لم يسبق أن وضع ترامب كمامة في مكان عام قبل يوم السبت حين زار مستشفى قرب واشنطن
نرغب جميعا في أن يعود أطفالنا إلى المدرسة (…) لكن يجب أن يعودوا بشكل آمن”
أصبحت الكمامات موضع خلاف سياسي، لأن رفض وضعها ينظر إليه في جزء من المجتمع الأميركي على أنه تأكيد للحرية الفردية للمواطن
تصاعد النقاش في الولايات المتحدة الأحد حول خيار فتح المدارس الذي يستميت الرئيس دونالد ترامب في الدفاع عنه، وقد صار الموضوع مسيسا تماما كوضع الكمامة في ظل ارتفاع كبير في عدد إصابات كوفيد19 في أنحاء البلاد.
فمع تسجيل عدد إصابات يومية قياسي، لا سيما في الولايات الكبرى جنوب البلاد، اعتبر مسؤول في وزارة الصحة الأميركية الأحد أنه لا يمكن استبعاد إعادة فرض حجر في المناطق المتضررة بشدة.
وقال مساعد وزير الصحة بريت غيروير لتلفزيون ايه بي سي إنه “يجب النظر في كل شيء”. وأضاف “جميعنا قلقون جدا من ارتفاع عدد الإصابات”، وحذر من انتظار تزايد عدد حالات الاستشفاء والوفيات للتحرك.
الإشارات تنذر بالخطر، وما زالت إدارة ترامب تتعرض للانتقاد لغياب استراتيجية قومية، ما يلقي مسؤولية إدارة الأزمة على ولايات البلاد الخمسين.
وسجلت أكثر من 15 ألف إصابة جديدة في فلوريدا خلال 24 ساعة، وفق معطيات نشرتها الأحد السلطات الصحية المحلية، وهو رقم قياسي في الولاية.
وقال بريت غيروير في هذا الصدد إنه “يجب أن يضع 90 بالمئة من الناس كمامة في الأماكن العامة” في المناطق الأشد تضررا، وشدد على أنه “إن لم يحصل ذلك، فلن نتمكن من السيطرة على الفيروس”.
ولم يسبق أن وضع ترامب كمامة في مكان عام قبل يوم السبت حين زار مستشفى قرب واشنطن.
وساهم الرئيس الأمريكي في جعل هذه الأداة المحورية لكبح الفيروس رمزا للانقسام، عبر السخرية مثلا من خصومه السياسيين الذين يضعونها، وبينهم جو بايدن، منافسه الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية المقررة في 3 نوفمبر.
ويعطي الرئيس الأمريكي الأولوية لموضوع إعادة فتح المدارس في سبتمبر، وهو أمر يلح عليه منذ أسابيع رغم أنه من صلاحيات السلطات المحلية.
وقالت وزيرة التعليم بيتسي ديفوس لشبكة سي إن إن صباح الأحد، مكررة دعوة الرئيس، “أحث كل المدارس على استئناف نشاطها، وتقديم دروس لتلاميذها بدوام كامل”.
وأضافت “يجب أن تكون القاعدة عودة الأطفال إلى المدرسة في الخريف”، معتبرة أن اغلاقها له تداعيات كارثية على “الفئات السكانية الهشة”. وقدرت أن الطفرات المستقبلية للفيروس يمكن “التعامل معها في كل مدرسة على حدة”، ولا يمكن تبني مقاربة “موحدة”.
وكررت الوزيرة في تصريح لتلفزيون فوكس نيوز تهديدا أطلقه ترامب، إذ قالت “إن لم تفتح المدارس ولم تلتزم وعودها، فإنه ينبغي ألا تحصل على تمويل” فدرالي.
من جهتها، علقت الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب نانسي بيلوسي على هذه الدعوات قائلة “إنهم يتلاعبون بصحة أطفالنا”. وأضافت “نرغب جميعا في أن يعود أطفالنا إلى المدرسة (…) لكن يجب أن يعودوا بشكل آمن”.
وأكدت في تصريح لسي إن إن أن “العودة إلى المدرسة تمثل أكبر تهديد بنشر الفيروس”، وتابعت أنهم “يتجاهلون العلم”، في إشارة إلى إدارة ترامب.
وفي ما يخص المدارس، أوصت المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بإقرار تدابير تباعد جسدي، بينها ترك مسافة بين مقاعد التلاميذ والمعلمين، وتهوئة القاعات.
لكن ترامب اعتبر أن هذه الإرشادات “صارمة جدا”.
ولاحظت المراكز أن إعادة فتح المدارس والجامعات تمثل “أكبر تهديد” لجهة انتشار الفيروس، وفق وثيقة داخلية مخصصة لتوجيه السلطات المحلية حول الموضوع، حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز ونشرتها الأحد.
