عندما تأسست جامعة شعيب الدكالي بالجديدة بعد أن كانت مجرد ملحقة تابعة لجامعة الحسن الثاني بالبيضاء لعدة سنوات، راهن عليها الكثير من أجل أن تكون منارة علمية، ونواة لتطوير البحث العلمي والعلوم الإنسانية، وناضل طلبتها كما ناضل العديد من أساتذتها بمختلف مشاربهم للرقي بها إلى مصاف الجامعات الوطنية الأخرى التي كان إشعاعها قد وصل صداه إلى العالمية٠
رغم أن جامعة شعيب الدكالي التي تأسست بكليتين كانت أولها كلية الآداب وبعدها كلية العلوم، فإنها اليوم قد وصلت غالى ما يناهز الثماني مؤسسات حيث تضم إضافة إلى الآداب والعلوم، العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعي ، إضافة إلى المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، والمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، والمدرسة العليا للتكنولوجيا، والمدرسة العليا للتربية والتكوين، والكلية المتعددة التخصصات. إلا انه رغم المجهودات التي يقوم بها الطاقم التربوي بعقده لشركات علمية قوية مع جامعات ذات صيت عالمي وتأسيس مختبرات علمية وتبادل البعثات والشراكات، فإنها ظلت تحتل وبشكل مستمر المراتب الأخيرة في تصنيف الكثيرة من المؤسسات العلمية المشهود لها بالبحث العلمي المتطور ونزاهة مسؤوليها.
ويطرح العديد من التقتهم الاتحاد الاشتراكي ذات التساؤل، كيف لم يستطع كل الرؤساء الذين تعاقبوا على جامعة شعيب الدكالي الرقي بها إلى مراتب متقدمة كمثيلتها، ابن طفيل بالقنيطرة أو محمد الخامس بالرباط أو الحسن الثاني بالبيضاء؟ ولماذا لم تتمكن من مغادرة المراتب الأخيرة في التصنيف الدولي؟
تعاقب المسؤولين لم يحل
إشكالية التعثر
تعاقب على جامعة شعيب الدكالي بالجديدة أكثر من ثماني رؤساء وأكثر من خمسين عميدا ومديرا، ومع تعاقب المسؤولين كانت تظهر بين الفينة والأخرى بعض الاختلالات على مستوى التدبير والتسيير، كما أن بعض الاختيارات في التعيين على رأس بعض المؤسسات كانت تشوبها أحيانا المحاباة وعلاقة الزمالة السابقة، مما يطرح السؤال إن كان لهذا الأمر علاقة بعدم تطور جامعة شعيب الدكالي؟ أم هل تعوزها الإمكانات المادية واللوجستيكية؟ أم أن « العزيمة « هي من تقف حجر عثرة في وجه تقدم وتميز البحث العلمي؟
تعيش جامعة شعيب الدكالي خلال السنوات الأخيرة فوق صفيح ساخن جراء الاحتجاجات المتواصلة أمام غياب رؤية واضحة في التسيير وفي الرقي بالبحث العلمي، فالجامعة التي تتوفر على ثماني مؤسسات، توجد من بينها اثنتين على الورق فقط فالكلية المتعددة التخصصات التي صدر مرسوم بتأسيسها في سيدي بنور لحد الساعة لا وجود لها، رغم أن لها عميد يتقاضى أجره من المال العام من أجل، أولا البحث عن الوعاء العقاري بسيدي بنور والاتصال بمسؤولي إقليم سيدي بنور قصد التسريع ببنائها حتى تستفيد الساكنة منها لمتابعة أبنائها دراستهم في ذات المدينة التي تتوفر اليوم على أكثر من خمس وحدات صناعية وبالتالي انفتاح هذه المؤسسة على محيطها الاقتصادي والاجتماعي وإمداد الإقليم بأطر خالصة وقوية تعرف المنطقة بكل جزئياتها، وليس أن نعين عميدا يتردد على مكتب فاخر برئاسة جامعة شعيب الدكالي ويسير فصلين دراسيين تسمى جورا كلية متعددة التخصصات تستوطن في كلية آداب الجديدة وتحتفل بدخولها الجامعي بمركز الدكتوراه بالجديدة وهي أصلا أسست لتكون في إقليم آخر اسمه يا سادة سيدي بنور .
