبرز دور المؤسسات الثقافية والإعلامية في توثيق التجربة، تحليلها، وإدخالها إلى النقاش العمومي، بما يسمح بتحويلها من تجربة محدودة إلى حالة معرفية وفنية قابلة للتداول.
تكريم توفيق الحماني في مهرجان سطات لا يقتصر على الاحتفاء بمسار فني، بل يفتح باب التأمل في تجربة تجمع بين الإبداع، الفلسفة، والتكوين التربوي.
الشهادات، تحليل الأعمال، ومعلومة تأثره بأنطوني كوين، كلها تشير إلى تأثير متعدد الأبعاد: فني، تربوي، وفكري، تجربة تستحق المتابعة والنقاش داخل المشهد الثقافي المغربي.