والولايات المتحدة هي أكثر دول العالم تضررا بفارق بعيد لناحية الأرقام المطلقة، وقد سجلت في الأيام الخمسة الأخيرة نحو 60 ألف إصابة يومية جديدة، أي نحو ضعف معدل الإصابات خلال ابريل حين كانت غالبية أنحاء البلاد تخضع للحجر. وارتفع منحنى الوفيات أيضا، وإن كان بدرجة أقل من منحنى الإصابات.
واشارت أحدث تقديرات السلطات الصحية إلى احتمال تجاوز عدد الوفيات 160 ألفا بحلول الأول من غشت. وأودى فيروس كورونا المستجد ب135 ألف شخص حتى الآن في الولايات المتحدة.
…وحول إعادة فرض العزل
ويسعى العديد من رؤساء بلديات المدن الكبرى في الولايات المتحدة إلى إعادة فرض العزل لمنع موجة إصابات جديدة بوباء كوفيد19، لكن الخلافات السياسية بين المؤسسات المختلفة في البلاد تمنع الوصول إلى موقف موحد ومنسق بهذا الصدد.
وفيما أعيد فرض العزل خلال الأيام الأخيرة في ملبورن الأسترالية وليريدا الإسبانية والعاصمة الفليبينية مانيلا ومدينة طنجة المغربية، لا يزال اتخاذ تدابير مماثلة في أكثر بلد متضرر في العالم من الوباء أمرا نادرا ، رغم أن العدوى تواصل الارتفاع في الولايات المتحدة منذ يونيو.
ودعا مسؤولون في هيوستن أكبر مدن تكساس التي يساوي عدد سكانها تقريبا عدد سكان ملبورن (4,7 ملايين نسمة)، إلى فرض العزل من جديد بعد رصد 1600 إصابة جديدة خلال 24 ساعة، وهو رقم يساوي سبعة أضعاف ما سجل في ملبورن قبيل فرض الإغلاق.
وأعلن رئيس بلدية هيوستن سيلفستر تورنر نهاية الأسبوع “لو كنت حاكم (ولاية تكساس)، لكنت أوقفت كل شيء وأغلقت كل شيء لأسبوعين بهدف التخفيف من حدة هذا الفيروس”.
إلا أن حاكم تكساس الجمهوري غريغ أبوت، لم يستسلم أمام هذا الضغط، على الأقل حتى الآن.
وقال لقناة تلفزيونية محلية بشأن قراره فرض وضع كمامات في الأماكن العامة رغم مقاومته تطبيق هذا الإجراء لوقت طويل “كانت تلك فرصتنا الفضلى الأخيرة لإبطاء تفشي وباء كوفيد-19″، مضيفا أن “الخطوة التالية ستكون العزل”.
وكانت ولاية تكساس من أولى الولايات الأميركية التي بدأت رفع تدابير العزل في أول مايو. وفتحت حاناتها في 22 مايو، لكن أرغم الحاكم على إغلاقها بعد شهر من ذلك، قبل أن يفرض وضع الكمامة في 3 يوليو.
في الأثناء، سجلت ولاية فلوريدا أكثر من 15 ألف إصابة جديدة الأحد وهو رقم غير مسبوق، كما بدأ عدد الوفيات أيضا بالارتفاع.
وأمر رئيس حكومة الولاية الجمهوري رون دي سانتيس حتى الآن بإعادة إغلاق الحانات، لكنه رفض جعل وضع الكمامة إلزاميا ، أو فرض قيود إغلاق جديدة، تاركا الأمر بعهدة مسؤولي المدن والبلدات.
في ميامي، ارتفع عدد مرضى العناية المركزة سبعة أضعاف عما كان عليه في مارس وابريل، وفق رئيس بلديتها فرانسيس سواريز.
وقال سواريز لشبكة سي إن إن “الأمر خارج عن السيطرة”، مضيفا مع ذلك أن المستشفيات لم تبلغ قدرتها القصوى بعد.
وأشار إلى أنه “يجدر بنا النظر” بإعادة فرض العزل في حال لم تعد المستشفيات قادرة على استيعاب المرضى.
في مقاطعة ميامي داد (2,7 مليون نسمة)، جاءت نتائج ثلث فحوص كورونا التي أجريت إيجابية، وفق رئيسها الجمهوري، الذي أعاد فرض إغلاق النوادي الرياضية والمطاعم الداخلية.
غالبا ما تتعدد الخلافات بين مستويات السلطة المختلفة في بلد يتمتع بنظام لامركزي إلى حد كبير.
وفي كاليفورنيا مثلا ، اصطدم قرار فرض وضع الكمامات برفض بعض مأموري الشرطة مراقبة تنفيذه.
وفي أتلانتا في جورجيا، وهي ولاية جنوبية أخرى يتفشى فيها الوباء بحدة، أمرت رئيسة البلدية بوضع الكمامات، لكن الحاكم الجمهوري رد بالقول إن هذا القرار “مجرد توصية- غير ملزمة وغير قابلا للتطبيق قانونيا “.