الغريب لا يكمن فقط في هذا ولكن غرابة مسؤولي الوزارة أن عميدها يمارس أيضا جزء من مهام رئيس الجامعة بصفته نائبا للرئيس مكلف بالبحث العلمي والشركات منذ أكثر من تسع سنوات، وهي الحالة التي تطرح علامة استفهام في خريطة التعليم الجامعي، مع ما تكلف هذه المهمة من مال عام يتعلق بالسفريات والبنزين وسيارة المصلحة والتنقل، هذا إذا افترضنا أن عميدها ونائب رئيس الجامعة لا يستفيد من التعويضات الشهرية عن نيابته لرئيس الجامعة، وهل لا يوجد اليوم من بين الاساتذة من لا يستحق شرف هذا المنصب بجامعة تضم اليوم خيرة الأطر المغربية، وبالتالي فإننا اليوم أمام نكتة اسمها كلية متعددة التخصصات على الورق في سيدي بنور وطلبتها موزعين على الأقسام بالجديدة، وتصدر هي الأخرى شهادات جامعية باسم سيدي بنور وتحتفل بالدخول الجامعي بمركز الدكتوراه بالجديدة بعد أن تم كما كل ما يشير إليه في الوقت الذي أن لا وجود لها في الواقع بإقليم يبعد عن إقليم الجديدة بتسعين كيلومترا.
وما ينطبق على الكلية المتعددة التخصصات بسيدي بنور، ينطبق على المدرسة العليا للتربية والتكوين التي لا توجد هي الأخرى إلا على الورق وبطاقم إداري وتربوي، ذلك أنها هي الأخرى تستوطن حجرتين في كلية الآداب والعلوم الإنسانية رغم ـنه قد تخرج منها أكثر من فوج. فإلى متى ستظل وضعية الشذوذ تستوطن مؤسسات التعليم العالي في الجديدة؟
من جهتها، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التي لم تسلم هي الأخرى من الاحتجاجات المتواصلة طيلة الموسم السابق، عرفت اختيار أحد نواب العميد بمسار علمي غامض فهو لم يكن سوى موظف إداري بعد أن تم استقدامه من جامعة القاضي عياض وتمكن من تسلق المراتب العلمية إلى أن وصل إلى الدكتوراه التي لم يتمكن بها من اجتياز اختبارات الانتقاء بالعديد من المدارس، وتمكن في الأخير من ولوج المدرسة العليا للتكنولوجيا، ليتحول بعدها إلى نائب للمدير قبل أن يحال مديرها على التقاعد، وتمكن بعدها من الانتقال بسرعة كبيرة إلى كلية العلوم القانونية بالجديدة مع اختياره نائبا لعميدها بسرعة قياسية، رغم أنه ليس أستاذا بها، كما أن نوعية الشهادة لا تخول له التدريس بها، وكان أول مسؤول لم تتمكن أي جهة من توقيف الاحتجاجات القوية في وجهه سواء من طرف الطلبة، الذين كادوا أن يحرموا من اجتياز بعض الامتحانات أو الأساتذة الذين احتجوا بشكل قوي طيلة أيام أمام مقر الرئاسة بعد محاولة التغطية عليه من طرف جهات معلومة٠
الاختلالات ترافق جميع المؤسسات
الاختلالات المالية والإدارية التي عرفتها المؤسسات الجامعية من قبل المفتشية العامة، استثنيت منها المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، التي لم يكن مديرها سوى الرئيس الجديد لجامعة شعيب الدكالي الذي عين قبل ثلاثة أشهر تقريبا، حيث أثيرت العديد من التساؤلات حول هذا الاستثناء من التفتيش، شأنها شأن المدرسة العليا للتكنولوجيا التي هي الأخرى لم تخضع للتفتيش، إلى أن غادر مديرها منصبه نحو تقاعد مريح ، رغم أن الرئاسة عرفت حصة الأسد من مدة التفتيش، ذاك أن مسؤولي المفتشية مكثوا بها لأكثر من شهرين ووقفوا على اختلالات كبيرة في التسيير والتدبير وخضع كاتبها العام المقال لامتحان عسير، حيث أن الوزارة لم تتوصل لحد الآن بالإجابة عن ما دونته المفتشية في تقريرها بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر عن مراسلة المعنيين بأمر التفتيش؟
وعلى ذكر الكاتب العام المقال فقد ظل لسنوات طويلة الأمر والناهي برئاسة الجامعة والمسؤول الوحيد والأوحد عن التشغيل والميزانية والشؤون القانونية والمنازعات وحظيرة السيارات، وطلبات العروض والاتفاق المباشر، حتى كان أحيانا يخال أنه المسؤول الأول عن الشأن الجامعي بالجامعة قبل أن يطاح به من هذا المنصب.
يبقى هذا غيض من فيض، في انتظار أن يستفيق بعض من مسؤولينا من سباتهم على اعتبار أن تعيينهم على أوضاع البحث العلمي ببلادنا، ليس سيارة واجتماعات وندوات مخدومة، ولكن دعم للعلم ودفع بعجلته قصد الرقي به إلى مصاف العالمية وتلك حكاية أخرى .