وقال الحاكم براين كيمب “كما هو مؤكد بوضوح في المرسوم التنفيذي الصادر عن الحاكم، لا يمكن لأي خطوة محلية أن تتخذ طابعا مقيدا بأي شكل من الأشكال”.وردت رئيسة البلدية كيشا لانس بوتومز، المصابة بالفيروس، أن قرارها قابل على الأقل للتطبيق في المراكز التابعة للبلدية وبالتالي في مطار أتلانتا الدولي.
ولاحظت بوتومز التي يحتمل ترشحها لتولي نيابة رئاسة الجمهورية إلى جانب المرشح الديموقراطي جو بايدن أن “من الواضح أن ولايتنا لا تعتمد على البيانات العلمية”.
على المستوى الاتحادي، تعتمد إدارة دونالد ترامب عدم فرض أي قيود، لكنها تشجع على إجراء الفحوص ووضع الكمامات وإغلاق الحانات.
وقال بريت غيروار المسؤول في وزارة الصحة الأحد “على 90% من الأشخاص وضع الكمامات في الأماكن العامة في المناطق التي تعد بؤرا للوباء”، مضيفا “وإلا لن نتمكن أبدا من السيطرة على الفيروس»…
ترامب يضع كمامة
علنا للمرة الأولى
وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كمامة للمرة الأولى في مكان عام السبت خلال زيارته مركزا طبيا، مذعنا للضغوط بأن يكون مثالا في مجال الصحة العامة مع ارتفاع نسبة الإصابات بفيروس كورونا في أنحاء الولايات المتحدة.
ووضع ترامب قناعا بلون داكن حمل نقشا برمز ذهبي للرئاسة الأمريكية.
وكان على الملياردير الجمهوري أن يغطي وجهه السبت وهو يزور الجنود الذين أصيبوا في المعارك في مستشفى والتر ريد في بيثيسدا في ولاية ماريلاند في ضواحي واشنطن.
وقال قبيل مغادرته البيت الأبيض “عندما تتحدث مع جنود خرجوا لتوهم من أرض المعركة، أعتقد أن وضع قناع أمر عظيم. لم أكن يوما ضد الأقنعة، لكني أعتقد أن لها مكانا وزمانا مناسبين”.
حتى إن الرئيس ساهم في جعل وضع الأقنعة الذي أوصت به السلطات الصحية الأمريكية، نقطة تجاذب سياسي في البلاد.
وأصبحت الكمامات موضع خلاف سياسي، لأن رفض وضعها ينظر إليه في جزء من المجتمع الأميركي على أنه تأكيد للحرية الفردية للمواطن.
وكان تجمع ترامب الانتخابي الأخير الذي نظم في يونيو في تالسا (أوكلاهوما) مثيرا للجدل إذ خرق معظم الحاضرين المبادئ التوجيهية لإدارة ترامب لمكافحة فيروس كورونا من خلال رفض وضع الكمامات أو الحفاظ على التباعد الجسدي علما أنهم كانوا في مكان مغلق.
ولاحظت السلطات المحلية منذ ذلك الحين زيادة في عدد الإصابات بكوفيد19.
كما سخر الرئيس الأمريكي مرارا من منافسه الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقررة في 3 نوفمبر جو بايدن الذي يلتزم بنصائح السلطات الصحية. فهو يحد من تحركاته ويظهر بشكل منهجي مع تغطية وجهه.
وانتقد فريق حملة بايدن بشدة ترامب لعدم وضعه قناعا في وقت سابق. وقال أندرو بيتس الناطق باسم بايدن في تصريح نقلته شبكة “إن بي سي نيوز”، “لقد تجاهل لأشهر نصيحة الخبراء الطبيين وقام بتسييس وضع الكمامة التي تعتبر من أهم الوسائل لمنع انتشار الفيروس”.
وتابع “بدلا من تحمل مسؤولياته والتصرف كقائد، أهدر أربعة أشهر من التضحية الأميركية عبر إثارة الانقسامات وثني المواطنين عن اتخاذ إجراءات أساسية لحماية أنفسهم”.
وكانت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أصدرت توصية بوضع الكمامات في بداية أبريل.
لكن ترامب رفض تلك النصيحة على الفور، مشيرا إلى أنه يخضع للاختبار بشكل دائم للتأكد من عدم إصابته بالوباء كما هو الحال بالنسبة لجميع المقر بين منه.
وبدت الضغوط كثيفة جدا على الرئيس الجمهوري ليقوم ببادرة تشجع على وضع الكمامات، حيث تفقد الولايات المتحدة السيطرة على الوباء بعد تسجيلها عددا مرتفعا جدا من الإصابات خصوصا في ولايات جنوبية مثل فلوريدا وتكساس.